تصوير الحياة البرية: تقنيات المغامرة

شارك

تعجُّ الحياة البرية بالجمال والأصالة والروعة، ويحاول مصورون كثيرون في عديد من دول العالم نقل هذه الحياة الخلابة لنا، من خلال مجموعة من الصور المميزة التي يلتقطونها للحيوانات في الغابات. وعلى الرغم من الصعوبة البالغة لأخذ تلك اللقطات، فإنه لم يكُن يومًا مستحيلًا؛ إذ يتشابه تصوير الحياة البرية تشابهًا كبيرًا مع التصوير الرياضي، ومحاولة التقاط الصور للرياضيين في أثناء حركتهم.

عند تصوير الحيوانات في البرية أو تصوير الطيور الطائرة على مسافات بعيدة ستحتاج إلى عدسة من نوع «تيليفوتو» من أجل التقريب، أو عدسة خاصة بتقريب كبير مثل 400 مم أو أكثر؛ لأنك لن تستطيع الاقتراب من الحيوان إلا في حالات نادرة وبأشكال مختلفة من التخفي. وفي حال كونك تصوِّر في حديقة عامة، فربما العدسة «70-200 مم» تفي بالغرض. وأحد أهم الأمور أنك لن تستطيع استعمال أدوات إضاءة عند تصوير الحيوانات؛ لذلك، ستحتاج إلى استعمال أكبر فتحة عدسة ممكنة في حالة الإضاءة المنخفضة أو الرغبة في عزل خلفية الحيوان.

نبحث عند تصوير الحيوانات عن اللقطة والزاوية المناسبة للحصول على أفضل النتائج. ولأنه لا يمكن التنبؤ بحركة الحيوانات التي تكون أيضًا بعيدة جدًّا عن المصوِّر، فعليه أخذ لقطات عديدة ومحاولة اقتناص اللحظات الرائعة عن طريق الانتظار ومراقبة الحيوان. ومن أمثلة تلك اللقطات مشهد انقضاض حيوان أو طائر على سمكة، أو انقضاض أسد على مجموعة غزلان.

وفيما يلي بعض أهم النصائح التي يوصى باتباعها عند تصوير الحياة البرية:

  • يجب أن يحرص المصور على ظهور عيني الحيوان في اللقطة؛ لأنها تعطي الصورة روحًا.
  • يجب أيضًا أن تكون إضاءة الشمس واقعة على وجه الحيوان أو الطائر ولكن بنسبة احترافية؛ كي لا تتسبب في احتراق الصورة.
  • يجب ألا تكون إضاءة الخلفية أسطع من إضاءة الحيوان؛ لأن ذلك يتسبب في ظهور مناطق سوداء وداكنة كثيرة في الصورة، ومن ثم تكون النتائج غير احترافية إطلاقًا.
  • دائمًا ما ننصح باستعمال التقريب البصري (الزووم)؛ لاستبعاد العناصر غير المرغوب فيها، مثل الأشجار والنباتات وغيرها، من إطار الصورة وحصر المشهد للهدف المنشود فيها.
  • ولا تنسَ تطبيق قواعد التكوين، مثل مبدأ الفراغ أو قاعدة التثليث أو ملء الإطار قدر الإمكان؛ لأنه كلما زاد التزامك بتلك القواعد كانت النتائج أروع من المتوقع.
    • أما مبدأ الفراغ، فيتلخص في أهمية ترك مسافة أمام الجسم المتحرك عند تصويره؛ لجعل الصورة متوازنة ومنطقية.
    • وأما قاعدة التثليث، فتعتمد على تقسيم الصورة إلى ثلاثة أجزاء، عن طريق خطين متوازيين طوليًّا وخطين متوازيين عرضيًّا، تتقاطع جميعها عند أربع نقاط؛ للحصول على صورة متزنة تمامًا.
    • وأما قاعدة ملء الإطار، فتعني ملء إطار الصورة بكامل الهدف دون إظهار الخلفية تقريبًا، وتُطبق عند تصوير الوجوه أو الأزهار.

 

 

الصورة من Freepik.

ومن أهم الملاحظات أنه إذا كنت تصور حيوانات كثيرة الحركة مثل الطيور، فعليك استعمال خاصية «سرعة الغالق» Shutter Speed بالكاميرا؛ لأنك لن تجد وقتًا لتبديل الإعدادات كثيرًا بانتظام. ولذلك، إذا كان الهدف تصوير طائر في السماء أو سمكة متحركة في نهر، فعليك استعمال سرعة مثل 1/1000 إلى ما يزيد. وهنا أيضًا، عليك ضبط نوع التحكم بالتركيز في وضع «البحث عن الحركة» Motion Mode؛ لأنك لن تستطيع تحديد نقطة التركيز يدويًّا بالشكل المعتاد. كذلك، اضبط «الغالق» Shutter على الوضع المستمر مع استعمال نوع صور «جي بي جي» JPEG؛ حتى تأخذ أكبر عدد من الصور؛ للوصول إلى التعابير المطلوبة على وجوه الحيوانات. أما إذا كنت راغبًا في تصوير طائر على غصن شجرة أو حيوان جالس على العشب لا يتحرك كثيرًا، فستحتاج إلى «عزل خلفية الصورة» Portrait Mode. وهكذا، عليك استخدام تقنية «أولوية فتحة العدسة» Aperture واستعمال «عمق» Depth of Field ضيق نسبيًّا.

وعند بدء المعالجة، ضع الصور في برنامج تعديل الإضاءة «لايت رووم» Lightroom وافرزها بحثًا عن اللقطات المميزة. واحرص على انتقاء الصور التي تظهر أعين المخلوقات، والصور المضاءة بشكل صحيح، التي لا تضم مناطق مظلمة. اضبط «إضاءة الصورة» Brightness بشكل يناسب وضع التصوير، وأزل أخطاء العدسة، ثم اضبط «تكوين الصورة» Photo Composition حسب إحدى قواعد التكوين المتعارف عليها في التصوير الاحترافي، عن طريق أداة القص وضبط الأفق بالبرنامج.

من أروع نماذج مصوري البراري المصور العالمي يواكيم مونتير، الذي ضاقت به الدنيا فهرب للعيش في الغابات، وكرس حياته لتصوير الحيوانات، وفقًا للموقع الإلكتروني Bored Panda. ويضم الموقع أيضًا مجموعة من الصور التي التقطها مونتير، أذهلت مشاهديها لما تحتويه من مشاعر صادقة. فقد قرر يواكيم مونتير الإقامة الكاملة في الغابات؛ ليشاهد الحيوانات البرية ويلتقط صورًا لها في أوقات متفرقة وفصول مختلفة من السنة. فاستطاع أن يكون جزءًا من غابات فنلندا من خلال عدسات الكاميرا ليصور الحياة البرية وكائناتها؛ ليمكنك من الشعور كأنك مكانه وتنظر إلى الكائنات عينًا بعين، بل أحيانًا تشعر بما تشعر.

وفي لقاء مع مونتير قال: «من أول نظرة على تلك الحيوانات البرية في الغابة، تشعر كأنها مدربة على كل شيء! فحركاتها بحساب شديد وليست عشوائية إطلاقًا، وتعرف ماذا تفعل، وأين ستتوجه، ولماذا بالضبط» وأضاف: «إن تصوير الحياة البرية ما هو إلا كسب ثقة الكائن الذي تصورِّه فقط! أهم شيء هو ألا تطارد الحيوانات بأي شكل؛ الأمر فقط يحتاج إلى الصبر الشديد، مثل الصيد، وإلى جعل الكائن يطمئن لك وأنك لا تريد أذيته أو التعدي على منطقة أمانه». واستطرد قائلًا: «إن جلسات تصويري تمتد ابتداءً من ساعات طويلة إلى يوم بطوله، وأحيانًا لأسابيع وشهور. والممتع في التقاط صور الحياة البرية والغابات هو صعوبة التنبؤ بأي شيء سوف يحدث وتوقيته، وعدم إمكانية معرفة ماذا سوف يحدث خلال ثوانٍ معدودة قادمة. أحيانًا، يمكن أن أقضي أسابيع طويلة هناك دون أن ألتقط أي صورة جيدة، وأحيانًا يستغرق الأمر ساعات فقط لالتقاط صورة تُدهش الجميع. إن الأمر برمته غير قابل للقياس».

في الختام، نقول إن من أصيل طبع الإنسان اختلاف اهتماماته؛ لذلك فإن هذا الأمر الذي قد يبدو غريبًا لك بعض الشيء قد يكون نفسه حياة إنسان آخر. وهذا أروع ما في الأمر، فإن تصوير البراري ليس أمرًا عاديًّا إطلاقًا، بل إنه –وإن لم يكن أحد اهتماماتك– من أروع الأمور التي تجعلنا نطلع على الكائنات وسلوكها، وروعة وعظمة الخالق في خلقه. ويعدُّ تصوير الحياة البرية أيضًا دعوة صريحة إلى الحفاظ على البيئة وتوازنها وما تحويه من كائنات غير البشر.

Cover Photo by Freepik.

هذ المقال نُشر لأول مرة مطبوعًا في مجلة كوكب العلم، عدد ربيع 2022 «النظم البيئية والحياة: على اليابسة»

من نحن

«كوكب العلم» مجلة علمية ترفيهية باللغتين العربية والإنجليزية يصدرها مركز القبة السماوية العلمي بمكتبة الإسكندرية وتحررها وحدة الإصدارات بقطاع التواصل الثقافي ...
مواصلة القراءة

اتصل بنا

ص.ب. 138، الشاطبي 21526، الإسكندرية، جمهورية مصر العربية
تليفون: 4839999 (203)+
داخلي: 1737–1781
البريد الإلكتروني: COPU.editors@bibalex.org

شاركنا

© 2024 | مكتبة الإسكندرية