المقالات

الكل يستطيع

شارك

كانت الألعاب الأولمبية القديمة في بادئ الأمر جزءًا من مهرجان ديني يحتفى به في مدينة أولمبيا على شرف زيوس أبي الآلهة الإغريقية. وقد بدأت تلك الألعاب في عام 776 قبل الميلاد؛ إذ نُظمت في أولمبيا كل أربعة أعوام لفترة تصل إلى نحو اثني عشر قرنًا من الزمان. إلا أن الأمر استغرق 1503 أعوام للألعاب الأولمبية لتعود إلى الحياة مرة أخرى في عاصمة اليونان أثينا في عام 1896، وذلك بفضل البارون الفرنسي بيير دي كوبرتين.

للرياضة قيمة كبيرة في تحسين حياة الجميع، إلا أنها أكثر أهمية في حياة متحدي الإعاقة لتأثيرها الكبير في عملية إعادة التأهيل. تعرف الرياضات التكيفية برياضات الإعاقة أو الرياضات الموازية؛ وهي الرياضات التي يمارسها متحدو الإعاقة الجسمانية أو الذهنية. ولأن معظم تلك الرياضات تقوم على أسس الرياضات التقليدية التي يمارسها غير المعاقين بعد تعديلها لتتناسب مع احتياجات متحدي الإعاقة، فقد تسمى أحيانًا بالرياضات المكيفة.

تتزايد أعداد متحدي الإعاقة الذين يمارسون الرياضة والترفيه البدني بشكل مطرد حول العالم؛ حيث تنقسم الرياضات المنظمة للرياضيين من متحدي الإعاقة إلى ثلاث مجموعات رئيسية: الصم، وذوي الإعاقات الجسدية، وذوي الإعاقات الذهنية. ولكل مجموعة تاريخها وتنظيمها وبرامجها التنافسية وتوجهاتها.

على عكس كل التوقعات

أتيحت الرياضة للاعبين من ذوي الإعاقة منذ أكثر من قرن؛ فوجدت الأندية الرياضية الأولى للصم في برلين منذ قبل عام 1888. وقد كان المجري كارولي تاكاكس أول رياضي ينافس في الألعاب الأولمبية وهو فاقد لذراعه اليمنى؛ حيث شارك في منافسات الرماية في عامي 1948 و1952. وكانت الدنماركية ليز هارتل ثاني رياضية؛ فنافست في ألعاب الفروسية وفازت بميدالية فضية بالرغم من إصابتها بالشلل بسبب شلل الأطفال.

في عام 1944، قام سير لودويج جاتمان بناءً على طلب الحكومة البريطانية بافتتاح مركز لإصابات العمود الفقري في مستشفى ستوك ماندفيل؛ ومن ثم تطورت الرياضة التأهيلية لتصبح رياضة ترفيهية وبعد ذلك رياضة تنافسية. وبهدف الترويج لإعادة تأهيل الجنود بعد الحرب العالمية الثانية، قام جاتمان في عام 1948 بتنظيم حدث رياضي متعدد الألعاب بين مجموعة من المستشفيات بالتزامن مع الألعاب الأولمبية بلندن. وقد أصبح الحدث الذي نظمه جاتمان، الذي عرف بألعاب ستوك ماندفيل، مهرجانًا رياضيًّا سنويًّا.

في إطار الألعاب الأولمبية لعام 1960 في روما أشرك جاتمان 400 لاعب في منافسات «الألعاب الأولمبية الموازية»، التي عرفت فيما بعد بأولى دورات الألعاب البارلمبية. منذ ذلك الحين تقام الألعاب البارلمبية في كل عام تقام فيه الألعاب الأولمبية؛ حيث نمت من تجمع صغير لقدامى محاربي الحرب العالمية الثانية البريطانيين لتصبح أحد أكبر الأحداث الرياضية الدولية في بدايات القرن الحادي والعشرين. وقد نمت المشاركة فيها من 400 لاعب من 23 دولة في عام 1960، إلى آلاف المنافسين من أكثر من 100 دولة في ألعاب لندن لعام 2012.

ولتعدد وتنوع أشكال الإعاقة بشكل كبير هناك فئات عدة ينافس فيها الرياضيون. فتنقسم الإعاقات المسموح بها إلى عشرة أنواع رئيسية: الضعف العضلي، وضعف المدى السلبي للحركة، وعجز الأطراف، والاختلاف في طول الساق، وقصر القامة، وفرط التوتر(1)، واختلاج الحركة(2)، والكنع(3)، والضعف البصري، والضعف الذهني. وتنقسم تلك الفئات إلى تصنيفات تختلف من رياضة إلى أخرى.

قوة الإرادة

في عام 2020 ستقدم الألعاب البارلمبية في طوكيو 22 رياضة، إحداها الرماية وهي صاحبة أعظم تاريخ بارلمبي بين جميع الرياضات. في بادئ الأمر كان اللاعبون يصنفون في ثلاث فئات حسب درجة الضعف لديهم كما يلي: فئة W1 وتتصف بالضعف في الأطراف الأربعة واستخدام الكرسي المتحرك، وفئة W2 وتتصف بالاستخدام الكامل للذراع مع استخدام الكرسي المتحرك، وفئة ST؛ إذ يستطيع اللاعبون الوقوف أو الجلوس على مقعد؛ أما الآن فقد تم دمج الفئتين W2 وST في فئة واحدة مفتوحة.

كانت رياضة ركوب الدراجات في بادئ الأمر للاعبين فاقدي البصر؛ حيث كانوا يستخدمون الدراجات ذات المقعدين. والآن أصبحت رياضة ركوب الدراجات إحدى الرياضات الكبرى وأكثرها تنوعًا في الألعاب البارلمبية. وتنعكس شعبية الرياضة بين كل من اللاعبين والمتفرجين في أنه سيتم التنافس على 50 ميدالية ذهبية في هذه الرياضة في طوكيو عام 2020 بإجمالي 230 لاعبًا متنافسًا. وينقسم اللاعبون ذوو الضعف البدني أو البصري المتنافسون في ركوب الدراجات إلى أربع فئات: الضعف في جميع الأطراف الأربعة (C)، واستخدام الجزء العلوي من الجسد فقط (H)، والشلل الدماغي (T)، والضعف البصري (B). كذلك توجد تفريعات أدق لحساب درجات الضعف، وتنقسم المنافسات بين الجنسين.

تقدم رياضة كرة القدم ذات الخمسة لاعبين على كل جانب استعراضًا للمهارة والدراما على حد سواء؛ إذ يلعبها رياضيون ذوو ضعف بصري، يقومون بتمرير الكرة والمراوغة والهجوم اعتمادًا على الصوت الذي تصدره الكرة عن طريق جهاز بداخلها وصوت الموجه. يتكون كل فريق من أربعة لاعبين وحارس مرمى مبصر بشكل كلي أو جزئي. ولأن اللاعبين بالملعب تتفاوت درجات ضعف بصرهم يستلزم عليهم جميعًا ارتداء غطاء محكم على أعينهم للمساواة بينهم. للحفاظ على سلامة اللاعبين يستلزم عليهم النطق بكلمة معينة عند التحرك نحو المنافس أو الهجوم أو البحث عن الكرة.

يقف الموجه خلف مرمى الفريق المنافس ويقوم بتوصيل المعلومات إلى أعضاء الفريق؛ مثل المسافة إلى المرمى ومواضع اللاعبين الآخرين. ويسمح لمدرب الفريق وحارس المرمى إعطاء التوجيهات في أثناء المباراة. يجب على المتفرجين الصمت التام في أثناء اللعب حتى يتسنى للاعبين سماع الكرة في أثناء تحركها والتجاوب مع صوت الموجه. مثل نظيرتها ذات الأحد عشر لاعبًا، فإن كرة القدم البارلمبية رياضة سريعة ومنهكة؛ فيجب ألا يتمتع اللاعبون بالسرعة والقوة والجلد فقط، بل يجب عليهم أيضًا أن يتمتعوا بوعي فضائي ممتاز على الرغم من فقدانهم البصر؛ وهو ما يسمح لهم بالتفاعل في الملعب واللعب في فريق.

يتنافس فريقان في الكرة الطائرة الجالسة؛ فيتكون كل فريق من ستة لاعبين يجب عليهم الجلوس على الأرض في أثناء اللعب. وتستخدم الكرة نفسها التي يستخدمها لاعبو الكرة الطائرة التقليدية؛ إذ يكمن الاختلاف الرئيسي بين الرياضتين في أن الملعب أصغر والشبكة أكثر انخفاضًا للسماح للاعبين بالبقاء جالسين. يجب على اللاعبين الجلوس على الأرض طوال الوقت، سواء في أثناء استهلال اللعب أو ضرب الكرة أو حجبها؛ فلا يسمح لهم برفع جسمهم لأعلى إلا لبرهة عند استقبال الكرة.

كل ما سبق ما هو إلا أمثلة بسيطة لتألق الرياضيين البارلمبيين رغم أنف الصعوبات والعوائق في صور تصعب على الرياضيين الأولمبيين محاكتها دون التدريب بشدة. فالأبطال البارلمبيون هم تجسيد مثالي لإرادة الإنسان وقدرته على التحمل والمثابرة من أجل التغلب على المصاعب البدنية والذهنية.


المصطلحات

  1. فرط التوتر هي حالة تزيد فيها قوة العضلات بحيث تتيبس الأذرع أو الأرجل فتصعب الحركة. ويتم تنظيم قوة العضلات عن طريق إشارات تتحرك من المخ إلى الأعصاب لتبلغ العضلات أن تنقبض.
  2. اختلاج الحركة هو مرض تنكسي يصيب الجهاز العصبي. فتشمل الأعراض التلعثم اللفظي، والترنح، والسقوط، وعدم التنسيق؛ وكلها ترتبط بقصور المخيخ؛ وهو جزء من المخ مسئول عن تنسيق الحركة. واختلاج الحركة مرض يؤثر في الأشخاص من جميع الأعمار؛ فيختلف سن ظهور أعراض المرض كثيرًا متراوحًا من الطفولة إلى النضوج المتأخر. وعواقب هذا المرض خطيرة؛ فكثيرًا ما تكون منهكة، وقد تؤثر في عمر المصاب.
  3. الكنع هي حالة يتسبب فيها التقلص غير الطبيعي للعضلات في تحركات ملتوية لا إرادية. ويصيب هذا المرض بعض المصابين بالشلل الدماغي؛ وهو ما يؤثر في النطق واستخدام اليدين.

المراجع

www.penn.museum
www.olympic.org
www.who.int
www.cdc.gov
www.un.org
www.paralympic.org
www.disabled-world.com
www.ninds.nih.gov
ataxia.org
warwickglobalist.com
www.fizickakultura.com
tokyo2020.org


هذا المقال منشور في  في مجلة كوكب العلم، عدد صيف 2018 «العلم والرياضة».

من نحن

«كوكب العلم» مجلة علمية ترفيهية باللغتين العربية والإنجليزية يصدرها مركز القبة السماوية العلمي بمكتبة الإسكندرية وتحررها وحدة الإصدارات بقطاع التواصل الثقافي ...
مواصلة القراءة

اتصل بنا

ص.ب. 138، الشاطبي 21526، الإسكندرية، جمهورية مصر العربية
تليفون: 4839999 (203)+
داخلي: 1737–1781
البريد الإلكتروني: COPU.editors@bibalex.org

شاركنا

© 2024 | مكتبة الإسكندرية