علم الاستدامة: نحو عالم مستدام

شارك

لم تعد الاستدامة مسعًى سياسيًّا أو علميًّا، بل هدف أساسي تسعى إليه البشرية المعاصرة. وقد يختلف المعنى الفعلي لمصطلح «الاستدامة» من حقل معرفي إلى آخر؛ أو بمعنًى آخر، قد يتعارض المنتج النهائي في حقل ما مع الآخر. فمثلًا، إن كانت الاستدامة تعني لأحد الحقول حماية النظم الإيكولوجية القائمة، فقد تعني لحقل آخر تلبية الاحتياجات البشرية أولًا؛ ومن ثم، يتسبب البُعد الأخلاقي للاستدامة في خلاف حول تحقيقها.

للوصول إلى حل لهذه المعضلة، ظهر مجال بحثي حديث نسبيًّا وهو «علم الاستدامة». ويرجع تاريخه إلى ثمانينيات وأوائل تسعينيات القرن العشرين؛ إذ طُرح في مناقشات أكاديمية وفي تقارير الأمم المتحدة للتعاون بين الدول لتحقيق التنمية المستدامة. لاحقًا، قُدم هذا الحقل البحثي رسميًّا وطُوِّر بشكل أكبر في القمة العالمية للتنمية المستدامة في جوهانسبرج عام 2002؛ حيث حقق نجاحًا سياسيًّا كبيرًا.

على غرار الاستدامة نفسها، يتناول علم الاستدامة في المقام الأول كيف ينبغي للبشر استخدام كوكب الأرض أو في قول آخر، يتناول الرابط الإنساني الأخلاقي بالعالم. فوفقًا لتعريف علم الاستدامة، فهو يطوِّر فهم النظم الطبيعية والاجتماعية، وكيف تؤثر تفاعلاتها على تحقيق الاستدامة وكيف تمثل تحديًا لها. يدمج هذا العلم بين المعارف في جميع المجالات، بما في ذلك العلوم الاجتماعية والإنسانية؛ ومن ثم، يُعرف علم الاستدامة وفقًا للمشكلات التي يعالجها، وليس التخصصات التي يستعين بها في حل هذه المشكلات.

وعندما طُرح علم الاستدامة، وجد عديد من العلماء صعوبة في قياس التنمية المستدامة، ووضع تصور لها، وجعلها موضوعًا للبحث العلمي. مع ذلك، جاء لاحقًا عدد من الإصدارات والشبكات المخصصة لعلم الاستدامة، ووضعت مناهج علمية متميزة عنه في عديد من المؤسسات البحثية، والجامعات التي تمنح الدرجات الجامعية الأساسية ودرجات الدراسات العليا في هذا التخصص، حتى المدارس كُرست لتدريب جيل جديد من علماء الاستدامة.

ولأن علم الاستدامة يتميز بنهج قائم على إيجاد الحلول، وبوصفه مجالًا بحثيًّا أيضًا، فهو يقود البرامج البحثية في مواجهة تحديات التنمية الكبرى. فوفقًا لتقرير المجلس القومي للبحوث الصادر في عام 1999، يجب أن يلبي علم الاستدامة احتياجات الأجيال الحالية والقادمة للحفاظ على نظم دعم حياة كوكب الأرض، مع «الحد من الجوع والفقر بشكل كبير».

ومناقشة موضوع «الرفاهة» في إطار علم الاستدامة تركز بشكل متكرر في أهداف القضاء على الجوع، وتخفيف حدة الفقر، وتحسين إمدادات المياه النقية، إلى جانب عدد من الموضوعات الأخرى التي تحمل القيم الأصلية للتنمية المستدامة. كذلك، يولي علم الاستدامة اهتمامًا خاصًّا مؤخرًا بمشكلات الاستدامة، مثل تخفيف الضغوط بسبب التغير المناخي، والحفاظ على خدمات النظم البيئية، وحماية التنوع الحيوي. ومن ثم، يُعد منهج علم الاستدامة ضروريًّا في اتخاذ قرارات فعالة لتحقيق الاستدامة العالمية.

تنمية جيدة للأفراد

يؤدي تعلم العلوم والتكنولوجيا دورًا مهمًّا في التنمية المستدامة، كما يتطلب إيجاد حلول مستدامة تطورات جديدة في العلوم والاكتشاف والابتكار. إلا أن تعزيز المعرفة العلمية هدف رئيسي في مناهج العلوم المدرسية، والغرض الرئيسي لدراسة العلوم والتكنولوجيا هو إعداد الطلاب للدراسات العلمية المتخصصة في الجامعة فقط.

ويجب دراسة هذا الأمر من حيث علاقته بالمجتمع؛ ومن ثم بالتنمية المستدامة. فيقترح عالم البيئة ويليام كلارك أن علم الاستدامة «يخدم الحاجة إلى تعزيز كل من المعرفة والعمل؛ وذلك بإنشاء جسر ديناميكي بينهما». بمعنًى آخر، يجب أن يهدف تعلم العلوم والتكنولوجيا إلى تعريف النشء بالأدوات اللازمة لتطبيق المعرفة العلمية في حياتهم اليومية وتحسينها.

على هذا النحو، لاحتضان موضوع التنمية المستدامة في إطار تعلم العلوم، يجب إدراج نهج شخصي في المناهج الدراسية من شأنه استمالة المشاعر تجاه القضايا المحلية؛ ومن ثم يصبح التعلم أكثر فائدة وذا مغزًى أكبر. كذلك يحتاج التعلم إلى إظهار توازن واضح بين «الممارسة والعمل»؛ إذ يجب قياس جودة التعليم من خلال قدرة الطلاب أنفسهم عوضًا عن اتباع التعليمات.

تنمية جيدة لكوكب الأرض أيضًا

إن كوكب الأرض موطننا، ولكننا لا نمنحه الحب والرعاية التي يستحقها. هنا يأتي دورنا إزاء هذا المكان المدهش؛ فنحن بحاجة إلى القيام بدورنا وتصحيح الأضرار التي تسببنا فيها. فلم تعد المشكلة تكمن في أضرار وشيكة الحدوث في خلال السنوات المقبلة، بل يشير العلم إلى أنها قد صارت «قاب قوسين أو أدنى!».

ويجب أن يعزز تعلم علم الاستدامة سلوكيات الأفراد تجاه كوكب الأرض، ويغيرها. ويُظهر التعاون في مجال علم الاستدامة، الذي يتسم بطول الأجل، وتعدد النطاقات وتشابكها، أن المعرفة والعمل معًا بإمكانهما تقديم حلول تقنية، تتعلق بالسياسات في مواجهة التحديات الكبرى، وتعزيز الاستدامة الآن وفي المستقبل.

 

للعلم التزام تجاه المجتمع يسعى إلى تحقيقه؛ ومع ذلك، فما زالت هناك حاجة إلى وضع روابط قوية بين المعرفة والعمل. واليوم، أصبح علم الاستدامة في طليعة الجهود العالمية لإنهاء مشكلات الاستدامة؛ ليس فقط بإنهاء مشكلات الجوع والفقر وعدم المساواة، بل أيضًا تغيرات المناخ، وفقدان التنوع البيولوجي، وتدهور النظام البيئي. نحن بحاجة إلى دعم هذا المجال وتعزيزه بشكل أكبر – ولا سيما في المنطقة العربية أيضًا – لفهم تفاعلات البشر مع بيئتهم في سبيل تحقيق عالم مستدام.

المراجع

Allen Thompson, The Oxford Handbook of Environmental Ethics

icaseonline.net

nature.com

ncbi.nlm.nih.gov

pnas.org

sustainability.pnas.org

unesdoc.unesco.org

welovetheearth.org

من نحن

«كوكب العلم» مجلة علمية ترفيهية باللغتين العربية والإنجليزية يصدرها مركز القبة السماوية العلمي بمكتبة الإسكندرية وتحررها وحدة الإصدارات بقطاع التواصل الثقافي ...
مواصلة القراءة

اتصل بنا

ص.ب. 138، الشاطبي 21526، الإسكندرية، جمهورية مصر العربية
تليفون: 4839999 (203)+
داخلي: 1737–1781
البريد الإلكتروني: COPU.editors@bibalex.org

شاركنا

© 2024 | مكتبة الإسكندرية