نوم الأطفال: المعضلة الكبرى (2)

شارك

الأدلة لا تكذب! يضاف إلى مأساة الآباء المحرومين من النوم الدراسات المتباينة التي تدعم كلتا المدرستين من مدارس التدريب على النوم.

فمن ناحية، تزعم بعض الدراسات أن تجاهل بكاء الطفل خلال تدريبه على النوم يترتب عليه معظم المشكلات التي يواجها بعد ذلك خلال حياته؛ مثل اضطراب نقص الانتباه وفرط النشاط، والسلوك المعادي للمجتمع، ومستويات الذكاء المنخفضة. ومنبع تلك الادعاءات هي فكرة أن التوتر الناتج عن بكاء الطفل وغياب استجابة والديه له يتسببان في إفراز مستويات مكثفة من مواد كيميائية – معروفة باسم هرمونات التوتر مثل هرمون الكورتيزول – تغيِّر من نمو عقل الطفل.

وغالبًا ما يتم الاستعانة بعمل الدكتور آلان شور؛ الباحث بجامعة كاليفورنيا بلوس أنجلوس، دليلاً لترسيخ فكرة أن الكورتيزول المفرز خلال البكاء الشديد يضر بالخلايا العصبية في المخ، مما يؤدي بدوره إلى حدوث آثار غير صحية وأضرار نفسية. ويوضح شور كيف يمكن للأسلوب المتكرر من عدم تلبية حاجات الطفل أن يعطل جهاز تنظيم التوتر لديه، وأن يغير من طريقة معالجة الهياكل الحوفية لديه للعواطف.

إلا أن أبحاث شور هي في واقع الأمر عن كيفية تأثير الصدمات، أو الإهمال المستمر، أو القسوة على الأطفال وليست عن تطبيق منهج "النوم بكاءً" في مقابل الجو الأسري المليء بالرعاية والتفاعل. فيعتمد كليةً في تجميع بياناته على مجموعة من الأطفال الذين يعانون من الإهمال الجسيم، وعادة ما يستعين بالحالات المقيدة بخدمات حماية الطفل.

وعلى الجانب المؤيد للتدريب على النوم، راقبت دراسة أسترالية تم نشرها مؤخرًا حالة 326 طفلاً يشتكي آباؤهم من مواجهتهم صعوبات معهم تتعلق بالنوم عند بلوغهم الشهر السابع. فتم إدراج نصف الأطفال ضمن مجموعة للتدريب على النوم – باستخدام منهج من مناهج طريقة "النوم بكاءً" – والنصف الآخر تم وضعه في مجموعة مراقبة لا تطبق تدريبًا على النوم.

بعد مرور خمس سنوات، تابع الباحثون حالة المشتركين البالغين من العمر ست سنوات الآن وآبائهم. فلم يجدوا فرقًا ملحوظًا بين أطفال المجموعتين فيما يتعلق بالصحة العاطفية، أو السلوك، أو مستوى الذكاء، أو الروابط الأسرية بين الأطفال وآبائهم. وبالتالي، لم يجد الباحثون أي ضرر من ترك الطفل يبكي لفترات محددة خلال تدريبه على النوم بمفرده.

وهناك بحث آخر معاكس يتضمن دراسة تم إجراؤها بجامعة شمال تكساس على 25 طفلاً تتراوح أعمارهم بين أربعة وعشرة أشهر خلال برنامج للتدريب على النوم. فرصد الباحثون مستويات هرمون الكورتيزول الخاص بالتوتر عند الأطفال الذين تم تركهم يبكون حتى خلودهم للنوم بدون تهدئتهم.

رصد العلماء مدة بكاء الأطفال كل ليلة قبل خلودهم للنوم. وبحلول الليلة الثالثة، بكى الأطفال لمدة أقل من الليالي السابقة وخلدوا إلى النوم أسرع، إلا أن مستويات الكورتيزول في لعابهم ظلت مرتفعة، مما يشير إلى أن الأطفال يكونون على نفس القدر من التوتر مثلما يكونون أثناء البكاء. ما ظن الباحثون أنه أمر مثير للاهتمام هو أنه بالرغم من عدم تغيُّر مستويات الألم الفيسيولوجي الداخلية لدى الأطفال، فإن تعبيرهم الخارجي عن ذلك التوتر يهدأ مع التدريب على النوم.

البكاء أو عدم البكاء

دافع الدكتور سبوك منذ عقود عن فكرة تشكيك الوالدين في جميع "مناهج" التربية واتباعهم حدسهم؛ فلا يوجد منهج معين يتماشى مع كل طفل أو كل موقف سواء.

تؤيد "الأكاديمية الأمريكية لطب النوم" هذه النصيحة. فبعد مراجعة طرق التدريب على النوم، بما فيها ترك الطفل يبكي وعدم ترك الطفل يبكي، جاء استنتاجها أنه لا يوجد منهج واحد محدد لمشكلة النوم عند الأطفال. فكل طفل مختلف ويجب على الآباء اختيار ما يناسب الموقف الذي هم فيه، ولكن أهم شيء هو الالتزام بذلك المنهج عند اتباعه.

لقد مرت خمس سنوات منذ أن تركت ابنتي تبكي حتى تنام، لكنني ما زلت أتذكر صوت بكائها حتى الآن. أتذكر جلوسي وحيدة في الظلام أنازع نفسي مانعة إياها من الهرع لنجدتها، وما زال قلبي ينفطر كلما تذكرت الأمر. أتذكر أيضًا كيف فعل هذا المنهج مفعول السحر؛ ففي غضون أيام غدت طفلتي تخلد للنوم بمفردها في دقائق، وهي التي كانت طقوس نومها تستمر لساعات ولم تكن تنام لأكثر من ساعة في كل مرة، إلا أنها أصبحت تنام كل ليلة عشر ساعات أو أكثر متواصلة. كما كانت طفلة سعيدة خلال النهار أيضًا؛ فانتهى البكاء طوال الوقت واكتسبت كل الأمور الهامة التي فاتتها بسرعة البرق.

حين قررت استخدام منهج تركها تبكي كنت قد قرأت كل كتاب، واطلعت على كل بحث، وقمت بتجربة جميع طرق عدم البكاء دون جدوى. إلا أنه على الرغم من أنها تبدو سحرية، فلا تجدي طريقة ترك الطفل يبكي نفعًا مع كل الأطفال. وبينما لا أعتقد أنني قد أذيت مخ ابنتي أو تسببت في مشكلات مزمنة لديها باتباع ذلك المنهج، فإنني في نفس الوقت كنت أفضِّل تدريبها على النوم دون الألم المصاحب لتلك الطريقة، حتى وإن كنت أنا من يشعر بهذا الألم والذنب.

المراجع

Richard Ferber (2006) “Solve Your Child's Sleep Problems”, Touchstone
edition.cnn.com
psycnet.apa.org
abcnews.go.com
www.askdrsears.com
www.babycenter.com


*المقال الأصلي منشور بمجلة كوكب العلم، عدد صحة الإنسان (ربيع 2014).

**اقرأ الجزء الأول من المقال من هنا.

من نحن

«كوكب العلم» مجلة علمية ترفيهية باللغتين العربية والإنجليزية يصدرها مركز القبة السماوية العلمي بمكتبة الإسكندرية وتحررها وحدة الإصدارات بقطاع التواصل الثقافي ...
مواصلة القراءة

اتصل بنا

ص.ب. 138، الشاطبي 21526، الإسكندرية، جمهورية مصر العربية
تليفون: 4839999 (203)+
داخلي: 1737–1781
البريد الإلكتروني: COPU.editors@bibalex.org

شاركنا

© 2024 | مكتبة الإسكندرية