التعليم بين الإتاحة والجودة

شارك

يعد التعليم من أكبر السلع الاجتماعية كافة؛ من حيث الإمكانات والقدرات التي يشملها. فإليه ننسب ازدهار الأمم، ورخاء اقتصاداتها، وقدرتها على التغلب على الفقر. كما نحفل بدوره في ترقية الأفراد، وتعزيز قدراتهم، وتحرير أرواحهم، وزيادة فعالياتهم كمواطنين. وتزخر المجتمعات كافة بالأمثلة الحية لرجال ونساء شهدت حياتهم تحولات هائلة بفعل التعليم؛ فجعلوا رسالتهم في الحياة الدفاع بقوة عن حق الجميع في الحصول عليه.

لقد سعت حكومات البلدان النامية الـمُشكَّلة بعد حصولها على الاستقلال إلى القضاء على الأمية والتأكيد على إجبارية التعليم في السنوات الأولى منه، وأن يصبح التعليم نفسه –من بين خدمات أخرى– حقًّا للجميع. الأمر الذي لا يزال بعيد المنال، إذ يوجد ملايين الأطفال في عمر الدراسة لا يذهبون إلى مدارس. وكذلك ترتفع نسبة المتسربين من التعليم ولا سيما في البلدان النامية؛ فكلما صعدنا سلم التعليم للمستويات الأعلى وصولاً إلى المرحلتين الثانوية والجامعية، تضاءل عدد الطلاب المقيدين بالمدارس.

وتُعدُّ صعوبة الالتحاق بالمدارس والمؤسسات التعليمية الحاجز الأساسي الذي يمنع ملايين الشباب من تحقيق إمكاناتهم الكاملة في الحياة. وفي عالمنا اليوم يظهر الحرمان من التعليم بشكلٍ جلي على المجموعات المهمشة بسبب العرق أو السكن في الأقاليم بعيدًا عن المركز، أو ضعف الإمكانات الاقتصادية. وعادة ما تتقاطع هذه الأشكال من عدم المساواة مع النوع الاجتماعي، لنجد أن النساء يعانين الحرمان من التعليم أكثر من الرجال. وتسعى الحكومات ومنظمات المجتمع المدني إلى مواجهة تلك التحديات في محاولة لإزالة العوائق البنيوية والثقافية للتأكيد على حق التعليم للجميع.

ولكن من المهم الإشارة في هذا السياق إلى أنه في سعينا لإتاحة التعليم للجميع علينا ألا نفترض أن الإتاحة تتضمن الجودة بالضرورة. فإتاحة التعليم بالفعل حق لا يمكن التنازل عنه، ولكن الإتاحة وحدها بدون جودة لا تفي بغرض تحقيق الإمكانات في الحياة. فما فائدة إرسال الأطفال إلى المدارس إن كانت ستجعلهم أميين وظيفيًّا؟

إن التعليم هو السبيل للحراك الاجتماعي. فهو ينطوي على إمكانيات عظيمة تفتح الأبواب المغلقة وتهدم الحواجز الاجتماعية والنوعية. غير أنه من دون فرص تؤكد على إتاحة التعليم الجيد للجميع، فمن شأن التعليم أن يدعِّم تلك الحواجز ويعزِّز من الظلم الاجتماعي.


هذا المقال نُشر لأول مرة مطبوعًا في مجلة كوكب العلم، عدد ربيع 2015.


Cover Image by Freepik

من نحن

«كوكب العلم» مجلة علمية ترفيهية باللغتين العربية والإنجليزية يصدرها مركز القبة السماوية العلمي بمكتبة الإسكندرية وتحررها وحدة الإصدارات بقطاع التواصل الثقافي ...
مواصلة القراءة

اتصل بنا

ص.ب. 138، الشاطبي 21526، الإسكندرية، جمهورية مصر العربية
تليفون: 4839999 (203)+
داخلي: 1737–1781
البريد الإلكتروني: COPU.editors@bibalex.org

شاركنا

© 2024 | مكتبة الإسكندرية