مكتبات المستقبل

2007 09 07

ضيوف الحلقة:
الدكتورة سهير وسطاوي  |  الدكتور حسام لطفي  |  الدكتور موريس أبو السعد  |  الدكتورة إجلال بهجت



 

دارت المناقشة حول وضع ودور المكتبات في ظل ثورة المعلومات والإنترنت والوسائط الرقمية التي يري البعض أنها ستحجِّم دور وشكل وانتشار الكتاب التقليدي؛ ومن ثم المكتبات التقليدية. وفي هذا الصدد، ترى الدكتورة إجلال بهجت أن دور المكتبة كوسيط بين مصادر المعلومات والمستفيد لن ينتهي مستقبلاً لأسباب عديدة، من بينها أنه ليس باستطاعة كل شخص أن يحصل على الكتاب بأشكاله المختلفة سواء كان مطبوعًا أو رقميًّا، كما أن كل المواد المتاحة على الإنترنت ليست مجانية. ومن الملاحظ أن دور المكتبات تطور من مجرد كونها مراكز للاطلاع لتصبح مراكز للتعليم والتدريب والتثقيف، وهو ما بدأ في التطور والظهور في المكتبات العامة في مصر مثل مكتبات مبارك العامة ومكتبات جمعية الرعاية المتكاملة؛ نظرًا لتطور احتياجات ومتطلبات المجتمع.

وفي الاتجاه نفسه، أضافت الدكتورة سهير وسطاوي أن المكتبات في العالم كله قد تطورت لتصبح مراكز لمساعدة الباحثين مع انتشار الإنترنت الذي أصبح مثل "الأجورا اليونانية" الممتلئة بكل السلع الرخيصة والثمينة؛ فمن خلال الإنترنت، يستطيع أي شخص مهما كانت درجة معرفته أو عمره أن يصنع أي نظرية أو أن يذيع أي فكرة دون رقابة من أحد، وهو ما يعزز دور المكتبات في عمليات البحث العلمي حيث تقوم بدور الموجه للباحثين، فأمناء المكتبات يقومون بتوجيه المطّلعين على مصادر المعلومات والمراجع الموثوقة واستبعاد غير الموثوقة.

وعن تطور دور المكتبات الإقليمية في مصر، يقول الدكتور موريس أبو السعد إن مكتبات مبارك العامة تم وضعها كنموذج لتطوير المكتبات الإقليمية في مصر، فهذه المكتبات انتشرت على مستوى القاهرة الكبرى، وقام نجاح تجربتها على مفهوم يسعى للانتقال بالمكتبة لتصبح أكثر من مجرد تجمّع للكتب والاطلاع لتصبح متعددة الأنشطة حيث توجد ورش العمل ومراكز التدريب. ويضيف أبو السعد أن الإنترنت لم يؤثر على هذا الدور بل تضاعف حجم الاشتراك في مكتبات مبارك والتردد عليها. وتقوم المكتبة بالتوجيه والرقابة غير المباشرة على عملية استخدام الإنترنت من خلال إحاطة المستخدمين بأهم المواقع العلمية التي يحتاجونها في مختلف التخصصات، وذلك باشتراكات رمزية.

ومن هذه النقطة، انتقل الحوار للحديث عن تكلفة الاشتراك في قواعد البيانات العلمية الكُبرى، وما يرتبك بها من قضايا مثل حرية تداول المعلومات والاطلاع عليها عبر الإنترنت. وتقول الدكتورة سهير وسطاوي إن المعلومات أيًّا كان شكل وعائها ليست مجانية بل لها ثمن. وقواعد البيانات هي مجموعة من الدوريات والكتب العلمية في مجال ما، وتمثل سلعة مربحة للناشر؛ حيث يقوم بتجميعها ثم بيعها ولضمان حقوقه يقوم بإبرام اتفاقية مع المكتبات التي تقوم بشراء حقوق الولوج إلى هذه القواعد من خلال اشتراكات باهظة الثمن يصعب على المكتبات الصغيرة القيام بها. ويفصل الدكتور حسام لُطفي هذه المسألة قانونيًّا بقوله إن هناك فارقًا بين حقوق المؤلف وحقوق الناشر، وإن العقود المبرمة فيما يتعلق بقواعد البيانات هي بالأساس لضمان حق الناشر. أما حقوق المؤلف فهي محددة بحياة المؤلف وبعد مماته بفترة قد تصل إلى 50 أو 70 أو 125 عامًا، وفي نهاية المطاف تئول إلى الملكية العامة. أما بالنسبة لحقوق الناشر، فهي أبدية طالما أن قواعد البيانات موجودة حتى لو تغير شخص الناشر، وهي محددة بإطار جغرافي.

وقد قدم الدكتور سراج الدين لمحة تاريخية عن تطور هذه الحقوق التي بدأ الحديث عنها في الدستور الأمريكي الذي أعطى الكونجرس الحق في تحديد فترة زمنية لحقوق المؤلف، وبعد جدال بين توماس جيفرسون وجيمس ماديسون تحددت الفترة بأربعة عشر عامًا. وطيلة القرن التاسع عشر احترف الناشرون الأمريكيون سرقة حقوق المؤلفين البريطانيين مثل شارلز ديكنز بدعوى كونها دولة نامية آنذاك وأن أحكام دستورها لا يمتد تطبيقها خارج الأراضي الأمريكية. ومع تغير الأوضاع وزيادة القوة الأمريكية صارت الولايات المتحدة هي المحدد الأبرز لحقوق التأليف والنشر والملكية الفكرية في العالم، ومن ذلك صدامها الدائم مع الصين التي تراها الآن المنتهك الأكبر لحقوق الملكية الفكرية.

ويُرجع الدكتور حسام التطورات الطارئة على التمييز بين حقوق النشر والتأليف إلى التمييز المسبق منذ الدستور الأمريكي بين الملكية المادية والملكية الفكرية، الفكرة السائدة حتى الآن هي أن حقوق المؤلف موقوتة، أما حقوق الناشر فأبدية، ومع ذلك تظل للمؤلف حقوق أدبية أبدية، وفي حال الاعتداء عليها بتغيير محتوى المادة مثلاً يحق لورثته أن يلجأوا للقضاء لوقف نشر المواد المنتهَكة، وفي حال غياب نسله يئول هذا الحق لوزارات الثقافة أو نقابات الكتاب.

وتظل المكتبات الإقليمية في حاجة للولوج إلى قواعد البيانات، حيث يشير الدكتور موريس أبو السعد إلى سعي مكتبات مبارك العامة إلى دعم شبكة المكتبة الرقمية من خلال صندوق مكتبات مبارك العامة الناشئ بقرار جمهوري لعام 2006، والذي يستهدف دعم مقتنيات المكتبات الإقليمية من خلال المكتبات المركزية الإقليمة. وبهذا الصدد تطرح الدكتورة سهير وسطاوي فكرة الشراء الجماعي لحقوق الولوج لقواعد البيانات وهو ما يعرف بالكونسورشيوم والذي تشترك فيه شبكة من المكتبات العامة والجامعية. وفي السياق نفسه، يستدعي الدكتور سراج الدين مبادرة العالم الأمريكي هارولد مارفوس الحاصل على نوبل والداعي إلى أن يكون العلم مجانيًّا وفي متناول الجميع؛ ومن ثم يرفض بشدة فكرة شراء الحقوق باشتراكات باهظة، وقد قام مارفوس بإنشاء موقع "المكتبة العامة للعلوم" الذي يتيح الاطلاع على الدوريات العلمية مجانًا على الإنترنت.

وتشير الدكتورة إجلال إلى مبادرات مصرية مشابهة، فقد أتاحت بعض المؤسسات المصرية مثل المجلس القومي للمرأة ومكتبة الإسكندرية ومركز معلومات مجلس الوزراء إصداراتها على الإنترنت مجانًا، وكذلك مبادرة بعض المؤسسات لخدمة المؤلفين الشبان ونشر إنتاجهم، ومبادرة وزارة الاتصالات الساعية لرقمنة الكتب التراثية والقديمة.

واستشرافًا لدور مكتبات المستقبل، تقول الدكتورة سهير وسطاوي إن هذا الدور سيتسم بالتنوع، وإن المكتبات لن تفقد جزءها الورقي، كما أن عمليات الرقمنة ستتسع وإن أخذت وقتًا طويلاً لكي يكتمل توثيق التراث المكتوب، وستزداد الرقعة الاجتماعية للمكتبة بحيث تصبح ساحة للقاء والتعارف العلمي بين طلاب العلم. ويضرب الدكتور سراج الدين بمكتبة الإسكندرية مثلاً قائمًا لمكتبات المستقبل الحديثة وما تقدمه من خدمات تكنولوجية توسع من رقعة المعرفة لفئةٍ كالمكفوفين؛ فالمكتبة تضم "مكتبة طه حسين" لخدمة المكفوفين، وهو ما تراه الدكتورة وسطاوي دعمًا لاستقلالية هذه الفئة من خلال التطبيقات التكنولوجية. ويضيف الدكتور موريس أن مكتبات مبارك تسعى إلى تجاوز فكرة المكتبة الرقمية لإقامة مظلة لتغطية احتياجات المكتبات الإقليمة وإقامة تعاون بين المكتبات العامة التي يزيد تعدادها عن الألف مكتبة.

ومن خلال تجربتها في إقامة تعاون بين أعرق مكتبة لإيداع وحفظ الكتب في مصر وهي دار الكتب، وأحدث مكتبة في العالم العربي وهي مكتبة الإسكندرية بمراكزها البحثية المختلفة، تؤكد الدكتورة إجلال بهجت مستشرفةً مستقبل المكتبة الرقمية في مصر أن هذه المكتبة ستطغى بشكل كبير وسيكون بإمكان جميع الأفراد الاطلاع على الآلاف من الوثائق والكتب التراثية والقديمة والبرديات الرقمية.

وبالتطرق إلى ربط الشبكة الرقمية بين التراث والمعاصرة من خلال رقمنة التراث، يختتم الدكتور إسماعيل سراج الدين الحلقة بتأكيده على أن المكتبات يعول عليها كثيرًا في التعامل السليم مع عصر العولمة والثورات المعرفية للتحرك دون تخبط أو استسلام من خلال قيامها بدور الوسيط بين منتجي المعلومة ومستهلكيها، ونشر المعرفة لدفع المجتمع نحو مزيد من الإبداع والإنتاج.

فريق العمل (داخل المكتبة):

إعداد وتقديم :د/ إسماعيل سراج الدين
فريق الإعداد :د/ خالد عزب، دينا أبو العلا، محمد السيد، ياسمين أسامة، بسمة نافع، أمنية خليل
مهندسو الاستوديو : محمد زايد، أحمد القلشاني
علاقات عامة: محمد مطش
تعليق صوتي: دينا أبو العلا
مونتاج: أحمد قدري
مديرو تصوير: محمد رضا، محمد مشعل، وليد أحمد
صوت: إيهاب العمري
متابعة إدارية ومالية: محمود عسكر، طارق بلال، مراد عبد العال
فنيو كرين: سامي المسماري، محمد السيسي
فنيو الاستوديو: رامي رمضان، أحمد شوقي، محمود عبد الله، سعد السايس
إشراف: ستوديو مكتبة الأسكندرية، د/ خالد عزب، دينا ابو العلا
منتج منفذ: استوديو مكتبة الإسكندرية


فريق العمل (خارج المكتبة):

إشراف عام: نادية حليم
منتج: أحمد طه
إخراج: أحمد ماهر
مهندسو الاستوديو: أحمد مصطفى، أسامة قطب
كرين: وائل حتاته
مخرج منفذ: شريف عبد الرحمن
جرافيكس: AROMA
موسيقى التتر: هشام نزيه
مدير الإنتاج: عادل عبد الحميد
منفذ الإنتاج: حماده حنفي
مساعدو الإنتاج: محمد إبراهيم، أحمد جعفر، سامي سمير