تحدث الدكتور إسماعيل سراج الدين في بداية الحلقة عن التفاعل الثقافي بين المشرق والمغرب العربييْن، في الفكر والفنون والآداب، فكنا نجد دائمًا أن كبار المثقفين والفنانين في المشرق أو المغرب كانوا يؤثرون في الجانب الآخر من العالم العربي. وأشار الدكتور عبد الحق عزوزي إلى أنه خلال عمله ودراساته في الحقل الثقافي والفكري تفاعل مع مثقفين عرب كثيرين من كافة أنحاء العالم العربي، واكتشف أن الوجدان العربي متماسك ومتقارب، وأن الثقافة العربية في المشرق والمغرب متجانسة ومتقاربة بسبب الاشتراك في اللغة والتاريخ والدين؛ مقارنًا ذلك باختلاف ثقافة الدول الأوروبية بسبب تباين لغاتها وثقافاتها.

وأكد الدكتور عزوزي أيضًا أن وحدة هذه الثقافة وتجانسها لا يمنعان من وجود بعض الاختلافات المحلية التي تعد أمرًا طبيعيًّا نجده داخل الثقافة الواحدة، فنحن نجد في الثقافة المغربية اختلافًا داخليًّا بين أهل الشمال والجنوب، وأهل الريف والصحراء مثلاً، وتساءل الدكتور عزوزي مندهشًا: كيف لا يستطيع العرب تحقيق نوع من الوحدة بينهم رغم وجود هذه القواسم الكبيرة المشتركة، في الوقت الذي نجحت فيه دول أوروبا في تجاوز الاختلافات الكبيرة بينها، وتحقيق نوع من الوحدة تحت مظلة الاتحاد الأوروبي.

ثم تحدث الأستاذ عبد الوهاب بدرخان عن وجود نوع من الخصوصية الثقافية لكل من المشرق والمغرب، ورأى أن ما يصنع هذه الخصوصية هو اختلاف البيئة بالأساس، سواء من الناحية الاجتماعية أو الأدبية أو الفكرية، وأيضًا كيفية تأثر البيئة الثقافية بالثقافات الأجنبية الوافدة. لكنه أكّد على تطور المفاهيم الحديثة عن الوحدة والمحلية والعالمية، بحيث أصبح البحث عن التقارب والوحدة ممكنًا عن طريق الاهتمام بالمكونات المحلية الخاصة التي يمكن تحويلها إلى ملامح شمولية تتجاوز الطبيعة المحلية إلى العالمية، وتحقق التكامل والتواصل مع الآخر.

وبهذا الصدد تناول الدكتور سراج الدين مشكلة الخلافات العربية حتى داخل الدولة الواحدة مثل الحرب الأهلية في لبنان، ووجود خلافات ومعارك داخلية في العراق وصلت إلى الاتجاه للتقسيم أحيانًا، بالإضافة للقتال داخل اليمن، ومشكلات الصومال والسودان، ثم تساءل الدكتور سراج الدين: هل الحديث الدائم عن القواسم المشتركة بين العرب تعتبر نوعًا من الرومانسية بعد حدوث كل هذه الخلافات داخل الدول العربية؟ لكن الأستاذ بدرخان رأى أن هذه الخلافات هي التي تصنع حاليًّا خصوصية المشهد الثقافي؛ مثلاً: هناك الخلاف حول تصورنا للإسلام لاختلاف رؤانا عنه، لكنه يظل موضوعًا للحوار المتصل بين المثقفين العرب.

وقد تساءل الدكتور سراج الدين عن المشروعات الجديدة للوحدة العربية التي لم تتم بشكل حقيقي إلا بين مصر وسوريا، وانتهت بسرعة لأنها لم تكن مؤسسة على أسس حقيقية راسخة، والملفت أنه منذ انتهائها سنة 1961 لم يتم إنشاء أي مشروع حقيقي بديل للوحدة العربية، ونوّه الدكتور سراج الدين بأن مشاريع الوحدة الناجحة سواء في أوروبا أو في الولايات المتحدة كان يتم تدريجيًّا وبتمهل. لكن الدكتور عزوزي أفاد بأن تجارب الوحدة الناجحة كانت ترتكز على دول ديمقراطية، بينما بقيت المؤسسات العربية الكبرى كجامعة الدول العربية تعاني من فشل واضح في معالجة المشكلات الكبرى. وهنا أشار الأستاذ بدرخان إلى مشكلة استمرار الثقافة القومية بوجهها السلبي بعد انتهاء المد القومي العربي.