المقالات

الحياة تحت الثلج لا تأخذ إجازة شتوية!

شارك

تتجمد نحو خمسين مليون بحيرة موسميًّا، وكان من المعتقد أن الحياة تحت سطوحها الجليدية تتوقف في فصل الشتاء. إلا أن الدراسات التي تجرى على البحار المتجمدة أثبتت أنه على عكس الاعتقادات الماضية، فإن الحياة تحت الثلج مزدهرة ونشطة للغاية.

وقد أجريت بعض الدراسات السابقة على حالة البحيرات في الصيف، ولكننا لم نعلم إلا قليل عما يحدث تحت الغطاء الثلجي في فصل الشتاء. من هنا، بدأت ستيفاني هامبتون؛ مديرة مركز البحوث البيئية في جامعة واشنطن، تجميع البيانات الخاصة بحالة البحيرات في الشتاء وتحليلها؛ وذلك من أجل مقارنتها بحالتها في الصيف.

راجع فريق هامبتون البحثي أولًا الأبحاث الموجودة التي تطرقت لما رُصد تحت الغطاء الثلجي وفي الصيف في مائة بحيرة ما بين عامي 1940 و2015. فاختلفت الاستنتاجات من بحيرة إلى أخرى وفقًا لنوع الغطاء الثلجي ولمستوى نفاذ أشعة الشمس من خلالها. وقد وجدوا أن الحياة في البحيرات لا تسبت عندما يغطيها الثلج، ولكنها تبدأ في عملية تكوين الطعام للكائنات الحية لتستهلكه في الصيف. وبالرغم من درجات الحرارة المنخفضة في الشتاء والتي تبطئ حركة الحياة، فإن الطحالب والعوالق الحيوانية موجودة بكثرة؛ إذ تعمل على إنتاج مصادر للغذاء للأسماك وغيرها من الكائنات المائية لما بعد الشتاء.

وفي أثناء دراسة بحيرة بيقال في سيبريا اكتشف العلماء الروسيون نظامًا بيئيًّا متناهي الصغر؛ حيث يمثل أغلب الجليد موطنًا للكائنات الدقيقة، ومن الممكن أن يتنوع هذا النظام البيئي الدقيق باختلاف درجة نقاء الثلج. فيكون نمو الطحالب في الشتاء أكبر منه في الصيف، وخاصة عندما تكون الثلوج نقية، مما يسمح بنفاذ الضوء اللازم للطحالب المهيمنة. وعلى الناحية الأخرى، تؤدي الثلوج الأكثر سماكة إلى حجب الشمس وإيقاف نمو الطحالب. كلُّ هذه الاستنتاجات توضح أهمية فصل الشتاء في خلق بيئة صحية طوال العام.

ولكن كيف سيستجيب النظام البيئي للبحيرات مع ارتفاع درجات الحرارة على الأرض؟ تشكل البحيرات 3٪ فقط من مساحة كوكب الأرض، ولكنها تحتجز كميات من الكربون تفوق ما تحتجزه المحيطات جميعها؛ فهل ستقوم البحيرات بإطلاق كميات أكبر من غازات ثاني أكسيد الكربون والميثان في حين ترتفع درجة حرارتها؟

يمثل الاحترار العالمي تهديدات للنظام البيئي للمسطحات المائية العذبة. فيزيد من الضغط على النظام البيئي للبحيرات الذي يعاني بالفعل من أثر الأنواع المائية الغازية، والتغيرات الضارة في استخدام الأراضي، ومصادر التلوث غير المحددة، والتلوث الكيميائي السام، وتدني حالة المواطن الساحلية، وخسارة الأراضي الرطبة. وتشمل التأثيرات المحتملة للاحترار العالمي قلة مستويات المياه؛ نظرًا لأن الغطاء الثلجي المتناقص سيؤدي إلى زيادة نسبة البخر وكذلك زيادة درجة حرارة المياه.

فعلى سبيل المثال، كبرى البحيرات العظمى في قارة أمريكا الشمالية -بحيرة سوبيريور- أظهرت زيادة في درجة الحرارة وبداية مبكرة للتدرج المائي بمعدل أسبوعين في الثلاثين سنة الأخيرة فقط، وخلال ثلاثين سنة أخرى، ستصبح البحيرة خالية تقريبًا من الثلوج في الشتاء العادي؛ أما مستويات المياه في بحيرة إري، رابعة البحيرات العظمى الخمسة، فأقل من المتوسط بالفعل، ومن الممكن أن تنخفض بمعدل 36.5 إلى 45.7 سم بنهاية القرن الحالي، مما سيغير طبيعة الموطن على سواحلها.

من شأن الاحترار العالمي أن يغير دورة المياه الداخلية في البحيرات العظمى؛ حيث ستؤدي فصول الصيف الأطول إلى مناطق ميتة أكبر ذات مستويات أكسجين منخفضة، وهذا يمثل خطورة للطحالب والعوالق الحيوانية وغيرها من الكائنات الدقيقة. على سبيل المثال، البحيرات العظمى التي تمثل خمس المياه العذبة السطحية على الأرض آخذة في الدفء بمعدل أسرع من محيطات العالم. وسيحفز ذلك نمو طحالب ضارة في البحيرات، مما يؤدي إلى نمو البكتيريا الزرقاء السامة. ومن التأثيرات المحتملة الأخرى تقلص مواطن الأسماك التي تعيش في المياه الباردة، وخلق بيئات مناسبة للكائنات المائية الغازية والطحالب الضارة، وتحريك الترسبات الملوثة والمغذيات والكيمياويات السامة من المناطق الحضارية والزراعية.

يعلم العلماء أيضًا أن درجات حرارة المياه العذبة ترتفع نتيجة انتقال الأنواع المائية التي تعيش في المياه الدافئة إلى مناطق كانت شديدة البرودة قبل ذلك، في حين تنتقل الأنواع التي تعيش في المياه الباردة إلى مياه أخرى، وهكذا. وتجرى الدراسات حاليًّا في محاولة لصدِّ التغيرات المناخية السريعة في البحيرات حول العالم نتيجة لتأثيرات الاحترار العالمي، ولكنها ستأخذ وقتًا طويلًا لمحاولة التحكم في كلِّ العوامل المرتبطة بهذه التغيرات السريعة.

إن تأثيرات ذوبان الثلوج خطيرة جدًّا على المصادر التي تعتمد عليها حياة البشر والحيوانات حول هذه البحيرات؛ حيث قد يضطرون إلى هجر مواطنهم الطبيعية.

المراجع

itechpost.com

livescience.com

nwf.org


هذا المقال نُشر لأول مرة مطبوعًا في مجلة «كوكب العلم»، عدد علوم الأرض (ربيع 2017).

Cover image by wirestock on Freepik

من نحن

«كوكب العلم» مجلة علمية ترفيهية باللغتين العربية والإنجليزية يصدرها مركز القبة السماوية العلمي بمكتبة الإسكندرية وتحررها وحدة الإصدارات بقطاع التواصل الثقافي ...
مواصلة القراءة

اتصل بنا

ص.ب. 138، الشاطبي 21526، الإسكندرية، جمهورية مصر العربية
تليفون: 4839999 (203)+
داخلي: 1737–1781
البريد الإلكتروني: COPU.editors@bibalex.org

شاركنا

© 2024 | مكتبة الإسكندرية