التفسير النفسي للفجوة في الأجور بين الجنسين

شارك

لا يوجد أدنى شك أن الفجوة في الأجور بين الجنسين كانت وما زالت مشكلة في عديد من البلدان، حتى المتقدمة منها. وهذه المشكلة لا تدق ناقوس خطر عدم المساواة فحسب، بل هي دليل قاطع على عدم وجود مجتمعات تساوي بين الجنسين على مستوى العالم.

هذه المشكلة تضر بأساس المجتمع؛ لأن الفجوة في الأجور لا تؤثر في الإناث فقط، بل في العائلة بأكملها؛ حيث تبين اعتماد عديد من العائلات على دخل المرأة. فسواءً كانت هي العائل الوحيد للأسرة أو داعمة لها ماليًّا، فالأجور المتدنية للمرأة تؤثر في كثير من الحالات في الفرص التعليمية التي يتلقاها الأطفال، والطعام الذي يتناولونه، والرعاية الصحية التي يتلقونها. كذلك يعرض تدني الأجور الإناث لخطر الفقر بصورة أكبر بعد التقاعد؛ لأن هذه الفجوة تؤثر في مدخراتهن.

لماذا يوجد تمييز بين الجنسين؟

بالطبع توجد عوامل عدة تسهم في فجوة الأجور؛ بعضها يبدو حقيقيًّا، والبعض الآخر يمكن اعتباره وهمًا. بالإشارة إلى بحث نفسي يلقي الضوء على بعض تلك الأوهام، التي عادةً ما تلقي باللوم على الإناث، ترجع الفجوة إلى الأسباب التالية:

  1. لا تؤدي الإناث عملًا متساويًا

في الواقع، توجد أسباب عديدة تدفع الإناث إلى اختيار العمل بدوام جزئي، بسبب إنجاب الأطفال وتربيتهم. فيمكن لإنجاب الأطفال تغيير منظور الإناث للوظيفة؛ فيملن إلى العمل بنظام الساعات المرنة، أو العمل من المنزل، واستكمال المشروعات خارج الأطر الزمنية الضيقة.

  1. لا تطالب الإناث بما يردن

وفقًا لذلك المفهوم الخاطئ، ينسب هذا غالبًا إلى افتقار الإناث لمهارات التفاوض مقارنةً بالرجال! ولكن، هذا ليس حقيقيًّا؛ فقد أظهرت الأبحاث أنه عندما تتفاوض الإناث للحصول على راتب أفضل، فإنهن ما زلن يتلقين عروضًا أقل من الرجال، وذلك سواء كان العرض من رجال أو نساء.

  1. لا تتحلى الإناث بالمستوى التعليمي للرجال نفسه أو خبراتهم

أظهرت الأبحاث أن الإناث يتقاضين أجورًا أقل من الرجال، حتى بعد احتساب خبراتهن العملية السابقة. بالإضافة إلى ذلك، فهن يحملن أغلب شهادات البكالوريوس، والماجستير، والدكتوراه.

  1. تميل الإناث إلى الاشتغال بالمهن الأقل أجرًا

تميل الإناث إلى المهن الإدارية، والرعائية، والمجالات الاجتماعية، التي عادةً ما تكون منخفضة الأجر. ومع ذلك، فهن يتقاضين رواتب أقل من الرجال رغم قيامهن بالعمل ذاته، حتى في المهن المرتبطة نمطيًّا بالنساء، مثل التمريض.

إلا أن بحثًا مجتمعيًّا كشف عن بعض التفسيرات الأعمق لهذا الخلل؛ فأوضح أن هذه الفجوة لا تحدث في معظم الأحيان بسبب كفاءة عمل الإناث أو مستوى تعليمهن. في الواقع، هناك أسباب نفسية تسببت في ظهور هذه المشكلة، ساهمت بدورها في زيادة الفجوة.

فأظهر البحث أن هذه المفاهيم الخاطئة عن عمل الإناث قد تم تشكيلها وتغذيتها منذ مراحل مبكرة من حياتنا، من خلال بعض المفاهيم المتأصلة في أذهاننا. ومع تقدمنا في العمر، أصبح من الصعب فصل سلوكنا، وفي كثير من الأحيان هويتنا، عن المعلومات التي أصبحت مترسخة في أذهاننا.

أولًا: فإن القوالب النمطية التي تتعلق بجنس الإنسان، والأدوار المنوطة بالجنسين، والتنشئة الاجتماعية للجنسين تعد الرجال والنساء لأنواع مختلفة من الوظائف، كما تؤثر في تصورات أصحاب العمل عن الشخص المناسب لوظيفة معينة. كما يسعى معظمنا إلى التدريب، والتعليم، وامتهان الوظائف التي تتناسب نمطيًّا مع جنسنا، ونتلقى التشجيع من الآخرين للقيام بذلك.

بالإضافة إلى ذلك، يظهر البحث أنه في مجتمعات عدة، تؤهل الصفات المرتبطة بالذكورة – مثل: الحزم، والاستقلال، والسلطة، والاعتماد على النفس – الذكور للحصول على وظائف ذات رواتب مرتفعة في القطاعات ذات الأجور المرتفعة، في حين إن الصفات المرتبطة نمطيًّا بالأنوثة – مثل: التربية والاهتمام والرعاية... إلخ – تؤهل الإناث للتصرف بشكل أكثر تعاطفًا. نتيجة لذلك، تواجه الإناث خيارًا بين أن يُنظر إليهن على كونهن كائنات لطيفة أو مؤهلات للعمل، ولكن ليس الاثنين معًا، وهذا يؤثر في حياتهن المهنية بشكل كبير.

ماذا نفعل حيال الفجوة في الأجور بين الجنسين؟

قدم الباحثون ثلاثة اقتراحات من شأنها مساعدة المؤسسات في القضاء على الفجوة بين الأجور:

  • ينبغي للمؤسسات توفير فرص متساوية للتطور، وتقديم ملاحظات دقيقة للإناث، عن طريق تحديد الحواجز وإزالتها.
  • يجب على المؤسسات اتخاذ الإجراءات نحو تحقيق توازن أفضل بين العمل والحياة، بتشجيع النساء والرجال على أخذ الإجازات، والتفكير في جداول زمنية مرنة، والعمل عن بعد، أو تقاسم العمل.
  • يجب على المؤسسات توفير التدريب المستمر، والحرص على وجود الإناث في جميع قطاعات المؤسسة الواحدة. علاوة على ذلك، يجب تثقيف الموظفين فيما يتعلق بالتعامل بأساليب لا تميز بين الجنسين.

إن الفجوة في الأجور بين الجنسين مشكلة عالمية تفاقمت على مر السنين لأسباب غير واقعية، ولا يجب لوم الإناث عليها. وللقضاء على تلك الفجوة، يجب على المؤسسات توفير التدريب والدعم وفرص النمو لكل من الرجال والنساء، والتوقف عن التعامل مع فجوة الأجور كأمر مسلم به.

المراجع

nicholsonmcbride.com

ons.gov.uk

psychologytoday.com


من نحن

«كوكب العلم» مجلة علمية ترفيهية باللغتين العربية والإنجليزية يصدرها مركز القبة السماوية العلمي بمكتبة الإسكندرية وتحررها وحدة الإصدارات بقطاع التواصل الثقافي ...
مواصلة القراءة

اتصل بنا

ص.ب. 138، الشاطبي 21526، الإسكندرية، جمهورية مصر العربية
تليفون: 4839999 (203)+
داخلي: 1737–1781
البريد الإلكتروني: COPU.editors@bibalex.org

شاركنا

© 2024 | مكتبة الإسكندرية