أسرع، أعلى، أقوى: فلنتحدث علميًّا!

شارك

يتكون الشعار الأوليمبي من ثلاث كلمات لاتينية وهي «Citius, Altius, Fortius»، وتعني بالعربية «أسرع، أعلى، أقوى»؛ ليعكس تاريخ الألعاب الأوليمبية والتي ارتبطت ارتباطًا وثيقًا بالعلوم منذ القدم. فالشعار ينم ببساطة عن أهداف يحددها علماء، ومهندسون، ومخترعون آخرون، يعملوا بجد مع الرياضيين لتطوير تقنيات مهارية جديدة، ورياضات، ومعدات رياضية، وملابس.

والألعاب الأوليمبية مستوحاة من احتفال ديني كان يقام قديمًا في أوليمبيا باليونان تكريمًا لملك الآلهة «زيوس»؛ وتعد الآن من المسابقات الرياضية الرائدة حول العالم. فعلى غرار الاحتفال قديمًا؛ حيث كان يجتمع الناس من جميع أنحاء اليونان لمشاهدة المباريات والمشاركة بها، يشارك في الألعاب الأوليمبية اليوم نحو 200 دولة. وتعقد كل أربعة أعوام؛ حيث تتناوب خلالها الألعاب الصيفية والشتوية كلَّ عامين.

عبر تاريخ الألعاب الأوليمبية الحديثة، كانت العلوم دائمًا في المقدمة؛ حيث ساعدت الابتكارات العلمية واستخدام التكنولوجيا الناشئة في مجال الرياضة على تطوير الأداء الرياضي إجمالًا ليشمل السرعة، والقوة، والمهارات، والجمال.

المصدر: Flicker

فلولا وجود العلوم والتكنولوجيا ما كانت هناك ألعاب أوليمبية؛ ولنلقِ الضوء على بعض الأمثلة التي نبرز من خلالها هذا الدور.

الأنثروبومترية

تجمع الألعاب الأوليمبية أفضل الرياضيين في مختلف الألعاب الرياضية من جميع أنحاء العالم؛ وهي تعد فرصة كبيرة لدراسة حجم وتكوين الجسم البشري وعلاقته بالأداء الرياضي.

فقدمت القياسات البشرية أو الأنثروبومترية تحليلات مثيرة للاهتمام عن تغيُّرات أحجام أجسام الرياضيين وأشكالها بمرور الوقت. على سبيل المثال، أُجري برنامج قياسات أنثروبومترية على الرياضيين المتطوعين بدورة الألعاب الأوليمبية عام 1900 في باريس؛ إذ قيست أطوال قطاعات مختلفة من الجسم وأوزانها. علاوة على ذلك، أُجريت الفحوص الطبية لاختبار وظائف الرئة، وقياس استهلاك الأكسجين، وتحديد السوائل التي يفقدها الجسم بالوزن قبل التمرين وبعده. كذلك التقطت صورًا من ثلاث زوايا؛ أمامية، وخلفية، وجانبية، أثناء أداء الألعاب.

وعلى مر العقود، تطورت الاختبارات الأنثروبومترية لتشمل جمع بيانات عن المشاركين في الألعاب الأوليمبية؛ مثل: اختبار القلب والأوعية الدموية، إجراء الأشعة السينية، وجمع البيانات عن الأيض، والطول، والوزن، وتاريخ الميلاد، والبلد، والرياضة التي يمارسها اللاعب. وصارت مسألة الطول والوزن مسألة قياسية لعديد من الألعاب الرياضية؛ مما يثبت أن الجسم المثالي وتركيبه له مجموعة واسعة من الخيارات تعتمد أساسًا على نوع الرياضة، وموقع اللاعب، ومستوى لياقته البدنية.

المصدر: Mitri

التغذية

لطالما كان الغذاء ذو أهمية كبيرة في حياة الرياضيين؛ فلم تختلف حاجتهم إلى البروتينات لبناء عضلاتهم والمواد الكربوهيدراتية للحصول على الطاقة خلال الألعاب الأوليمبية القديمة عما هي عليه اليوم. ففي العهد اليوناني القديم، كانت معظم اللحوم التي يتناولها اليونانيون في صورة أسماك؛ وذلك لقرب اليونان من البحر. وكان نظامهم الغذائي يتكون أساسًا من الخبز والخضروات والفاكهة؛ لتمثل ما نعرفه اليوم باسم «حمية البحر المتوسط» والتي ترتبط بانخفاض معدلات أمراض القلب في المنطقة.

كما تُشير السجلات المبكرة إلى اتباع أوائل الأوليمبيين نظام غذائي يعتمد على الجبن والفاكهة؛ ثم انتقالهم بعد ذلك إلى اللحوم. فسجل الكاتب «أثينيوس» في رائعته «عشاء الفلاسفة» أسطورة المصارع اليوناني الشهير «ميلون» من مدينة كروتون، والذي فاز ببطولة ألعاب المصارعة في ست دورات أوليمبية؛ حيث قال: «اعتاد ميلون تناول 9 كجم من اللحم وكثير من الخبز.... وفي أوليمبيا، حمل على كتفيه ثور يبلغ من العمر أربعة أعوام، ودار به في الساحة، وبعدها قطعه إربًا وتناوله بمفرده في يوم واحد فقط». في حين تجنبت بعض الحميات القديمة الأخرى تناول الخبز قبل المسابقة مباشرة؛ فعوضًا عن ذلك اعتمدت على تناول التين المجفف لما له من أهمية في بناء العضلات والقدرة على التحمل.

بالمثل، للحميات الغذائية للرياضيين اليوم تأثير بالغ على أدائهم، وفي هذا الشأن أجريت البحوث عبر السنوات الماضية لتمد الرياضيين بالمعرفة اللازمة لتحسين أدائهم. فصار الرياضيون الحديثون، والمدربون، والمسئولون أكثر وعيًّا بما يتناولوه، ويطلبون المشورة، ويبحثون دومًا عما به من فوائد. مع ذلك، ما زالت التغذية الرياضية علم ناشئ يحتاج إلى مزيد من البحث والمعرفة.

المصدر: austrimag

اختبار المخدرات

يجب أن يخضع التقدم التكنولوجي في الأداء الرياضي للقواعد الرياضية. فمنذ فجر الألعاب الأوليمبية، هناك دلالات تفترض تناول الرياضيون والمصارعون الرومان للعقاقير المحسنة للأداء؛ إلا أن المؤرخين الدارسين للنصوص اليونانية والرومانية القديمة غير واثقين من وجود قواعد منظمة لها.

في بدايات الألعاب الأوليمبية، كانت هناك قوانين تمنع استخدام مواد المحسنة للأداء؛ ومع ذلك، لم يكن هناك اختبار مخدرات مفروض. ولكن في ستينيات القرن الماضي، برز خطرها تلك المواد حين انهار الدنماركي كنود جنسن في أثناء مباراة سباق الدراجات بدورة الألعاب الأولمبية بروما عام 1960 بعد تناوله للأمفيتامينات*؛ الأمر الذي أدى إلى تهشم مميت لرأسه. بناءً على ذلك، بدأت جهود عديدة تطالب بردع استخدام العقاقير المحسنة للأداء حتى بدأ إجراء أول اختبار رسمي للمخدرات على اللاعبين المشاركين في عام 1968 من قبل اللجنة الأوليمبية الدولية لوقف خطر هذا النشاط غير القانوني والذي كان يدور في كواليس الألعاب الأولمبية.

على مر القرون، أدى التطور العلمي في إنتاج الأمفيتامينات إلى تأثيرات خطيرة على صحة الرياضيين؛ ورغم ذلك، تحسنت الاختبارات كثيرًا لتواكب تطور أساليب الغش. هكذا، شهدت تكنولوجيا اختبار المخدرات تطورًا هائلًا عبر العقود؛ مما أدى إلى زيادة اكتشاف أعداد الرياضيين الذين يتعاطون المنشطات.

 Evlakhov Valeriy/Shutterstock.com ©

نُظم تسجيل الوقت وإحراز النقاط

منذ أول دورة ألعاب أوليمبية حديثة في عام 1896، كانت ساعات الإيقاف من المعدات الضرورية لتسجيل وقت اللاعبين وإعلان الفائزين منهم. في دورة الألعاب الأوليمبية عام 1912، ابتكر المهندس السويدي راجنر كارستيت جهاز لتسجيل الوقت بمسابقات الجري. ويعتمد الجهاز على مسدس انطلاق متصل بنظام تسجيل وقت آلي؛ يقف يدويًّا عند تسجيل الوقت الخاص لكل عداء، ويلتقط صورًا للفائز أثناء عبوره خط النهاية.

وعلى مر القرون، استمرت تكنولوجيا تسجيل الوقت في التطور. ففي عام 1932، قُدمت الكاميرا «كيربي» والتي تلتقط صورًا لخط النهاية وفي نفس الوقت تُظهر على كل لقطة التوقيت الخاص بها. لاحقًا في دورة الألعاب الأوليمبية لعام 1948، ظهرت آلة التصوير الشِّقِّيّة المتواصلة؛ والتي صارت تعتمد عليها كل أنظمة تسجيل الوقت حتى يومنا هذا. ومنذ ذلك الحين، تطورت التكنولوجيا لتصبح ذات دقة أعلى وصولًا إلى جهاز التوقيت الكمي ذي دقة قدرها واحد من المليون من الثانية.

ليست مسابقات الجري الرياضة الوحيدة التي شهدت تطورًا هائلًا في أنظمة تسجيل التوقيت؛ فهناك رياضات أخرى تتطلب قياسات زمنية دقيقة، مثل مسابقات السباحة التي تعتمد على أنظمة أكثر تعقيدًا لتسجيل التوقيت. فعلى سبيل المثال، أُعلن في 2008 فاز السباح مايكل فيلبس على منافسه ميلوراد كافيش بفارق واحد في المائة من الثانية؛ ويرجع الفضل هنا لهذه التقنية، إذ تمكنت الكاميرا من تسجيل 100 لقطة في الثانية، لتؤكد فوز فيلبس رغم هذا الفارق الطفيف.

واليوم، يمكننا أن نشهد مجموعة من أنظمة تسجيل الوقت ذات تكنولوجيا عالية؛ فتشمل على سبيل المثال لا الحصر: الكاميرات الرقمية عالية السرعة، والراسمات اللمسية الإلكترونية، والأشعة تحت الحمراء، وأجهزة الإرسال اللاسلكية.

كذلك سادت التكنولوجيا أنظمة إحراز النقاط في الألعاب الأوليمبية أيضًا؛ فمثلًا في لعبة التايكندو، اُستخدمت تقنيات أكثر تطورًا وعدلًا. ففي عام 2012، وضعت أجهزة استشعار بسترات اللاعبين تعمل فور لمس الجوارب المغناطيسية لها لتسجيل الضربات الصحيحة. وفي دورة الألعاب الأوليمبية لعام 2016، استخدمت أيضًا أجهزة الاستشعار في وقاء الرأس الخاص باللاعبين؛ حيث تنقل إشارات لاسلكية، ولأول مرة صار للاعب حق طلب إعادة عرض تسجيل الفيديو أثناء المسابقة.

المصدر: simplifaster

بينما كانت الألعاب الأولمبية مصدر إلهام للملايين حول العالم للعمل الجاد وتحدي الصعاب، كانت العلوم دائمًا في المشهد الخلفي تعمل بلا هوادة. ويبقى الدور الذي تلعبه العلوم في الألعاب الأوليمبية موضوع ثري للغاية يشمل جوانب عديدة؛ ومنها تحليل البيانات، وتوقع النتائج، ودراسة أنثروبولوجيا الرياضيين. فالألعاب الأوليمبية لا تقتصر على سرعة الرياضيين عند الركض، أو ارتفاعهم عند القفز، أو قوتهم عند حمل الأوزان؛ بل هي تتويجًا لسنوات طوال من الدراسة والبحث والتدريب والتضحية.

المصطلحات

*الأمفيتامين منشط قوي يؤدي استعماله إلى إثارة مراكز الجهاز العصبي المركزي، وتبعًا لذلك يؤدي إلى اليقظة والتنبه. وتستخدم الأمفيتامينات طبيًّا في علاج اضطرابات النوم، والسمنة، والاكتئاب؛ وكذلك يستخدمه البعض لتحسين أدائهم الرياضي.

المراجع

britannica.com
forbes.com
news.nationalgeographic.com
topendsports.com
wcpo.com


Banner image

من نحن

«كوكب العلم» مجلة علمية ترفيهية باللغتين العربية والإنجليزية يصدرها مركز القبة السماوية العلمي بمكتبة الإسكندرية وتحررها وحدة الإصدارات بقطاع التواصل الثقافي ...
مواصلة القراءة

اتصل بنا

ص.ب. 138، الشاطبي 21526، الإسكندرية، جمهورية مصر العربية
تليفون: 4839999 (203)+
داخلي: 1737–1781
البريد الإلكتروني: COPU.editors@bibalex.org

شاركنا

© 2024 | مكتبة الإسكندرية