فن التعليم

شارك

الفن ليس مجرد منفذ صحي للتعبير؛ وإنما الأنشطة الابتكارية البسيطة هي إحدى اللبنات الأساسية لنمو الأطفال. ففي الواقع أن تعلم الابتكار وتقدير الجماليات البصرية قد يكون أهم الآن من أي وقت مضى لتطوير الأجيال القادمة من الأطفال أثناء نموهم.

يمنح الفن – أو مجرد الحديث عنه – الأطفال صغار السن الفرصة لتعلم الكلمات المعبرة عن الألوان، والأشكال، والأفعال. ففي سن الواحدة يمكن للآباء القيام ببعض الأنشطة البسيطة مثل تجعيد ورقة وتسميتها "كرة"؛ وبحلول سن المدرسة الابتدائية يمكن للأطفال استخدام الكلمات لوصف ابتكاراتهم أو التحدث عن مشاعرهم تجاه أنواع مختلفة من الأعمال الفنية.

عندما يُشَجَّع الأطفال على التعبير عن أنفسهم والمخاطرة أثناء ابتكارهم للأعمال الفنية، ينمو لديهم الحس الإبداعي الذي يكون مهمًّا للغاية في حياتهم فيما بعد. بالإضافة إلى ذلك، فإن الرسم، أو النحت بالصلصال، أو نسج الخرز على الخيط، كلها أنشطة من شأنها تطوير المهارات المرئية - الحيزية. حتى الأطفال صغار السن يستطيعون التعامل مع الهواتف الذكية أو الكمبيوترات اللوحية؛ الأمر الذي يعني أنهم يستقبلون المعلومات البصرية حتى قبل أن يتعلموا القراءة.

"يحتاج الأطفال إلى معرفة مزيد عن العالم خلاف ما يتعلمونه من خلال الكتابة والأرقام. فتعليم الفنون يعلم الطلاب كيفية تفسير المعلومات المرئية، ونقدها، واستخدامها، وكذلك كيفية اتخاذ القرارات استنادًا عليها،" هكذا يقول د. كيري فريدمان؛ رئيس تعليم الفنون والتصميم بجامعة شمال إلينوي. ففي الواقع أن تجربة اتخاذ القرارات والاختيارات أثناء ابتكار الأعمال الفنية تنتقل إلى أجزاء أخرى من الحياة.

وكثير من التحركات التي تحدث أثناء ابتكار الأعمال الفنية – مثل الإمساك بالفرشاة أو النقش بألوان الشمع – تكون ضرورية من أجل نمو مهارات الحركة الدقيقة لدى الأطفال صغار السن. فحسب المؤسسة القومية للصحة فمن محطات التطور الرئيسية في حوالي سن الثالثة رسم الدائرة والبدء باستخدام المقصات الآمنة، وبسن الرابعة رسم المربع والبدء بتقطيع خطوط مستقيمة باستخدام المقص. وتركز برامج عدة من الحضانات على استخدام المقص؛ حيث إنه يساعد على تطوير المهارة التي سيحتاجها الأطفال فيما بعد للكتابة.

كما تظهر الدراسات أن هناك ارتباطًا بين الفن وأوجه أخرى من الإنجاز. فيقول تقرير منظمة "أمريكيون من أجل الفنون": إن الأطفال الذين يشاركون في الفنون بانتظام تكون فرصهم أكبر في تحقيق إنجاز أكاديمي، أو المشاركة في معرض للرياضيات أو العلوم، أو الفوز بجائزة في الكتابة أو الشعر عن الأطفال الذين لا يشاركون في الفنون.

على الرغم من أن الفنون لا تحظى باهتمام كبير نسبيًّا من صانعي القرار وقادة التعليم، فإن تعريض الأطفال للفنون والثقافة من شأنه التأثير بشكل كبير في تطورهم. المشكلة هي أنه لا يهتم أحد تقريبًا بدراسة مدى تأثير الفنون والثقافة في الطلاب أو توثيق ذلك.

إلا أنه كانت هناك فرصة نادرة للبحث في مثل تلك العلاقات عندما افتتح متحف كريستال بريدجز للفن الأمريكي في بنتونفيل بولاية أركنساس. فمن خلال دراسة واسعة النطاق تعتمد على الاختيار العشوائي للرحلات المدرسية للمتحف ثبت وجود علاقات سببية قوية بين تعليم الفنون والعديد من المخرجات المرغوب فيها.

فعلى مدى عام شارك حوالي أحد عشر ألف طالب وخمسمائة مدرس في الدراسة؛ حيث شكلت المجموعات المتقدمة التي فازت بالقرعة مجموعة المعالجة، في حين شكلت المجموعات التي لم تفز بالزيارات المباشرة مجموعة التحكم. وبعد عدة أسابيع من زيارة مجموعة المعالجة المتحف تم إجراء الاستبيانات على جميع الطلاب.

شملت الاستبيانات موضوعات عدة لقياس معرفة المشاركين بالفنون، وكذلك لقياس مدى التسامح لديهم، والتعاطف التاريخي، والاهتمام المستدام بزيارة متاحف الفنون وغيرها من المؤسسات الثقافية. كما طُلِب من المشاركين كتابة مقال عن أحد الأعمال الفنية التي لم يكونوا يعرفونها سابقًا.

في تجربة مشابهة – دراسة تتمحور حول عرض مسرحي – أجريت قرعة لمنح تذاكر مجانية لحوالي نصف عدد سبعمائة طالب بولاية أركنساس، كانوا قد تقدموا لمشاهدة مسرحية "هاملت" أو "نشيد عيد الميلاد" بمسرح محترف في فايتفيل.

ونتائج التجربتين السابق ذكرهما متسقة بشكل ملحوظ؛ فيُظهِر الطلاب الذين يتعرضون للتجارب الثقافية مهارات تفكيرية نقدية أقوى، ومستويات أعلى من التسامح الاجتماعي، وتعاطفًا تاريخيًّا أكبر، كما ينمو لديهم حس تذوقي فيما يتعلق بالمتاحف الفنية والمؤسسات الثقافية.

نستخلص من ذلك بوضوح أن التجارب الثقافية تُعَرِّض الطلاب لمجموعة متنوعة من الأفكار التي تتحداهم بوجهات نظر مختلفة حول الحالة الإنسانية. لذا يجب أن يكون توسيع نطاق الفنون – سواء عن طريق البرامج المدرسية أو من خلال زيارة المتاحف والمعارض الفنية – جزءًا محوريًّا من المناهج المدرسية.

المراجع

pbs.org
edweek.org
nytimes.com

*هذا المقال نُشر لأول مرة مطبوعًا في مجلة كوكب العلم، عدد ربيع 2015.

من نحن

«كوكب العلم» مجلة علمية ترفيهية باللغتين العربية والإنجليزية يصدرها مركز القبة السماوية العلمي بمكتبة الإسكندرية وتحررها وحدة الإصدارات بقطاع التواصل الثقافي ...
مواصلة القراءة

اتصل بنا

ص.ب. 138، الشاطبي 21526، الإسكندرية، جمهورية مصر العربية
تليفون: 4839999 (203)+
داخلي: 1737–1781
البريد الإلكتروني: COPU.editors@bibalex.org

شاركنا

© 2024 | مكتبة الإسكندرية