«أغمض عينيَّ، فيموت العالم،
أفتح جفنيَّ، فيُولد العالم من جديد.» – سيلفيا بلاث، شاعرة أمريكية
ليس «الاكتئاب» بكلمة بسيطة، ورغم ذلك يشيع استخدامها متى شعر الناس بأي تعكرٍ في المزاج. ولكن في واقع الأمر، يلزم إجراء تشخيص طبي احترافي لقول إن شخص ما مصاب بالاكتئاب ووصف الأدوية المناسبة له، والمعروفة بمضادات الاكتئاب. فما هي مضادات الاكتئاب، وكيف تعمل؟
الاكتئاب اضطراب نفسي خطير يؤثر في شعور الأشخاص وتصرفاتهم وإدراكهم للعالم من حولهم. وقد تختلف أعراضه ودرجة شدتها من شخصٍ إلى آخر وفقًا لعوامل عديدة؛ ولكنها بالطبع تتعدى مجرد الشعور بالحزن بأي حالٍ من الأحوال. تشمل الأعراض الشعور بالضياع، وفقدان الاهتمام بالأنشطة التي كان الشخص يستمتع بها سابقًا، وتغيرات ملحوظة في الشهية ترتبط بزيادة الوزن أو خسارته، وتغيرات ملحوظة في الساعة البيولوجية ترتبط بالنوم لفترات أطول أو أقل كثيرًا. قد تظهر هذه الأعراض عند تعرض مريض الاكتئاب لتغيرات في المواد الكيميائية في الدماغ، وتحديدًا الناقلات العصبية: السيروتونين والدوبامين والنورإبينفرين.
لا بد أن يخضع المريض لتقييم تشخيصي شامل حتى يتمكن الأطباء من تشخيص الاكتئاب ووضع خطة علاج تتضمن مضادات الاكتئاب. ورغم أن العلاجات مفيدة حقًّا، فإنها بطيئة المفعول وقد لا تؤتي ثمارها قبل وقت طويل نسبيًّا. والسبب هو أن مضادات الاكتئاب لا تعالج أسباب المرض مباشرةً.
تعمل مضادات الاكتئاب عن طريق زيادة الناقلات العصبية، مثل السيروتونين والدوبامين والنورأدرينالين، لتحسين المزاج. غير أن زيادة الناقلات العصبية في الدماغ قد يحدث خللًا في إشارات الدماغ، وهذا يفسر لماذا يظهر مفعول بعض مضادات الاكتئاب على المدى الطويل.
توجد أربعة أنواع من مضادات الاكتئاب. النوع الأكثر شيوعًا هو مثبطات إعادة امتصاص السيروتونين الانتقائية، وهي تعمل عن طريق منع امتصاص السيروتونين في المخ، وبالتالي يصبح متاحًا بشكل أكبر. فيعني وجود كمية أكبر من السيروتونين في المخ تنظيم أفضل للمِزاج، غير أن الأمر أعقد كثيرًا مما يبدو. ولكن تكمن مشكلة التلاعب بمواد الدماغ الكيميائية مثل السيروتونين في أنها تتخطى الهدف المرغوب منها.
يفيد عديد من المرضى بالشعور بتحسن مبدئي وارتفاع في المعنويات، بينما يعاني آخرون مجموعةً متنوعة من الأعراض الجانبية التي غالبًا ما يُستهان بها ولا يبلغهم بها أحد. وتشمل هذه الأعراض الجانبية الإرهاق والأرق وزيادة الوزن. كذلك يفيد بعض المرضى بأن مشاعرهم صارت متلبدة، سواءً الإيجابية أو السلبية. فتنطفئ المشاعر التي تجعلنا بشرًا وتربطنا بالعالم وبالطبيعة، تاركةً أصحابها في حالة من الاكتئاب والجمود العاطفي، ليزداد الأمر سوءًا.
والمثير للقلق أكثر هو أن بعض المرضى يعانون أعراضًا انسحابية عند التوقف عن استخدام مضادات الاكتئاب. فيشعرون بالدوار وتشوُّش الذهن ويشهدون تقلباتٍ مزاجية، وأعراض أخرى. وتطرح تلك الآثار الجانبية تساؤلات حول التأثير العصبي طويل المدى لهذه الأدوية في الدماغ، فهي قد تؤدي إلى اختلالٍ في التوازن الهرموني.
وحيث أن مضادات الاكتئاب أشد تعقيدًا من أن تكون علاجًا مباشرًا، يبرز سؤال جوهري: هل تُعالج هذه الأدوية المرض فعلًا، أم أنها تكتفي بإخفاء أعراضه فحسب؟ نأمل أن تقودنا الأبحاث المستقبلية إلى نهج أكثر شمولاً في التعامل مع الصحة النفسية، نهجٍ يعالج الأسباب الجذرية وليس الأعراض السطحية فحسب.
المراجع
cambridge.org
my.clevelandclinic.org
nhsinform.scot
pmc.ncbi.nlm.nih.gov
psychiatry.org
Cover image by Freepik