بدأ الدكتور إسماعيل سراج الدين بإثارة قضية هامة، تعلق بانتشار ثقافة حقوق الإنسان مع الوقت، لكننا مع ذلك نواجه مواقف يتم فيها قمع حقوق الإنسان، مثل قمع حقه في التعبير عن رأيه، لكن دون أن تقوم الدولة بذلك، ودون طلب منها، بل يكون هذا القمع اجتماعيًّا، بمعنى أنه قمع متبادل بين المواطنين أنفسهم. وتوضيحًا لهذه الإشكالية، أوضح الدكتور عصفور أن سبب ذلك هو عدم تجذّر مفهوم حقوق الإنسان في ثقافة المجتمع، فهو حتى الآن عبارة عن أحاديث يتبادلها المثقفون.

لكن الدكتور سراج الدين اختلف مع ذلك الرأي موضحًا أن أحاديث المثقفين هي التي تحدد رؤية المجتمع لذاته وللآخر، ورأى أنه في المرحلة الجامعية ينبغي تأسيس مفهوم الحرية وتجذيره في عقول الطلاب، لكن الدكتور عصفور والدكتور الدقاق أجمعا على أن طلاب الجامعة الآن لا يحققون هذا المستوى من الوعي لأن النظام التعليمي المبني على التلقين لا يسمح أبدًا بتحقيق ذلك، فالطالب لا يتلقى أي تربية للمَلَكَة الإبداعية الخلاّقة لتفكيره.

وهنا طرح الدكتور سراج الدين قضية أخرى هي حساسية البعض تجاه الشريعة الإسلامية، والاعتقاد بأنها تصبح عقبة على طريق التطور والتحديث، رغم أنها احتوت منذ فترة طويلة على مبادئ تقدمية متطورة، سبقت بها الحضارة الغربية نفسها. ومن الأزمات التي تواجه ثقافة حقوق الإنسان تسييسها، أي الاستفادة منها لتحقيق أهداف سياسية تجاه دول أخرى بعيدًا عن فكرة الحفاظ على حقوق الإنسان في حد ذاتها، ومنها أيضًا ازدواجية المعايير في تطبيق مفاهيم حقوق الإنسان، مثل الضغط على بعض الدول التي تنتهك حقوق الإنسان وغض الطرف عن دول أخرى تنتهك هذه الحقوق نفسها لمجرد أنها دول حليفة.

وذكر الدكتور عصفور أنه في ثقافتنا العربية الحديثة كان عباس العقاد هو أول من ألّف كتابًا عن السجن وتحدث عن حقوق الإنسان، وأكد فيه أن أهم ما يميز الإنسان عن غيره من المخلوقات هو إحساسه بالكرامة الإنسانية، وأن أي انتهاك لهذه الكرامة يصيب الإنسانية كلها أيضًا. هذه هي القاعدة الأساسية، لكن الاستثناء وارد لبعض الظروف الطارئة فقط. ومن يعتدي على كرامة الإنسان أيًّا كان تبريره ينبغي أن يُدان على ذلك لأنه يعتدي على كرامة الإنسانية كلها.

بعد ذلك تناول الدكتور سراج الدين الموقف القانوني الذي يحدد حقوق الإنسان، لأننا نواجه الآن بعض الآثار السلبية لغياب ضوابط حقوق الإنسان، كما حدث في أزمة الرسوم المسيئة للنبي - صلى الله عليه وسلم - ومثل بعض الأفلام التي يتم إنتاجها لإثارة الفتنة بين المسلمين والمسيحيين؛ فهذه الممارسات تسيء للبعض تحت ذريعة حق التعبير والاختلاف، لكن الدكتور الدقاق شدّد على أن هناك معايير قانونية واضحة تفرّق بين الإهانة والاعتداء على الغير من جهة وبين الحق في حرية التعبير من جهة أخرى.

وفي ختام الحلقة تمت إثارة قضية الدكتور طه حسين في كتابه "في الشعر الجاهلي" حين قام بتغيير بعض أجزائه بعد الهجوم عليه، وأعاد نشره بعنوان "في الأدب الجاهلي" وذلك احترامًا لمشاعر الناس. لكن الدكتور عصفور رأى أن طه حسين فعل ذلك لأنه أحس أن بعض جمل الكتاب لم يفهمها الناس كما أراد، وأضاف فصلاً كاملاً للكتاب يتضمن الكثير من الأفكار الجريئة للدفاع عن حرية التفكير، لدرجة أنه قال صراحةً إن الأجدر بأساتذة الجامعة أن يبيعوا الفجل والكراث من أن يتخلّوا عن حرية التفكير، وأشار الدكتور سراج الدين إلى تكرار نفس الأزمة بعد سبعين عامًا مع الدكتور نصر حامد أبو زيد بسبب المناخ الاجتماعي المتشدد والمشبع بالأفكار الرجعية.