محو الأمية حق للجميع

شارك

منذ الثامن من سبتمبر 1966، أُعد هذا اليوم يومًا عالميًّا لمحو الأمية؛ وصارت قضية محو الأمية رمزًا لتأصيل كرامة الإنسان وحقوقه. وتؤكد مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان أن حقوق الإنسان غير قابلة للتجزئة؛ لأن الحرمان من أحد الحقوق يؤثر بالتبعية في الحقوق الأخرى. فلا يعد محو الأمية حقًّا أصيلًا ووسيلة للنجاح طوال الحياة فحسب؛ وإنما يُعد تمهيدًا لقدرة الناس على الممارسة الفعالة؛ كونه يعزز القدرات، وينمي المواهب، ويوسع المدارك؛ مانحًا الأفراد الدافع إلى المشاركة في مختلف الأنشطة من حولهم. وعادة ما يفترض أن حق محو الأمية يندرج ضمنيًّا تحت الحق في التعليم، ولكن لحسن الحظ يعترف بالفعل بمحو الأمية كحق منفصل لكل من الأطفال والكبار في كثير من الاتفاقات الدولية.

على مر السنين ابتكرت وسائل مختلفة وشائقة؛ لترغيب المتعلم في القراءة والكتابة، ولعل أشهرها طريقة الصوتيات، أي تعلم القراءة عن طريق ربط أنماط الحروف بالأصوات داخل الكلمة. وهناك أيضًا طريقة «شاهد وقل»، التي ترتكز على الكتب المصورة لتغذي فضول الدارس واكتشاف النص المرتبط بالصورة. ولعل أكثر هذه الطرق إبداعًا طريقة الصوتيات المرئية؛ إذ تدور فكرتها حول قدرة الطالب على فك شفرة الكلمات عند تلقي صورة لها صوت، أي صورة مسموعة موجودة أعلى النص الكلامي.

تظهر الأبحاث والدراسات المجتمعية أن الأطفال الذين يجيدون القراءة والكتابة قبل الصف الثالث هم الأكثرون احتمالًا بأن يتموا تعليمهم الثانوي. ومن أنهوا دراستهم الثانوية بالفعل يقل معدل انحرافهم ومثولهم أمام منصة القضاء، كما يزداد معدل انخراطهم في المجتمع، وحصولهم على وظائف شريفة، وإنجاب أطفال محبين للتعليم ينهون أيضًا تعليمهم الثانوي. وهكذا، فإن القدرة على القراءة والكتابة لا تحمي الأفراد الحاليين فقط، ولكنها تمهد الطريق لأجيال صالحة ومنتجة.

قد تحرمنا الأمية من بعض ألمع وأذكى العقول المفكرة، والمبدعة، والمخترعة أيضًا. ولتحقيق نهضة الأمم وتقدمها يجب أن تمنح فرص متعادلة لكل الأفراد؛ كي يستطيعوا التعبير عن مواهبهم وابتكاراتهم بكل عدل وشفافية. فنجد على مر التاريخ عديدًا من المشاهير، والمفكرين، بل المخترعين أيضًا ممن عانوا صعوبات التعلم في صغرهم، ولكنهم مع الصبر والإرادة وظهور أشخاص في حياتهم آمنوا بهم ودعموهم، استطاعوا أن يثبتوا أنفسهم ويخرجوا أفكارهم للنور؛ ليس لينخرطوا في المجتمع كأفراد أسوياء فقط، بل ليقودوا الشعوب من غياهب الأمية إلى نور المعرفة والابتكار.

من بين هؤلاء المشاهير نجد مثلًا ألبرت أينشتاين، العالم الفيزيائي صاحب نظرية النسبية. فلم يكوِّن أينشتاين جملًا كاملة حتى سن السابعة، ورغم براعته في الرياضيات، فقد عانى اللغات والكتابة. ونجد أيضًا توماس أديسون مخترع المصباح الكهربائي وقصته الشهيرة مع والدته التي علمته بنفسها، بعدما طردته المدرسة لتأخره الدراسي وشروده الدائم. وفي مجال ريادة الأعمال نقرأ عن وليام هيوليت مؤسس شركة هيوليت باكارد (HP)، والذي كان متعسرًا بالقراءة. والكاتبة العالمية أجاثا كريستي التي كانت تملي أفكارها لأحدهم حتى يكتبها. وفي دنيا الخيال والإبداع يصدمنا أن نعلم أن المبدع والت ديزني الذي تمتع باتساع المخيلة في مجال الرسوم المتحركة، قد عانى في صغره صعوبات التعلم. وفي مجال الرياضة يمكننا معرفة أن البطل العالمي محمد علي كلاي الذي بهر العالم بنجاحاته المتواصلة، لم يحظَ بتعليم أساسي سهل ونمطي، وغيرهم كثيرون.

يا ترى كم من موهوب، وعالم، ومخترع موجود الآن في أوطاننا يعاني ويناضل مع صعوبات التعلم، أو قد سلب منه الحق بالكلية وهو في انتظار يد تمتد إليه تمنحه حقه المسلوب، وتدعمه، وترعاه؛ ليتخطى تلك العقبات، ويكمل مسيرة المفكرين السابقين.

المراجع

dm-ed.com
dyslexiaonline.com
helenarkell.org.uk
read.org.za
unitedway.org


Top image: School Photo. Credit: Freepik


 نُشر هذا المقال لأول مرة مطبوعًا في مجلة «كوكب العلم»، عدد خريف 2019.

من نحن

«كوكب العلم» مجلة علمية ترفيهية باللغتين العربية والإنجليزية يصدرها مركز القبة السماوية العلمي بمكتبة الإسكندرية وتحررها وحدة الإصدارات بقطاع التواصل الثقافي ...
مواصلة القراءة

اتصل بنا

ص.ب. 138، الشاطبي 21526، الإسكندرية، جمهورية مصر العربية
تليفون: 4839999 (203)+
داخلي: 1737–1781
البريد الإلكتروني: COPU.editors@bibalex.org

شاركنا

© 2024 | مكتبة الإسكندرية