المقالات

الحساسية: قصور الجهاز المناعي

شارك

يُعد جهاز المناعة الذي يعمل بشكل صحيح وحدة حرب بيولوجية منضبطة ومدربة تدريبًا جيدًا للدفاع عن الجسم. والجهاز المناعي قادر على تحديد الأجسام الغريبة التي تغزو الجسم وتدمره، كما يمكنه تحديد الخلايا المصابة بالفيروسات داخليًّا، فضلاً عن خلايا عديدة تكون في طريقها لأن تصبح أورامًا؛ فيؤدي الجهاز المناعي كل هذا الدور حتى يبقى الجسم سليمًا.

وعلى الرغم من كفاءة الجهاز المناعي، فإنه قد يخطئ في بعض الأحيان؛ فالحساسية ما هي إلا نتاج جهاز مناعي مفرط الحساسية. فيخطئ الجهاز المناعي الحساس التعرف على المواد غير الضارة معتبرًا إياها خطأً موادَّ ضارة، ومن ثَم يهاجمها بشراسة أكبر بكثير مما هو مطلوب. والمشكلات التي قد يسببها هذا الهجوم تتراوح ما بين الآثار غير المريحة إلى فشل تام للكائن الذي يفترض أن يحميه الجهاز المناعي.

إذا كنت قد قرأت من قبل عن المناعة، فلابد أنك على دراية بالخلايا الليمفاوية، والمعروفة أيضًا باسم خلايا الدم البيضاء. والخلايا الليمفاوية مكون أساسي من مكونات الجهاز المناعي، وعندما تخطئ فيمكنها أن تخلق استجابة تحسسية. ويوجد نوعان من الخلايا الليمفاوية؛ وهما: الخلايا الليمفاوية البائية (الخلايا البائية)، والخلايا الليمفاوية التائية (الخلايا التائية). وكلا النوعين يساعد على حراسة الجسم ضد المواد الغريبة؛ مثل البكتيريا، والفيروسات، والسموم التي تغزوه. وتتحرك تلك الخلايا بحرية خلال أنسجة الجسم وبينها، كما تنتقل عبر جدران الأوعية الدموية، وبين مختلف الغدد والقنوات الليمفاوية؛ أي أنها تتحرك في كل مكان.

وتقوم الخلايا الليمفاوية بدور المفتشين المتنقلين؛ ففي كل مكان يذهبون إليه، ينشغلون بفحص كل خلية يواجهونها، وكلما اكتشفوا خلية تبدو خطيرة، يقومون بجميع التدابير المضادة لها على الفور. فعندما تواجه الليمفاويات جسيمًا أو خلية ذات جزيئات سطح تدل على أنها غازٍ أجنبي، فإنها تقوم بما يشبه عملية مجهرية لأخذ البصمات والصور الجنائية للغزاة.

لأن هؤلاء الغزاة الأجانب يتسببون في إنتاج الأجسام المضادة، يطلق عليهم مولدات الأجسام المضادة أو المستضدات. وبعدما تقوم الخلايا البائية بتحديد مستضد ما، فإنها تعود مرة أخرى إلى العقد الليمفاوية؛ لتتحول إلى خلية بلازما وتنتج أجسامًا مضادة صممت خصيصًا لمحاربة هذا التهديد بالتحديد. وهناك خمسة أنواع أساسية من الأجسام المضادة تدعى الغلوبولينات المناعية، أو الإيج، ويتم تصنيف كل نوع بحرف لاحق: الإيج أ، والإيج د، والإيج هـ، والإيج ج، والإيج م؛ إلا أن الإيج المسئول عن ردود الفعل الحساسة هو الإيج هـ.

ففي جهاز مناعي يعمل بكفاءة، تحتوي الشفرة الجينية على ما يكفي من البيانات التي تمكن الخلايا الليمفاوية من التمييز بين البروتينات المهددة وغير المهددة. ولكن في الجهاز المناعي الخاص بالشخص الذي يعاني الحساسية، لا تستطيع الخلايا الليمفاوية تحديد ما إذا كان البروتين الذي قد تناوله هذا الشخص كجزء من وجبته التي تحتوي على المحار –على سبيل المثال لا الحصر – لا يغزو الجسم.

كما أن الخلايا البائية عند الشخص المصاب بالحساسية، والتي تعتبر مضللة على المستوى الجيني، تتسبب في إنتاج كميات كبيرة من الإيج هـ، والتي تلتصق بالخلايا البدينة في جميع أنحاء الجسم، والتي تعرف علميًّا باسم التعرض التحسسي. وعلى الرغم من أن الخلايا البدينة توجد في النسيج الضام، فلديها شيء واحد مشترك لمن يعاني من الحساسية؛ فهي تحتوي على الهستامين، وهو سلاح هام في ترسانة الجسم لمكافحة العدوى، ولكن للأسف، فعندما يطلق في الجسم بكميات مرتفعة جدًّا يصبح من المحتمل أن يكون الهستامين مادة مدمرة.

وتستغرق الخلايا البدينة والخلايا القاعدية ما بين أسبوع وعشرة أيام من التعرض التحسسي لتصبح على دراية بالإيج هـ. ومن ثمَّ، إذا ظهر مسبب الحساسية مرة أخرى، فإنه يتسبب فيما يشبه تأثير الدومينو المدمر داخل النظام ويدعى متتالية الحساسية. وعندما يتم تدمير الخلايا البدينة والخلايا القاعدية، يتم إطلاق ما لديها من مخزون من الهستامين وغيره من وسطاء الحساسية في الأنسجة المحيطة والدم، مما يتسبب في تمدد الأوعية الدموية السطحية وما يتبعه من انخفاض في ضغط الدم، وتمتلئ المسافات بين الخلايا المحيطة بالسوائل. واعتمادًا على مسبب الحساسية أو الجزء المعني من الجسم، تظهر مختلف أعراض الحساسية، وأكثرها شيوعًا العطس، والصفير، والإسهال، والقيء.

يوجد ثلاث تقنيات عادة ما تُعرض من قبل الأطباء لمساعدة الذين يعانون من الحساسية؛ وهي: التفادي، والأدوية، والعلاج المناعي. فالعديد من المواد المسببة للحساسية، بمجرد تحديدها، يمكن ببساطة تجنبها؛ فإذا كنت تعرف أنه لديك حساسية من المحار، فلا تأكل منه. ولكن للأسف، فإن كثيرًا من المواد المسببة للحساسية - مثل حبوب اللقاح، والعفن، والغبار والمواد الحافظة - يكون تجنبها صعبًا للغاية، إن لم يكن مستحيلاً. وغالبًا ما يمكن التغلب عليها باستخدام الأدوية؛ مثل مضادات الهيستامين، ومضادات الاحتقان، وكرومولين الصوديوم، والستيروئيدات القشرية، والإبينيفرين في حالات الحساسية المفرطة.

وعلى الجانب الآخر، فالعلاج المناعي مكلف، ومستهلك للوقت، وليس خاليًا من المخاطر؛ ولكنه غالبًا ما يكون الأمل الوحيد لدى الفرد ليعيش حياة طبيعية. ويتكون العلاج المناعي من سلسلة من حقن المادة المسببة للحساسية، ويبدأ بجرعة ضعيفة جدًّا تزداد قوة تدريجيًّا لتصل إلى جرعة وقائية قد تستمر مع مرور الوقت. ويساعد الحقن الجهاز المناعي على إنتاج الإيج هـ بكميات أقل، بينما يحفز من إنتاج الأجسام المضادة المانعة، والتي تدعى الإيج ج.

كم هو مدهش نظام المناعة لدينا، وكأنه جيش داخلي ضد أي غزو خارجي يهدد أجسامنا، ولكن يبدو أن هذا الجيش قد يكون في بعض الأحيان هو الخطر نفسه. ومثل أي شيء آخر حولنا، فإن نظام المناعة لدينا قد يكون به قصور؛ ولكن هذا لا يمكن بأية حال من الأحوال لأن يقلل من شأن دوره الكبير في حمايتنا.

المراجع

www.aaaai.orgx

blogs.discovery.com

health.howstuffworks.com

science.howstuffworks.com


هذا المقال نُشر لأول مرة مطبوعًا في مجلة «كوكب العلم»، عدد ربيع 2014. 


Cover banner: Image by wayhomestudio on Freepik

من نحن

«كوكب العلم» مجلة علمية ترفيهية باللغتين العربية والإنجليزية يصدرها مركز القبة السماوية العلمي بمكتبة الإسكندرية وتحررها وحدة الإصدارات بقطاع التواصل الثقافي ...
مواصلة القراءة

اتصل بنا

ص.ب. 138، الشاطبي 21526، الإسكندرية، جمهورية مصر العربية
تليفون: 4839999 (203)+
داخلي: 1737–1781
البريد الإلكتروني: COPU.editors@bibalex.org

شاركنا

© 2024 | مكتبة الإسكندرية