الركض إلى السعادة

شارك

«الرياضة علاج» ليست مقولة فحسب؛ بل هي حقيقة. فقد أثبتت أدلة علمية كثيرة أن لممارسة الرياضة – والركض بشكل خاص – بشكل منتظم فوائد صحية كثيرة أفضل من أي دواء يمكن أن يصفه الطبيب. فأوضحت الدراسات أن الركض يساعد على مقاومة السمنة، والنوع الثاني من مرض السكري، وأمراض القلب، وضغط الدم المرتفع، والسكتة الدماغية، وبعض أنواع السرطان، وغيرها من الأمراض. بالإضافة إلى ذلك، اكتشف العلماء أن الركض يحسن الحياة النفسية والعقلية.

فالركض تمرين للقلب والأوعية الدموية يعمل على إرسال الدم المغذي إلى المخ، فيساعد على التفكير بشكل أوضح؛ كما يعمل على إفراز الجسم للهرمونات مثل السيروتونين أو الدوبامين، للذين يعملان على تخفيف الاكتئاب. ولأنه يعزز الانتباه والتركيز، يعد الركض علاجًا فعالًا لاضطراب نقص الانتباه مع فرط النشاط. كذلك يدعم جميع التغيرات التي تحدث في المخ، مثل: النمو العصبي، وتقليص الالتهابات، وأنماط النشاط الجديدة التي تعزز الشعور بالهدوء والصحة.

من شأن الإجهاد المستمر والاكتئاب الحد من ولادة الخلايا العصبية أو النسيج العصبي في المخ، كما يقلصان حجم الحُصيْن، وهي المنطقة المسئولة عن التعلم والذاكرة في المخ. يؤدي ذلك إلى الاختلال المعرفي، فيتعذر على الشخص معالجة المعلومات والتصرف وفقًا لها؛ في حين يقوم الركض بعكس ذلك، فيزيد النسيج العصبي في الحُصيْن.

ولقدرته على توليد خلايا عصبية جديدة، يقي الركض من الأمراض التنكسية العصبية مثل الخرف؛ إذ تفقد الخلايا العصبية قدرتها على العمل بشكل صحيح وتموت مع الوقت. من شأن ممارسة الرياضة بشكل منتظم إحداث تغيرات هيكلية في الحُصيْن؛ مما يبطئ التنكس العصبي ويحسن القدرة على التعلم والاحتفاظ بالمعلومات. كذلك يساعد الركض بشكل خاص مرضى النوع الثاني من مرض السكري لأنهم الأكثر عرضه للإصابة بالزهايمر والخرف.

بالإضافة إلى ذلك، يحفز الركض الجسم لإفراز الإندورفينات المعروفة بهرمونات السعادة. يتم إفراز الإندورفينات بأكبر كميات عند ممارسة الجسم لتمرينات مكثفة، مثل الركض؛ إذ يزيد ضخ الدم للمخ؛ فيحفز المحور الوطائي النخامي الكظري على إفراز الإندورفين؛ نتيجة لذلك، يتعامل جسمك مع التوتر بشكل أفضل.

فوفقًا لدراسة أجريت عام 2017 وتم نشرها في دورية صحة المراهقين فمن شأن «الركض لمدة 30 دقيقة خلال الأسبوع على مدار ثلاثة أسابيع تحسين النوم، والمزاج، والتركيز في أثناء اليوم». كذلك أظهرت دراسة أخرى في السلوك الفسيولوجي أن للركض تأثيرًا يشابه تأثيرًا المكيفات الكيميائية العصبية الموجودة في الأدوية المسببة للإدمان في مسارات المخ المؤدية للشعور بالمكافأة.

واكتشف العلماء أن للركض تأثيرًا قويًّا في علاج مرض الاكتئاب يماثل تأثير العلاج النفسي. فعندما تم تقسيم المشاركين في الدراسة إلى ثلاث مجموعات – مجموعة تعالج بالركض، ومجموعة تعالج من خلال العلاج السلوكي المعرفي، ومجموعة تتلقى كلا العلاجين – لوحظ انخفاض كبير في أعراض الاكتئاب في المجموعات الثلاث، مع فارق بسيط في نتيجة العلاج بالركض والعلاج السلوكي المعرفي.

بالإضافة إلى ذلك، فعند تعرضك للضغط تتوتر عضلاتك، وخاصة عضلات الوجه، والرقبة، والكتف، وهذا يتسبب في آلام الظهر أو الرقبة أو صداع مؤلم؛ وقد تواجهك أيضًا مشكلات، مثل: الأرق، أو الحرقة في فم المعدة، أو آلام المعدة، أو الإسهال، أو كثرة التبول. القلق وعدم الراحة الناتجان عن كل هذه الأعراض الجسدية يمكن أن يتسببا في مزيد من الضغط؛ فتصنع حلقة مفرغة بين جسدك وعقلك.

والركض طريقة مثالية للخروج من هذه الحلقة. فإلى جانب إفراز الإندورفينات في المخ، تعمل التمرينات الرياضية على استرخاء عضلات الجسم والتخلص من التوتر. ولارتباط الجسم والعقل ارتباطًا وثيقًا، فكلما شعر جسمك بالتحسن، انعكس ذلك على المخ أيضًا؛ حتى التمارين البسيطة يمكنها أن تحدث فرقًا كبيرًا في صحتك وحالتك النفسية. بغض النظر عن عمرك أو مستواك الرياضي، مارس التمارين الرياضية لحياة أفضل؛ فيمكنك أن تبدأ ببطء، ولكن عليك أن تبدأ الآن.

المراجع

curejoy.com
runnersworld.com
angryjogger.com
verywellfit.com
running.competitor.com
helpguide.org


هذا المقال منشور في نشرة مركز القبة السماوية العلمي، عدد صيف 2018 «العلم والرياضة».

من نحن

«كوكب العلم» مجلة علمية ترفيهية باللغتين العربية والإنجليزية يصدرها مركز القبة السماوية العلمي بمكتبة الإسكندرية وتحررها وحدة الإصدارات بقطاع التواصل الثقافي ...
مواصلة القراءة

اتصل بنا

ص.ب. 138، الشاطبي 21526، الإسكندرية، جمهورية مصر العربية
تليفون: 4839999 (203)+
داخلي: 1737–1781
البريد الإلكتروني: COPU.editors@bibalex.org

شاركنا

© 2024 | مكتبة الإسكندرية