أهلًا بك مجددًا في رحلتنا لاستكشاف أسرار الزمن! عرضنا في «الجزء الأول» من هذا الموضوع آلية نظام المناطق الزمنية الحالي وخط التاريخ الدولي؛ ومع ذلك، ما زال السؤال الذي طرحناه في البداية قائمًا، وهو: ماذا لو اختفت فروق التوقيت العالمية، واعتمدنا ببساطة توقيت عالمي موحَّد؟ قد تبدو الفكرة جذابة، خاصةً عندما نجد أن من حق كل دولة أو منطقة اختيار النطاق الزمني الخاص بها، وما إذا كانت ترغب في اتباع التوقيت الصيفي، على سبيل المثال. نتناول في هذا المقال تلك المفاهيم المثيرة بالتفصيل، كاشفين عن مزاياها المحتملة وما قد تحمله لنا من تحديات.
التوقيت الصيفي
تُغيِّر عدة دول توقيتها الرسمي بتقديم ساعتها أو تأخيرها بمقدار ساعة واحدة خلال العام، لتطبيق التوقيت الصيفي. قد تظن أن هذا نوع من «التحايل»، ولكنه في الواقع تقليد عالمي شائع له مزايا عديدة. يساعد تقديم الوقت في خلال أشهر الصيف على توفير الطاقة؛ وذلك نتيجة تقليل أوقات الاعتماد على الإضاءة الاصطناعية في ظل امتداد ساعات النهار، ومن ثم ينخفض استهلاك الكهرباء. وعلاوة على ذلك، يوفر التوقيت الصيفي ضوء نهار إضافي في ساعات المساء؛ مما يتيح وقتًا أطول لممارسة الأنشطة الخارجية والترفيه.
ومن الجدير بالذكر أن التوقيت الصيفي لا يُطبق بطريقة معيارية عالميًّا، إذ تتباين تواريخ العمل به من دولة إلى أخرى. فعلى سبيل المثال، تطبق مصر حاليًّا التوقيت الصيفي في الفترة من يوم الجمعة الأخيرة من شهر إبريل إلى نهاية يوم الخميس الأخير من شهر أكتوبر من كل عام ميلادي؛ وذلك لمنع أي مشكلات محتملة تتعلق بالوقت أو تعطيل سير العمل الحكومي في خلال أيام العمل المعتادة. فتكون الساعة القانونية في جمهورية مصر العربية بحسب التوقيت المتبع مقدمة بمقدار ستين دقيقة، وفق قانون تقرير نظام التوقيت الصيفي.
التوقيت الصيفي حول العالم. Source: britannica.com
إن العبث بساعاتنا المنزلية –ناهيك بساعاتنا البيولوجية– قد يكون مزعجًا، خاصةً عندما نفقد ساعة نوم في فصل الربيع، ولكن أمسيات الصيف الممتدة غالبًا ما تكون مجدية. والعكس صحيح، تستيقظ في الخريف وقد نلت قسطًا أوفر من الراحة بفضل ساعة النوم الإضافية. وفي حين أن هذا التغيير قد يصيب بعض الناس بالضيق لمدة يوم أو يومين في السنة، تخيل لو أن هذا الشعور يلازمك يوميًّا ولساعات أطول!
توقيت موحَّد
إن اختبار الاستيقاظ في الساعة السابعة صباحًا مع استمرار الظلام الحالك لمدة ثلاث أو أربع ساعات إضافية ليست مجرد فكرة متخيلة، بل واقع يعيشه سكان البلدان التي تبنت توقيتًا موحَّدًا عبر حدودها؛ ومن أشهر أمثلتها الصين والهند. دعونا نستكشف عن كثب تصوُّر عالمي مشابه؛ تخيل عالمًا مثاليًّا يتبع توقيتًا موحدًا، ربما حسب توقيت القاهرة. تخيل الآن شخصًا يعيش في الجانب الآخر من كوكبنا؛ ففي حين تشير ساعتنا العالمية الموحدة إلى السابعة مساءً، قد يشهد موقعه بداية شروق الشمس، أو في حين تشير ساعتنا في منتصف النهار إلى تمام الساعة الثانية عشرة ظهرًا، يُخيِّم الظلام الدامس هناك على موقعه. يبدو الأمر مزعجًا، أليس كذلك؟
وهذا المثال السريع يوضح أهمية المناطق الزمنية؛ فتطبيق توقيت عالمي موحَّد قد يفصلنا تمامًا عن الإيقاع الطبيعي للأرض المتعلق بتعاقب الليل والنهار. قد تعتقد أن الإنسان بإمكانه أن يألف هذا الوضع مع مرور الوقت، ولكن للعلم رأي مغاير تمامًا بشأن أهمية ارتباط الإنسان بالعالم الطبيعي؛ فتطبيق وقت عالمي موحَّد قد يؤدي إلى:
- خلل في ساعتنا البيولوجية: جميع الكائنات الحية، بما فيها البشر، يتمتعون بساعة إيقاع يومي داخلية تتحكم في تنظيم وظائف الجسم، وتتزامن إلى حد هائل مع دورة الليل والنهار. فالمسافرون، على سبيل المثال، يعانون «اضطرابَ الرحلات الجوية الطويلة» عندما يعبرون سريعًا مناطق زمنية متعددة؛ لأن أجسامهم تكافح للتكيف مع دورة الضوء والظلام الجديدة. وتطبيق توقيت عالمي موحَّد سوف يصيب جزءًا هائلًا من سكان العالم بهذا الاضطراب، ولكن بصورة دائمة ودون حتى الانتقال من مواقعهم. فعندما تشير الساعة إلى وقت النوم، بينما لا يزال النهار مشرقًا، تتعارض معها إشارات الجسم الطبيعية القائمة على ساعته البيولوجية. وقد استنتجت دراسة أُجريت في الهند أن العمل بتوقيت موحد يمكن أن يتسبب في نقص النوم عند الأطفال والبالغين، ويؤثر في الصحة العامة والرفاهية.
- التخبط الزمني الاجتماعي: قد يبدو توحيد التوقيت عالميًّا أيسر الطرق عند تحديد المواعيد، إلا أنه سيصبح مرهقًا للغاية عند تحديد أوقات العمل وبدء اليوم الدراسي، وتنظيم الوقت الاجتماعي عامة. فعندما نمر بوقت الظهيرة في موقعنا الحالي، ندرك أن شخصًا ما على بُعد آلاف الأميال يمر في الوقت نفسه بمرحلة مختلفة تمامًا من ظلام الليل. ومن ثم سوف تتحول عملية تنسيق المواعيد إلى حالة من الفوضى، مسببةً ما أطلق عليه علماء الأحياء الزمنية –علماء يدرسون الإيقاعات الحيوية والتغيرات الدورية في الوظائف الفسيولوجية والسلوكية للكائنات الحية– اسم «اضطراب الرحلات الجوية الطويلة الاجتماعي»؛ ويعني وجود تضارب ما بين الإيقاعات الحيوية والاجتماعية. ويمكن أن تكون لتلك «المزامنة الجبريَّة» آثار ضارة في الصحة والإنتاجية الاقتصادية.
- فقدان قيمة المفاهيم الأساسية: إن مواقع الشمس في السماء مؤشر لتحديد الوقت في ساعاتنا؛ ولذلك يختلف التوقيت من منطقة إلى أخرى. وكذلك علاقة الأرض بالشمس تحدد مفاهيم المواقيت الأساسية استنادًا إلى موقع الشمس؛ ومنها مثلًا أوقات «الصباح» و«بعد الظهيرة» و«الليل»، ومن ثم سوف تفقد تلك المفاهيم معانيها الجوهرية وتصبح تسميات جزافية. ويمكن أن يُغيِّر الوقت العالمي الموحَّد أيضًا تصورنا للساعات والأيام والسنوات جذريًّا، إذ إنها لن تتوافق حينها باستمرار مع الدورة الشمسية في موقعنا الحالي. فالعلاقة بين الوقت وموقع الشمس والموقع الجغرافي، عوامل أساسية في مجالات مثل علم الفلك والملاحة، والأرصاد الجوية، وعلم المناخ.
قبل تطبيق المناطق الزمنية، أي قبل وقت طويل من تقدم وسائل النقل المختلفة والسفر لمسافات طويلة، كان لكل مكان توقيته المحلي الخاص به بناءً على موقع الشمس في سمائه. وعلى الرغم من أن فكرة اعتماد توقيت عالمي موحَّد قد تبدو بسيطة، إلا أنها سوف تطرح تعقيدات أخرى. والمناطق الزمنية، رغم تنوعها، فقد نظمت حياتنا فيما يتعلق بالاتصالات والأعمال والسفر، كما سهَّلت أنشطتنا اليومية مع احترام إيقاعاتنا الحيوية والحفاظ على ارتباطنا بالطبيعة من حولنا.
المراجع
bbc.co.uk
earthobservatory.nasa.gov
learningresources.com
livescience.com
momatos.in
oceanservice.noaa.gov
pacioos.hawaii.edu
sciencemuseum.org.uk
timeanddate.com (1)
timeanddate.com (2)
Cover image by Freepik