الشمس: حياة نجم

شارك

على الرغم من أن درب التبانة يعج بملايين النجوم التي لها أنظمتها الخاصة المكونة من الكواكب، والأقمار، والكويكبات، والمذنبات، فإن الشمس أهم النجوم بالنسبة إلينا. فعلى الرغم من أنها نجم أصفر عادي متوسط الحجم، فتبدو لنا أكبر من بقية النجوم لقربها منَّا.

وتقع الشمس في قلب النظام الشمسي، وهي أكبر الأجرام السماوية حجمًا في هذا النظام، إذ تشكل نحو 99.86% من كتلته؛ فتبلغ كتلتها نحو 700 مرة كتلة جميع الأجسام السماوية في النظام الشمسي معًا. ولحجمها الضخم جدًّا؛ فإن جاذبيتها التي تفوق جاذبية الكرة الأرضية 28 مرة، تبلغ من القوة ما يُبقي جميع كواكب ومذنبات النظام في مدارها.

ميلاد سعيد

وفقًا لعلماء الفلك، فمنذ مليارات السنين، لم يوجد سوى سحابة كبيرة من الغبار والغازات المعروفة باسم السديم الشمسي. وعند انهيار السديم تحت تأثير جاذبيته، بدأ في الدوران بشكل أسرع حتى أصبح مفلطحًا مثل القرص؛ حيث انجذبت جميع المواد نحو المنتصف لتتكون الشمس منذ نحو 4.6 مليار سنة. ومع وجود الشمس في المنتصف، تكوَّن النظام الشمسي؛ حيث قامت بقايا الغازات والغبار على مَرِّ ملايين السنين بتكوين الكواكب، ومجموعة متنوعة من الأقمار، والكويكبات، والمذنبات، والشهب.

والشمس عبارة عن كرة من البلازما تتكون من 70% من الهيدروجين والهيليوم، وأقل من 2% من العناصر الثقيلة مثل الأكسجين، والكربون، والنيون، والحديد، وغيرها من العناصر. تضاهي كثافة المواد التي تتكون منها الشمس ربع كثافة المواد التي تتكون منها الكرة الأرضية. وفي مركزها، تكون كثافة الشمس أكثر مائة مرة من كثافة المياه، وتتراوح حرارتها من 10 إلى 20 مليون درجة مئوية، كما يتعدى الضغط المليار غلاف جوي. وتدور الشمس حول مركز درب التبانة على مسافة حوالي 24.000-26.000 سنة ضوئية، فتكمل الشمس مدارها حول مركز المجرة كل 250 مليون سنة تقريبًا.

الشمس من الداخل إلى الخارج

يتكون الجزء الداخلي للشمس من اللب، والمنطقة الإشعاعية، ومنطقة الحمل الحراري. فيمتد لب الشمس، وهو الطبقة الداخلية، من منتصفها إلى نحو ربع المسافة إلى السطح، وتتكون تلك الطبقة من البلازما، وهي نوع من أنواع الغازات التي تتأثر بالمجال المغناطيسي. تنشأ الطاقة الشمسية في ذلك اللب الذي يشبه فرنًا كبيرًا؛ إلا أن الشمس لا تستمد طاقتها من حرق الوقود، بل من الانصهار النووي، والذي ينبعث منه كميات كبيرة من الحرارة والطاقة على شكل أشعة جاما ونيوترينات.

يحيط باللب غلاف كروي هائل يُعرف بمنطقة الإشعاع أو المنطقة المشعة، وتقع تلك المنطقة بين لب الشمس عند 20% من نصف قطر الشمس، ومنطقة الحمل الحراري عند 71% من نصف قطر الشمس. ويرجع اسم تلك المنطقة إلى انتقال الطاقة خلالها عن طريق الإشعاع الكهرومغناطيسي، وذلك في هيئة فوتونات. ولأن الفوتونات المنبعثة من اللب تتناثر في تلك المنطقة، فقد يستغرق مرورها ملايين الأعوام.

أما منطقة الحمل الحراري، فتمتد إلى سطح الشمس، وبذلك تشكل 66% من حجمها؛ في حين أنها لا تشكل أكثر من 2% من كتلتها. وتحتوي تلك المنطقة على خلايا حمل حراري تغلي نحو السطح؛ حيث تقوم الفوتونات المنبعثة من المنطقة المشعة بتسخينها.

الغلاف الجوي الشمسي

لا يمكن رؤية إلا الطبقات الخارجية للشمس فقط، والتي يشار إليها مجموعة باسم الغلاف الجوي الشمسي، ويتكون من ثلاث مناطق مختلفة: الفوتوسفير، والكروموسفير، والهالة.

والواقع أنه لا يوجد «سطح» للشمس، بل هو مجموعة من الغازات التي تصبح أكثر كثافة في اتجاه اللب الشمسي؛ حيث تمثل منطقة الفوتوسفير أقصى عمق مرئي. وهذه المنطقة طبقة مضيئة غير شفافة من الغازات التي تشكل طبقة الشمس المرئية، وهي تقع بين الغازات الداخلية الكثيفة وغازات الكروموسفير الأخف كثافة. وعندما نتحدث عن حجم الشمس، فنحن عادة ما نتحدث عن حجم المنطقة التي تحيط بها منطقة الفوتوسفير.

تشكل الغازات المنبعثة من الفوتوسفير منطقة الكروموسفير، والتي يبلغ سمكها 2500 كم. وتقل كثافة تلك الغازات كلما ابتعدنا عن الفوتوسفير صوب الكروموسفير، إلا أن درجات الحرارة تزداد؛ حيث يتراوح متوسط درجات الحرارة من 4227 إلى 9727 درجة مئوية من أسفل منطقة الكروموسفير إلى أعلاها. وبالطبع، لم يتوقع العلماء ذلك الارتفاع في درجات الحرارة عندما بدأوا في قياسها؛ حيث تنخفض درجات الحرارة كلما ابتعدنا عن اللب الشمسي في جميع المناطق الشمسية الأخرى.

تندمج منطقة الكروموسفير في الهالة، وهي المنطقة الخارجية للغلاف الجوي الشمسي؛ حيث تمتد ملايين الأميال في الفضاء فوق الفوتوسفير. وعادة، لا نستطيع أن نرى الهالة بسبب لمعان الفوتوسفير، ومع ذلك؛ فإنها تضيء بشكل جميل في السماء المظلمة خلال الكسوف الكلي للشمس. وتبلغ كثافة الهالة حوالي 0.0000000001 كثافة الغلاف الجوي الأرضي، وهي حارة جدًّا؛ حيث تصل درجة حرارتها إلى ملايين الدرجات المئوية. وبسبب ذلك الارتفاع في درجات الحرارة، ينبعث الجزء الأكبر من إشعاعات الهالة عند موجات الأشعة فوق البنفسجية والأشعة السينية.

الظواهر الشمسية

توجد عديد من المناطق النشطة ذات الأشكال المتعددة في الشمس؛ مثل: البقع الشمسية، والتوهجات الشمسية، والبروز، ولجميع هذه المناطق مجالات مغناطيسية هائلة. فتبلغ قوة المجال المغناطيسي للشمس العادية ضعف قوة المجال المغناطيسي للكرة الأرضية؛ إلا أنها تتركز بشكل كبير في مناطق صغيرة قد تصل فيها إلى 3.000 ضعف القوة المعتادة. تظهر تلك الانحرافات والالتواءات في المجال المغناطيسي جرَّاء دوران الشمس عند خط الاستواء بصورة أسرع من تلك عند خطوط العرض الأخرى، وكذلك لأن الأجزاء الداخلية من الشمس تدور بشكل أسرع من السطح.

وتنتج عن تلك التشوهات خصائص تتراوح من البقع الشمسية إلى ثورات مذهلة تعرف بالتوهجات، وكذلك انبعاثات كتليّة إكليلية. والتوهجات الشمسية أكثر الثورات عنفًا في النظام الشمسي، في حين تكون الانبعاثات الكتلية الإكليلية أقل عنفًا، إلا أنها تتضمن كميات هائلة من المواد؛ إذ يمكن للانبعاث الواحد أن يطلق ما يقرب من 20 مليار طن من المواد في الفضاء.

ويُعتقد أن النشاط الشمسي قد لعب دورًا هائلًا في تكوين النظام الشمسي وتطويره، كما أنه يؤثر على الكرة الأرضية؛ إذ يتسبب في بعض الظواهر الشمسية، مثل الشفق وأقواس قزح.

Credit: SOHO (ESA & NASA)/Link

البقع الشمسية

البقع الشمسية هي مناطق باردة نسبيًّا في منطقة الفوتوسفير، ولذلك تبدو داكنة؛ حيث تبلغ درجة حرارتها حوالي 3927 درجة مئوية، في حين تصل درجات الحرارة في باقي أجزاء الشمس إلى 5227 درجة مئوية. وإذا تمكنَّا من رؤية البقع الشمسية منعزلة، فقد يبدو لونها أحمر ساطعًا.

ويتراوح عمر البقع الشمسية من عدة ساعات إلى عدة أشهر، وتتكون من جزأين: منطقة داخلية مظلمة تُسمى منطقة «الظل»، تحيط بها منطقة أخرى أقل ظلمة تُسمى منطقة «شبه الظل» أو «الظل الناقص»، كما تتراوح أحجام البقع الشمسية على نطاق واسع؛ حيث تم تقدير قطر بعضها ﺒ 50.000 كم.

التوهجات الشمسية

التوهجات الشمسية تغير مفاجئ، وسريع، وقوي في درجة التوهج (السطوع)؛ إذ تحدث تلك التوهجات عندما تنطلق الطاقة المغناطيسية التي تكونت في الغلاف الجوي الشمسي فجأة. وتحدث التوهجات الشمسية في المناطق النشطة حول البقع الشمسية؛ إذ تخترق المجالات المغناطيسية القوية الفوتوسفير؛ لربط الهالة الشمسية بالجزء الداخلي للشمس. ولا يمكن لأحد أن يرى التوهج الشمسي بمجرد النظر إلى الشمس؛ بل في الواقع، من الصعب أن نراها بسبب الانبعاثات الساطعة من الفوتوسفير.

وتؤثر التوهجات الشمسية على جميع طبقات الغلاف الجوي الشمسي؛ فعندما يتم تسخين الوسط البلازمي إلى عشرات الملايين من الدرجات المئوية، تتسارع الإلكترونات، والبروتونات، والأيونات الثقيلة إلى ما يقرب من سرعة الضوء. فتنتج التوهجات الشمسية الإشعاعات عبر الطيف الكهرومغناطيسي على جميع الأطوال الموجية، من موجات الراديو إلى أشعة الجاما؛ إلا أن معظم الطاقة تذهب إلى خارج نطاق الترددات البصرية، ولذلك فإن معظم التوهجات الشمسية غير مرئية بالعين المجردة، ويجب رصدها باستخدام معدات خاصة.

الرياح الشمسية

الرياح الشمسية هي تيارات من الجسيمات المشحونة التي تنطلق من الغلاف الجوي العلوي للشمس، وتتكون من الإلكترونات والبروتونات التي تتدفق من الشمس إلى النظام الشمسي بسرعة 900 كم/ثانية، وتصل درجة حرارتها إلى مليون درجة مئوية.

وتأتي الرياح الشمسية من هالة الشمس الساخنة؛ حيث تؤدي درجة حرارة الهالة المرتفعة للغاية إلى عجز جاذبية الشمس على التمسك بها. وتحمل الرياح الشمسية المجال المغناطيسي بين الكوكبي، أو المجال المغناطيسي الشمسي، إلى الكواكب وما بعدها. كما أن الرياح الشمسية مسئولة عن تشتيت ذيول المذنبات بعيدًا عن الشمس.

ضوء الشمس

ضوء الشمس هو الطيف الترددي الكامل للإشعاعات الكهرومغناطيسية المنبعثة منها. وتتكون أشعة الشمس من ثلاثة أنواع من الموجات: الضوء المرئي، والأشعة فوق البنفسجية، والأشعة تحت الحمراء. ولكلٍّ من تلك الموجات نطاق مختلف من الأطوال الموجية. وعلى الأرض، يقوم الغلاف الجوي الأرضي بترشيح أشعة الشمس، والتي تستغرق حوالي 8.3 دقيقة للوصول إلى الأرض؛ فيمكن رؤية أشعة الشمس في صورة ضوء النهار عندما تشرق الشمس فوق الأفق.

والضوء المرئي هو إشعاع كهرومغناطيسي يمكن رؤيته بالعين المجردة، وهو المسئول عن حاسة البصر. فيمكن لأعيننا التعرف على أطوال موجية مختلفة من الضوء في صورة ألوان قوس قزح؛ حيث يكون لكل لون طول موجي مختلف. ويقع نطاق الضوء المرئي بين الأشعة تحت الحمراء غير المرئية، والأشعة فوق البنفسجية غير المرئية.

إلا أن كثير من الطاقة المستمدة من الشمس تصل إلى الأرض في هيئة أشعة تحت حمراء، وهي أشعة كهرومغناطيسية ذات أطوال موجية أطول من تلك الخاصة بالضوء المرئي. وقد اكتشف علماء الفلك أن للأشعة تحت الحمراء فوائد، وبالأخص في استكشاف بعض المناطق الكونية التي تحيط بها سُحُب من الغازات والغبار. فبفضل طول موجة الأشعة تحت الحمراء، يمكنها أن تمر من خلال تلك السُحُب؛ لتكشف التفاصيل غير المرئية عن طريق مراقبة أنواع أخرى من الإشعاع.

ومن ناحية أخرى، فإن الأشعة فوق البنفسجية هي أشعة كهرومغناطيسية ذات طول موجي أقصر من تلك الخاصة بالضوء المرئي. وتنقسم الأشعة فوق البنفسجية إلى ثلاث مناطق: الأشعة فوق البنفسجية القريبة، والأشعة فوق البنفسجية البعيدة، والأشعة فوق البنفسجية البعيدة للغاية. وتتميز الثلاث مناطق بمدى حيوية طاقة الأشعة فوق البنفسجية، وكذلك طولها الموجي الذي يرتبط أيضًا بالطاقة.

Source: medium.com

مصير الشمس

في غضون خمسة مليارات سنة، ستصبح الشمس نجمًا أحمر عملاقًا؛ حيث سيبدأ الهيدروجين الموجود في قلب الشمس في النفاد؛ فتتسع طبقات الشمس الخارجية بينما يتقلص اللب حجمًا ويزداد سخونة. ومع تمدد الطبقات الخارجية، سيزداد نصف قطر الشمس وتتحول إلى نجم أحمر عملاق؛ حيث تصبح نجمًا مسنًّا.

وسيصل نصف قطر الشمس الحمراء العملاقة إلى مائة ضعف ما هو عليه الآن؛ فيقترب النجم الأحمر كثيرًا من مدار الأرض، وبالتالي ستنجذب الأرض إلى داخل لب النجم الأحمر العملاق لتتبخر في نهاية الأمر. وعندما ينفد وقود الهيليوم، فسوف يتمدد اللب ويبرد؛ ومن ثم ستتمدد الطبقات العليا مطلقة المواد. وأخيرًا، سوف يبرد اللب؛ فتتحول الشمس إلى قزم أبيض.

في نهاية المطاف، ستبرد الشمس؛ لتصبح قزمًا أسود غير مرئي تقريبًا، وسوف تستغرق تلك العملية بضعة مليارات من السنين. وهكذا، فعلى مدى مليارات الأعوام القادمة، سوف تكون البشرية بأمان؛ من حيث وجود الشمس على الأقل.

المراجع

www.space.com

www.exploratorium.edu

www.infoplease.com

imagine.gsfc.nasa.gov

www.windows2universe.org


هذا المقال نُشر لأول مرة مطبوعًا في نشرة «مركز القبة السماوية العلمي، عدد صيف 2013. 

 


Cover Image by kjpargeter on Freepik

من نحن

«كوكب العلم» مجلة علمية ترفيهية باللغتين العربية والإنجليزية يصدرها مركز القبة السماوية العلمي بمكتبة الإسكندرية وتحررها وحدة الإصدارات بقطاع التواصل الثقافي ...
مواصلة القراءة

اتصل بنا

ص.ب. 138، الشاطبي 21526، الإسكندرية، جمهورية مصر العربية
تليفون: 4839999 (203)+
داخلي: 1737–1781
البريد الإلكتروني: COPU.editors@bibalex.org

شاركنا

© 2024 | مكتبة الإسكندرية