تركز النقاش حول آليات حل مشكلة الأمن الغذائي في مصر، وطرح الدكتور إسماعيل سراج الدين في بداية الحلقة مناهج ثلاثة لاستخدام مياه البحر في الزراعة لحل مشكلة محدودية الموارد المائية، وهذه المناهج تتمثل أولاً في منهج الدكتور سوامينثان ودراسته حول نبات المنجروف الذي ينمو في مياه البحار واستخلاصه النظام الوراثي لهذا النبات وتهجين بعض المحاصيل بهذا النظام، وثانيًا هناك النباتات التي تنمو بالقرب من البحار وتحتمل درجات ملوحة عالية كتجربة زراعة بعض النباتات في الخليج، وثالثًا هناك منهج يعتمد على زيادة قدرة النباتات على تحمل الملوحة والقحط بتعديل خصائصها الوراثية.

وأوضح الدكتور مدروك أن تجربة الري بمياه البحار لها عواقب كتمليح التربة الزراعية بعد سنوات وهو ما يعني إخراجها من مساحة الأراضي المزروعة، ورأى أن الحل يكمن في تغيير تركيب النباتات جينيًّا لتحمل الظروف. وقد تم اقتراح زراعة مساحات من الساحل الشمالي المصري بهذا القمح المهجّن اعتمادًا على زخات المطر والري التكميلي بمياه الآبار وعدم الحاجة لنهر النيل، وتشير هذه التجربة إلى إمكانية الوصول بإنتاج هذه الأراضي إلى 800 فدان سنويًّا، مما يساهم في تقليل الفجوة الغذائية. وأكدت الدكتورة دينا أن هذه المقترح البحثي موجود بالفعل ولكن بانتظار إجراء تجارب الأمان الحيوي عليه للتأكد من كونه غير ضار بالإنسان.

وانتقل النقاش إلى قضية التغيرات المناخية وأثرها على المحاصيل الزراعية، فأشار الدكتور سراج الدين إلى أن الاحتباس الحراري سيؤدي لارتفاع منسوب البحر وزيادة ضغط وزن مياه البحر على المياه العذبة التي تحمل أملاح التربة على طول نهر النيل، وفصّل الدكتور صلاح سليمان هذه الظاهرة بقوله إن ارتفاع مليمتر واحد في مياه البحر المتوسط يمثل ضغطًا كبيرًا على المساحات الساحلية الزراعية التي تمتص المياه المالحة والتي تتعرض بدورها للتبخر وتبقى الأملاح، مما يؤدي إلى زيادة ملوحة هذه الأراضي؛ ولذلك تزرع هذه الأراضي الساحلية في كفر الشيخ والبحيرة بمحصول الأرز الشره للمياه العذبة التي تمثل ضغطًا معاكسًا لمياه البحر. ويقوم المزارعون في مناطق رشيد وإدكو بزيادة طبقة الأرض الزراعية للتغطية على الأرض المالحة كل سنتين أو ثلاث. وأضاف سليمان أنه من الممكن المساهمة في حل قضية المياه من خلال تنويع السلة الزراعية لتكون متكيفة مع الموارد المائية ومساحة الأراضي الزراعية.

وأشار الدكتور سراج الدين إلى خطورة فقد محاصيل زراعية كالقمح وغيره عند نقلها من أماكن إنتاجها وصولاً إلى المستهلك، فأفادت الدكتورة دينا أن هناك تجارب في هذا الصدد تقوم بها معاهد البساتين لمعرفة المحاصيل الأكثر تحملاً وأصول التعامل مع عمليات النقل والتخزين لتفادي الفاقد، كما أن الهندسة الوراثية بإمكانها استنباط أصناف أكثر تحملاً لمعاملات ما بعد الحصاد. وأشار الدكتور سراج الدين إلى مسألة زيادة القيمة الغذائية للمحاصيل من خلال الهندسة الوراثية، وأوضح الدكتور مدكور أن هذه التجارب في مصر اعتمدت على خلط القمح بالذرة لإنتاج رغيف خبز أكثر صحية ثم بتهجين الذرة بالجلوتين من القمح لإنتاج رغيف متماسك تقل فيه نسبة القمح مع بقاء قيمته الغذائية.

وأوضح الدكتور سليمان أن مصر من أكثر الدول إسرافًا في استخدام الأسمدة خاصة الأزوتية منها وهو ما أحدث بعض المشكلات في الفترة الأخيرة، لكنها غير مسرفة في استخدام المبيدات إذا ما قورنت بولاية مماثلة في ظروفها لمصر مثل كاليفورنيا، ودعا إلى الاطمئنان إلى أن المبيدات المستخدمة في مصر هي ذاتها المستخدمة في الخارج، ولا تسبب أضرارًا صحية على عكس ما أشيع.

واختتم الدكتور سراج الدين الحلقة بتأكيده على تعقد مشكلة الأمن الغذائي وتحليل مختلف جوانبها باستخدام المنهج العلمي، ودعا إلى استخدام سياسات مركبة في التعامل مع الظاهرة من مختلف جوانبها وتطويع العلم والثورة الجينية لضمان الأمن الغذائي للأجيال القادمة.