المقالات

الحواس لدى الأجنة والرضع

شارك

خلال أشهر الحمل تنمو الأجنة جسديًّا، وعقليًّا، وفسيولوجيًّا. وقد تشُبِّه الرحم بكهف مظلم تملؤه مياه ساكنة، وتتساءل كيف تتطور الحواس الخمسة كما نعرفها من الحالة الجنينية حتى ولادة الطفل.

فبينما يمكث الجنين في الرحم وقد تطورت أعضاؤه؛ كلٌّ في مكانه، فإنه يتنفس، ويتحرك، ويبتلع السائل السلوي، ويستجيب للمحفزات استعدادًا للحياة. وعمليات التطور والتكيف التي تحدث خلال شهور الحمل التسعة بالغة الأهمية لتجهيز حواسه الخمسة؛ لاستكشاف الحياة في العالم الخارجي.

وبمجرد أن يولد الطفل، يصبح الوالدان شغوفين لمعرفة كيف يدرك طفلهما العالم من حوله؛ بما يشعر، وما يرى، وما يسمع، وما يشم، وما يتذوق. والواقع أن بعض الحواس تكون تامة التكوين عند الميلاد، بينما يستمر البعض الآخر في التطور والاكتمال بعد الميلاد.

حاسة اللمس

اللمس هو الحاسة الأولى التي تتطور في الجنين؛ فتبدأ الحساسية في الخدين، ثم تمتد سريعًا إلى راحتي اليد بحلول الأسبوع الحادي عشر، وإلى باطن القدم بحلول الأسبوع الثاني عشر، وإلى البطن والمؤخرة بحلول الأسبوع السابع عشر. وقد يجرب الطفل الحاسة التي اكتسبها فيربت على وجهه، أو يمص إصبعه، أو يتحسس أجزاء جسمه.

وفي الشهور الثلاثة الأخيرة من الحمل، ينتبه الطفل إلى لمسات الأم عندما تربت بلطف ويستجيب لها فيهدأ أو يرد بركلات خفيفة. وبحلول الأسبوع الثاني والثلاثين، تكون كل أجزاء جسم الطفل قادرة على الإحساس بالحرارة، والبرودة، والضغط، والألم.

من ثمَّ، تعد حاسة اللمس من الحواس الأكثر تطورًا عند الميلاد، وقد تبين أنها أساسًا للتطور الإدراكي والعاطفي. والأطفال حديثو الولادة يلمسون بشكل أفضل بأفواههم، مما يوضح لماذا يستخدمون أفواههم لاستكشاف كل شيء. ومن المذهل أن الأطفال البالغين شهرًا من العمر قادرون على تكوين صورًا ذهنية لما يمصونه.

ويؤدي الحرمان التام من استشعار حديثي الولادة من البشر أو الحيوانات للمسات إلى تأخر في جوانب عديدة؛ عاطفيًّا، وجسمانيًّا، وإدراكيًّا، ومناعيًّا. ولذلك تبين أن الأطفال الذين يولدون قبل الأوان ينتفعون من التداوي بطريقتي "عناية الكنغر"(1) والمساج.

حاسة التذوق

يكون الجنين قد طوَّر براعم التذوق تمامًا كالبالغين في الفترة ما بين الأسبوعين الثالث عشر والخامس عشر من الحمل. وخلال الشهور الثلاثة الأخيرة من الحمل يبتلع الجنين قرابة لتر يوميًّا من السائل السلوي، مما يساعد الطفل على التعوُّد على حليب الأم.

ومن المثير للدهشة أن السائل السلوي المحيط بالجنين غني بالنكهات السكرية، والحمضية، والملحية، بالإضافة إلى النكهات القوية الموجودة في غذاء الأم؛ مثل الكاري، والثوم، والقهوة.... إلخ. وقد أظهرت الدراسات أن الأجنة تفضل النكهات الحلوة عن المرة واللاذعة، واستدلوا على ذلك باختلاف القدر الذي يبتلعه الجنين عند التعرض لكلٍّ من النكهتين.

يستطيع الأطفال حديثو الولادة التفرقة بين المذاقات، ويتبين أن لديهم مذاقات مفضلة محددة. ويفضل الأطفال الرضع الإناث والأثقل وزنًا المذاقات الحلوة عن الرضع الذكور والأقل وزنًا، بينما تثير المذاقات المرة واللاذعة ردود أفعال قوية لدى الأطفال حديثي الولادة، وتكون المذاقات المالحة محايدة.

ويتأثر مذاق لبن الأم بنظامها الغذائي؛ ولكنه نادرًا ما يتأثر الأطفال الرضع بذلك. ومن ثمَّ، يساعد النظام الغذائي المتنوع للأمهات على جعل أطفالهن أكثر تقبلاً لجميع الأطعمة؛ حيث عادةً ما ينفر الإنسان في البداية من المذاقات الجديدة.

حاسة الشم

تتكون أنف الجنين ما بين الأسبوعين الحادي عشر والخامس عشر. غير أن التجويف الأنفي يبقى مسدودًا بكتلة من الأنسجة؛ وهكذا، فإن قدرة الجنين على الشم تبدأ نحو الأسبوع الثامن والعشرين من الحمل.

وقد كان العلماء يظنون قبل ذلك أن الأجنة لا تتمتع بالقدرة على الشم نهائيًّا؛ حيث كان من المعتقد أن الشم يعتمد على استنشاق الهواء. غير أنه من المعتقد الآن أن السائل السلوي المحيط بالجنين يمر عبر التجويفين الفمي والأنفي مثيرًا لكلٍّ من حاستي المذاق والشم.

كما أظهرت الدراسات أن الأطفال حديثي الولادة ينجذبون لرائحة لبن الأم، وذلك على الرغم من أنهم لم يعهدوها من قبل. ويعتقد الباحثون أن هذا قد يرتبط بدلالات أخرى استنتجوها من مرحلة ما قبل الولادة؛ حيث يستطيع الجنين شم كل ما تتناوله الأم أو تستنشقه.

ويستطيع الطفل حديث الولادة التمييز جيدًّا بين ثدي أمه وأية امرأة أخرى، وذلك بالإضافة إلى رائحة عنقها وتحت إبطها. وهذا الإدراك الشمي يعتمد على قدر الاتصال عن قرب، وخاصة بين أنف الطفل وبشرة الأم خلال وقت الرضاعة. ولقدرة الطفل على تمييز رائحة أمه تأثير مهدئ، ولكن الخبر السيء الذي نحمله للرجال هو أن الأطفال لا يألفون رائحة آبائهم بسرعة.

مصدر الصورة.

حاسة السمع

ليس الرحم بالمكان الهادئ؛ فهناك صوت اندفاع الدم عبر أوردة الأم، وصوت قرقرة الطعام ودمدمته في المعدة والأمعاء، ونبرات صوتها وأصوات الآخرين. ويعد الصوت المحفز الأساسي للأجنة؛ فبعد الشهر السادس يصبح القناة الرئيسية للمعلومات، وبنهاية الشهر السادس تكون الأجنة قادرة على السماع.

تتكون أذن الجنين في الأسبوع الثامن تقريبًا، وتصبح تامة التكوين في الأسبوع الرابع والعشرين. كما تكون عظام الأذن الداخلية والنهايات العصبية القادمة من المخ جاهزة بحلول الأسبوع الثامن عشر؛ بحيث تسمح للجنين بسماع بعض الأصوات؛ مثل دقات قلب الأم، بل ومن الممكن أيضًا أن يجفل بفعل الضجيج الصاخب!

وتتحسن حاسة السمع عند الجنين مع تحسن شبكة الأعصاب الممتدة إلى الأذنين. وعلى الرغم من أن الأصوات التي يسمعها تكون ضعيفة، فإنه يكون قادرًا على التعرف على صوت أمه. ومن ثمَّ، يكون ذلك الوقت مناسبًا لتقوم الأم بالقراءة، بل والغناء أيضًا لطفلها.

وقد يتغير وضع الجنين أو حركته استجابة للأصوات؛ فالعديد من السيدات الحوامل تحدثن عن تعرضهن لركلات جنينية مفاجئة عقب إغلاق الباب بضجة أو إصدار محرك السيارة لفرقعة. وعادة ما يصبح معدل ضربات قلب الجنين أبطأ بينما تتحدث أمه، مما يشير إلى أنه يستطيع تمييز صوتها ويطمئن إلى سماعه.

حيث إن سمع الطفل يتطور خلال فترة الحمل، فإنه يكون تامًّا عند الميلاد. بل في الواقع فإن الطفل حديث الولادة قد حظي بالفعل بتجربة سمع بلغت اثني عشر أسبوعًا، وأصبح لديه أصوات مفضلة على رأسها صوت أمه. كما يفضل الأطفال الرضع أيضًا أصوات منغمة ومعقدة أخرى؛ مثل الموسيقى وأغنيات الأطفال. ومرة أخرى، لا يصبح صوت الآباء محببًا إلى الأطفال قبل بضعة أسابيع.

مصدر الصورة.

حاسة البصر

الرؤية هي آخر الحواس التي تتطور في الجنين؛ فتبقى الأجفان مغلقة داخل الرحم حتى الأسبوع السادس والعشرين تقريبًا حتى تتطور شبكية العين تمامًا. عند ذلك الحين، تنفتح العينان ويقوم الجنين بفتحهما وإغلاقهما. وكما هو ليس بالمكان الهادئ تمامًا، فإن الرحم ليس مظلمًا تمامًا. وبينما لا تزال العينان منغلقتَين في الأسبوع الثامن عشر، تستطيع الشبكية إدراك قدر قليل من الضوء إذا كانت الأم في الخارج تحت أشعة الشمس الساطعة أو تحت أضواء قوية.

بحلول الأسبوع الثالث والثلاثين، يستطيع بؤبؤ العين إدراك الضوء؛ فيضيق ويتسع بما يسمح للطفل برؤية أشكال مبهمة. وقد بينت الدراسات التجريبية أن تسليط الأضواء الساطعة على بطن الأم في الأسبوع السابع والثلاثين يؤدي إلى زيادة ضربات قلب الجنين، أو يؤدي إلى تحركه استجابة له. وبمجرد أن يستطيع التوأمان فتح عينيهما، فإنهما يستطيعان رؤية بعضهما، ولمس أوجه بعضهما، أو مسك أيدي بعضهما.

وتكون حاسة البصر بدائية وقت الميلاد مقارنة بالحواس الأخرى، إلا أن حديثي الولادة يصلون إلى الحياة مزوَّدين بما يحتاجونه. فعند الميلاد، تكون رؤية الطفل مركزة بامتداد 20 إلى 30 سم؛ حيث يستطيع حديثو الولادة تمييز أوجه أمهاتهم حتى وإن كان عمرهم يومًا واحدًا، والرضع يفضلون الوجوه والأشكال الشبيهة بها بوجه عام.

في الشهرين الأولين من العمر، يبدو الرضع وكأنهم يتفقدون المكان من حولهم حتى يصلون إلى حواف الأشياء، ويتفحصونها. وما بين الشهرين الثاني والثالث، يتحول تركيزهم من تحديد أماكن الأشياء إلى تفحص ماهيتها؛ فيسلطون نظرهم على أشياء معينة ويتفحصون تفاصيلها.

كما يستطيع حديثو الولادة رؤية الألوان بعض الشيء، ولكن ليس الأطياف برمتها؛ حيث يتطور إدراك الألوان فيما بين الشهرين الثالث والرابع. ويلتفت حديثو الولادة إلى الأشياء المتحركة، والتناقضات البارزة، كما يلتفتون إلى الأشياء الجديدة التي تقع عليها أعينهم.

يمكث الأطفال في أرحام أمهاتهن تسعة أشهر طويلة، يستعدون خلالها لاكتشاف الحياة؛ لاستشعار النسيم البارد والشمس الدافئة، ولتذوق الأطعمة والمشروبات الشهية، وللاستمتاع بأصوات الطيور وبرائحة الزهور في الحدائق. وبمجرد خروجهم للحياة، تستمر حواسهم في التطور؛ لتساعدهم في إدراك العالم الجديد الذي سيسكنونه لباقي عمرهم.

المصطلحات

  1. عناية الكنغر هي طريقة لرعاية الأطفال الذين ولدوا قبل الأوان تتمثل في حمل الأطفال، وعادة ما تحملهم أمهاتهم؛ بحيث يكون هناك اتصال بين بشرتهم وبشرة أمهاتهن.

المراجع

whattoexpect.com.au
www.teensadvisor.com
health.howstuffworks.com
www.welcomebabyhome.com

“What's Going on in There? How the Brain and Mind Develop in the First Five Years of Life”, by Lise Eliot, 1999, Bantam Books.

“The Developing Child”, 8thEd., by Helen Bee.1997, Longman Books.

“Encounters with Children”, 3rdEd., by Suzanne Dixon and Martin Stein. 2000, Mosby Books.

 

المقال الأصلي منشور في مجلة كوكب العلم، عدد صيف 2013.

من نحن

«كوكب العلم» مجلة علمية ترفيهية باللغتين العربية والإنجليزية يصدرها مركز القبة السماوية العلمي بمكتبة الإسكندرية وتحررها وحدة الإصدارات بقطاع التواصل الثقافي ...
مواصلة القراءة

اتصل بنا

ص.ب. 138، الشاطبي 21526، الإسكندرية، جمهورية مصر العربية
تليفون: 4839999 (203)+
داخلي: 1737–1781
البريد الإلكتروني: COPU.editors@bibalex.org

شاركنا

© 2024 | مكتبة الإسكندرية