المقالات

فيلم «انقسام» بين الحقيقة والخيال

شارك

يعلم جميعنا تقريبًا عن اضطراب الشخصية الانفصامية من خلال الأفلام والروايات. وهو بصفة أساسية اضطراب عقلي يتسبب في تطور شخصيتين منفصلتين أو أكثر في شخص واحد. وقد جعلتنا الأعمال الفنية التي تتنوع ما بين الفكاهة والمأساة نتساءل عن الخط الفاصل بين الحقيقة والخيال.

نشرت الرواية القصيرة الشهيرة «دكتور جيكل ومستر هايد» في القرن التاسع عشر لتصبح من حينها أيقونة شهيرة لاضطراب الشخصية الانفصامية. وإن لم تكن تعرفها، فهي تدور حول شخص ذي شخصيتين تمثلان جانبي الطبيعة البشرية: الخير والشر. وصورت أفلام أخرى - «أنا ونفسي وإيرين» على سبيل المثال - أشخاصًا مزدوجي الشخصية. ولكن الأمر لا يسير على مثل هذا النحو دائمًا؛ فهذا الاضطراب قد ينطوي على حالتين أو أكثر.

فيأخذ فيلم «انقسام» أو Split الذي صدر حديثًا اضطراب الشخصية الانفصامية إلى أبعد الحدود؛ حيث يصور شخصًا، له أكثر من ثلاث وعشرين حالة أو شخصية. وبالرغم من أن أغلب الأفلام والروايات تصور الشخص مزدوج الشخصية بسلوكيات متباينة، فإن فيلم «انقسام» يلقي الضوء على تغيرات تحدث في كيمياء الجسم من حالة إلى حالة. لندع الخيال جانبًا ونبحث عمَّا يقوله العلم عن هذه الحالة المثيرة للفضول، ولنعرف ما إذا كانت الأفلام تصور الحقيقة أم أنها تباعد ما بين حقيقة الاضطراب والفهم المغلوط له.

كان يطلق على اضطراب الشخصية الانفصامية قديمًا اضطراب الشخصيات المتعددة، ولكن المصطلح تغير للتركيز على التغيرات التي تحدث في الشخصية. فعلى عكس ما تصوره الأفلام، فإن المرضى الذين يعانون من هذه الحالة ليس لهم شخصيات متعددة، ولكن حالات متعددة للشخصية. بعبارة أخرى، يمكن شرح الأمر على أنه تفتت لشخصية واحدة وليس تطوير شخصيات أخرى منفصلة.

يتسم اضطراب الشخصية الانفصامية بفقدان مزمن للذاكرة ينجم عن عجز المريض عن تكوين ذات متعددة الأبعاد من حيث الهوية والذاكرة. نتيجة لهذا، ينسلخ المرضى عن الواقع ويصنعون عوالم واقعية مختلفة ذات ذكريات مختلفة، وأحيانًا يعجزون عن تذكر ما قالوه أو فعلوه في مختلف المواقف. أي يختبر المرضى الحقيقة من خلال حالات مزاجية وذكريات مختلفة، ونتيجة لهذا فهم لا يستطيعون تذكر ما حدث بالضبط.

وقد نشأ كثير من الفهم المغلوط عن هذه الحالة المرضية بسبب طريقة تصويرها المبالغ فيها في الثقافة الشعبية. فوفقًا لعالمة الأعصاب سيمون رينديرز، فإن الأفلام قد أعطت انطباعًا سيئًا عن هذه الحالة المرضية وأظهرت خطأً أن مرضاها يتسمون بالعنف. وهذا يجعل المرضى يشعرون بهذه الوصمة ويحاولون إخفاء حالتهم كما تقول الدكتورة سيمون. تضيف سيمون أن تشخيص المرض ليس بأمرٍ سهل، بل قد يأخذ سنوات.

ولكن دعونا نسأل، هل الأفلام بعيدة تمامًا عن الواقع؟ في فيلم «انقسام»، تتغير كيمياء جسم البطل «كيفين» مع تغير حالة الشخصية. يقول العلماء إن هذه التغييرات الكيميائية تحدث فعلًا؛ حيث لاحظت الدكتورة سيمون أن تدفق دم مرضاها إلى المخ يتغير مع تغير حالاتهم الشخصية. علاوة على ذلك، تشير بعض الدراسات إلى أن بعض الحالات – مثل الحاجة إلى ارتداء النظارة الطبية أو استخدام يد بدل الأخرى في الكتابة – قد تطرأ مع تغير حالة الشخصية.

ولكي نتفهم معاناة مرضى اضطراب الشخصية الانفصامية، يجب أن نفهم، ولا يسعنا الفهم إلا إذا كنَّا مدركين للحقائق. فلأن هذه الحالة المرضية مثيرة للاهتمام، فإنها دائمًا ما تجد طريقها إلى خيال الكاتبين. وعادة ما تمزج الأعمال الفنية بين الحقيقة والخيال، ولكن عليها أيضًا الحفاظ على دورها في تنوير المجتمع. يجب أن يكون الكاتبون والمخرجون أكثر انتباهًا للفهم المغلوط للحقائق، الذي قد تسببه أعمالهم الفنية. وتقع المسئولية أيضًا على المشاهدين؛ ولكن في نهاية الأمر، نعلم أن المقصود من الأفلام هو الترفيه. وإن كنا نريد معرفة واقع الأمور، فعلينا تقصي الحقائق العلمية التي تستند إليها الأفكار المطروحة في الأفلام. ولعل تصوير هذه الحالة المرضية بالتحديد في الأفلام سيذكرنا دائمًا ألا نتخذ الأفلام مرجعًا لنا.

المراجع

psychcentral.com
theguardian.com
psychologytoday.com

من نحن

«كوكب العلم» مجلة علمية ترفيهية باللغتين العربية والإنجليزية يصدرها مركز القبة السماوية العلمي بمكتبة الإسكندرية وتحررها وحدة الإصدارات بقطاع التواصل الثقافي ...
مواصلة القراءة

اتصل بنا

ص.ب. 138، الشاطبي 21526، الإسكندرية، جمهورية مصر العربية
تليفون: 4839999 (203)+
داخلي: 1737–1781
البريد الإلكتروني: COPU.editors@bibalex.org

شاركنا

© 2025 | مكتبة الإسكندرية