جيل الحظر تعلم إلكترونيًّا وطبق تجارب عن بُعد

شارك

لم تكن تجربة الحظر سهلة أو مألوفة بين الناس؛ فهي التجربة الأولى من نوعها بالنسبة إلى الجيل الحالي. تقبلها البالغون براحة جسدية يشوبها بعض القلق، واستقبلها الشباب على مضض؛ أما الأطفال فرأوها بعين الفضول والتحدي.

التعلُّم عن بُعد

لم يوجد مفر من قرار وقف الدراسة في أغلب دول العالم بسبب شدة تفشي فيروس كورونا المستجد nCoV-2019. فبالرغم من عدم ثبوت شدة خطورته على الأطفال في هذا الوقت، فإن المجازفة بوجود تجمعات داخل المدارس كانت مرفوضة. لذا أصبح البحث عن بدائل التعليم التقليدي والامتحانات التحريرية أمرًا حتميًّا، ولم يكن هناك خيار أفضل من التعلُّم عن بُعد.

وبالرغم من أن مصطلح «التعلُّم عن بُعد» لم يظهر سوى عام 1999، فالمفهوم نفسه طُبق منذ القرن التاسع عشر، عندما كانت بعض الدورات التدريبية والمناهج التعليمية تُرسل عن طريق البريد للطلاب. ولكن في الوقت الحالي، يشير المصطلح حصرًا إلى التعلُّم عبر الإنترنت. وقد بدأ انتشار الأمر بالفعل منذ بدايات القرن الحادي والعشرين عن طريق منصات التعليم المفتوح عبر الإنترنت، والدورات التدريبية سواء المجانية أو المدفوعة أو المدعومة من كبرى الجامعات في أرجاء العالم. ولكن ذلك التوسع كان موجهًا بالدرجة الأولى إلى البالغين، ولم ينل الأطفال الحظ من التعلُّم عن بُعد سوى القدر اليسير.

عندما توقفت الدراسة بالمدارس، وُضعت الأمور في نصاب مختلف. فالاهتمام أصبح منصبًّا بالدرجة الأولى على الطفل الذي يحتاج إلى مزيد من الشرح والتطبيق عن الشاب الجامعي أو الخريج، وصار اليوم الدراسي متزامنًا عبر الإنترنت «أونلاين». وبذلك، بعد أن كان التعلم عن بُعد خيارًا ثانويًّا لبعض البالغين، أصبح أساسيًّا للأطفال الصغار والشباب الجامعيين، مما فتح لهم آفاقًا مختلفة لطرق جديدة للمعرفة والتعلم.

وكذلك لم يقتصر استخدام الإنترنت على تعلُّم المناهج الدراسية فحسب، بل امتد إلى الأنشطة أيضًا. فبعد قرار الحظر الكامل، لم تغلق المدارس فقط أبوابها، بل أغلقت أيضًا المكتبات والنوادي والأماكن الترفيهية، وأصبح الإنترنت سبيل الترفيه الوحيد. وبدلًا من تمضية أوقات طويلة أمام الشاشات للعب الألعاب الإلكترونية أو مشاهدة الفيديوهات الترفيهية، تبنت بعض الجهات فكرة الترفيه عن بُعد بعيدًا عن السبل التقليدية. وكذلك حرص مدربو الألعاب الرياضية على استكمال التدريبات مع الأطفال عن بُعد، ولو على سبيل الإحماء؛ حتى يحافظوا على لياقتهم في فترة الحظر.

Image by Freepik

هل استفاد الأطفال حقًّا من هذه التجربة؟

لا شك أن أوجه الاستفادة من تلك التجربة الفريدة متعددة، فإن كان هذا الجيل «جيل التكنولوجيا» على دراية بكيفية استخدام الإنترنت والأجهزة اللوحية والتعامل مع التطبيقات بسلاسة لافتة للنظر، فذلك التعامل كان مقتصرًا في أوجه محددة؛ سواء كانت للعب أو لمشاهدة مقاطع الفيديو أو لاستخدام وسائل التواصل الاجتماعي، ولكن كم منهم كان على دراية بكيفية استخدام الإنترنت والأجهزة الإلكترونية في أمور مختلفة، مثل البحث عن معلومة ما أو استخدام المنصات التعليمية التفاعلية؟

ولكن بعد تفعيل تجربة التعلُّم عن بُعد، أصبح لأجهزة الكمبيوتر والأجهزة اللوحية استخدامات أخرى عديدة لم يكن الأطفال يدرون عنها شيئًا، ولم يعد الوقت الذي يقضيه الطفل على الإنترنت خاصًّا بالترفيه فحسب، بل علم وتيقن أن تلك الأجهزة والتقنيات قد اختُرعت في الأساس لأسباب بعيدة عن الترفيه والمشاهدة. إنها تلك التجربة التي كشفت للأطفال عن آفاق مختلفة، وعرفتهم إلى تطبيقات وتقنيات مختلفة للتواصل والتعليم معًا.

بعض الإيجابيات

توجد جوانب إيجابية عديدة للتعلُّم عن بُعد، وخاصة للفئات العمرية الصغيرة، ونذكر منها مثلًا:

  1. المرونة في الوقت والإعادة: إذا كان الطفل يعتمد على الفيديوهات أو الدروس المسجلة في استذكار دروسه، فهي ميزة كبيرة بكل تأكيد؛ لأنها تمنحه مرونة في الوقت بإمكان مشاهدة المادة التعليمية في أي وقت، وكذلك إعادتها أكثر من مرة، مما يساعده على تذكر المعلومة بسهولة.
  2. سهولة الاستخدام: من السهل على الطالب أن يستخدم المنصات التعليمية أو التطبيقات الخاصة بالاجتماعات في حالة كان شرح الدرس مباشرًا، أو يشاهد الفيديوهات بكل يسر في حالة كان الدرس مسجلًا. فقد اهتم مصممو هذه التطبيقات والمنصات أن تكون سهلة الاستخدام User-friendly، ليستخدمها الأطفال بسهولة أيضًا.
  3. توفير الوقت والمجهود والمال: لا يمكن إنكار أن وقتًا كثيرًا يُهدَر في فترة الذهاب إلى المدرسة أو العودة منها، وخاصة في المدن الكبرى والمزدحمة، وكذلك المجهود البدني المبذول في عملية الذهاب والعودة؛ بالإضافة إلى المصروفات التي تُنفق في العملية التعليمية بوجه عام، في حين إن التعلُّم عن بعد يوفر الوقت والمجهود بالفعل، ونسبة كبيرة من المصروفات أيضًا.

Image by Freepik

بعض السلبيات

على الرغم من الإيجابيات الكثيرة التي تحدثنا عنها نتيجة هذه التجربة، فإنها لا تخلو من سلبيات لا يمكن تجاهلها. فبينما تنشر منظمات الصحة والجهات المهتمة بالصحة النفسية للأطفال توصيات بمنع الأطفال من استخدام الأجهزة اللوحية والكمبيوتر لفترات طويلة، فرضت عليهم تجربة التعلُّم عن بُعد استخدام هذه الأجهزة لفترات أطول من المفروضة؛ فضلًا عن مدة استخدامهم إياها في الأساس بغرض الترفيه.

وإذا افترضنا أنه يوجد أطفال ليس لديهم بالفعل أجهزة تمكنهم من التعلُّم عن بُعد – ففي بعض المناطق حتى الآن يوجد من يواجهون الفقر الذي لا يمكِّنهم من اقتناء أحد تلك الأجهزة التي أصبحت الوسيلة الوحيدة للتعلُّم – ففي تلك الحالة، لن يتلقوا ما يحتاجون إليه من مادة علمية لمواكبة أقرانهم من الفئة العمرية نفسها.

ذلك، بالإضافة إلى أن دراسات كثيرة أثبتت أن التفاعل المباشر له تأثير أكبر في المراحل العمرية صغيرة السن، خاصة الأطفال الذين قد يعانون ضعف الاستيعاب أو فرط الحركة أو عدم التركيز.

لن يكون هذا الجيل كسابقه بالتأكيد؛ فهو جيل التكنولوجيا، ولن يستخدمها في اللعب والترفيه فحسب، بل في التعليم والتدريب والتمرين والعمل في المستقبل أيضًا. إن الحظر ليس سيئًا مطلقًا، بل له جوانب إيجابية على البالغين والأطفال، لأنه أسهم بقدر ما في تعرُّف الأطفال آفاقًا جديدة لم يعلموا عنها شيئًا من قبل.

المراجع

academia21.com

efrontlearning.com

nytimes.com

theschoolrun.com


هذا المقال نُشر لأول مرة مطبوعًا في مجلة «كوكب العلم»، عدد شتاء/ خريف 2021.

Cover image by Freepik

من نحن

«كوكب العلم» مجلة علمية ترفيهية باللغتين العربية والإنجليزية يصدرها مركز القبة السماوية العلمي بمكتبة الإسكندرية وتحررها وحدة الإصدارات بقطاع التواصل الثقافي ...
مواصلة القراءة

اتصل بنا

ص.ب. 138، الشاطبي 21526، الإسكندرية، جمهورية مصر العربية
تليفون: 4839999 (203)+
داخلي: 1737–1781
البريد الإلكتروني: COPU.editors@bibalex.org

شاركنا

© 2024 | مكتبة الإسكندرية