تزعم بعض الأساطير أن اكتمال القمر يُظهر أسوأ ما في البشر؛ حيث يتصرفون بغرابة خلال تلك الفترة، وقد صورت عديد من الكتب والأفلام سلوكيات غريبة وأحيانًا غير طبيعية. ترسخ الاعتقاد في «تأثير القمر المكتمل» –أو «تأثير ترانسلفانيا» كما يطلق عليه أحيانًا– في أوروبا خلال العصور الوسطى، عندما ذاع أن البشر قد يتحولون إلى ذئاب ضارية أو مصاصي دماء خلال فترة اكتمال القمر، ولكن، هل للقمر تأثير على البشر حقًّا؟
حاولت بعض الدراسات اكتشاف حقيقة العلاقة بين القمر والسلوك البشري، خاصةً خلال فترة اكتماله. فاقترح الفيلسوف اليوناني أرسطو والمؤرخ الروماني بليني الأكبر أن المخ هو العضو «الأكثر رطوبة» في الجسم، ومن ثم فهو أكثر عضو عرضة لتأثير القمر المسئول عن ظاهرة المد والجزر.
تبع تفكير أرسطو وبليني الأكبر بعض المؤلفين المعاصرين؛ مثل الطبيب النفسي بمدينة ميامي الأمريكية أرنولد ليبر، والذي زعم أن التأثير المفترض للقمر المكتمل على السلوك ينبثق من تأثير القمر على المياه. فالواقع أن 80% من جسم الإنسان عبارة عن مياه، ومن ثم ربما يؤثر القمر سلبيًّا على ترتيب جزيئات المياه في الجهاز العصبي.
إلا أن وجود ثلاثة أسباب وراء عدم صحة هذا التفسير. أولاً: تأثيرات جاذبية القمر أضعف من أن تؤثر تأثيرًا ملموسًا على نشاط المخ. ثانيًا: تؤثر قوة جاذبية القمر على مساحات المياه المفتوحة فقط –مثل المحيطات والأنهار– وليس على الأجسام التي تحتوي على المياه مثل مخ الإنسان. وأخيرًا، فإن تأثير جاذبية القمر يكون في أول الشهر القمري –عندما يكون القمر محاقًا غير مرئي لنا– مثله مثلما يكون خلال فترة اكتمال القمر.
وقد توصَّل فريق من الباحثين من جامعة جنوب فلوريدا إلى ما يظنونها إجابة شافية للتساؤل حول ما إذا كان القمر المكتمل يتسبب في نوبات الصرع. فراجع الفريق 770 حالة صرع خلال ثلاث سنوات حدثت في وحدة رصد الصرع بمستشفى تامبا العام. وكان هدف الفريق تحديد ما إذا كانت حالات الصرع تزداد خلال فترات القمر المكتمل. فأوضحت الدراسة –نُشرت بالدورية العلمية «الصرع والسلوك» Epilepsy and Behavior– حدوث حالات صرع قليلة خلال فترة اكتمال القمر؛ الأمر الذي أدى إلى استنتاج العلماء أنه لا توجد علاقة بين القمر المكتمل وحالات الصرع المتزايدة.
وتدعم دراسة جديدة نُشرت بدورية «الأحياء الحديثة» Current Biology ما تناولته الأبحاث العلمية الأحدث لسنوات، والتي تزعم أن الجسم البشري يستجيب للتغيرات الجيوفيزيائية لدورات القمر نتيجة لوجود ساعة شبه قمرية داخلية. وللوصول إلى هذا الاستنتاج، درس الباحثون من جامعة باسيل بسويسرا أنماط النوم لدى 33 متطوعًا تم تقسيمهم إلى مجموعتين عمريتين مختلفتين. وكان جميع المشتركين ينامون بمعمل مصمم خصيصًا للنوم؛ حيث قام العلماء أثناء نومهم بتحليل أنماط أمخاخهم، وحركات أعينهم، ومستويات إفراز الهرمونات خلال المراحل المختلفة من الدورة القمرية العادية.
في النهاية، لاحظ فريق البحث أن نوم المشاركين كان غير مريح خلال دورات القمر المكتمل، حتى وإن لم يكن القمر على مرأى منهم. ففي المتوسط، استغرق المشتركون حوالي خمس دقائق أكثر للخلود إلى النوم وقت اكتمال القمر، كما أن نفس المشاركين ناموا عشرين دقيقة أقل في أية ليلة كان القمر خلالها أكثر اكتمالاً مقارنةً بالليالي الأخرى.
«يبدو أن دورة القمر تؤثر على نوم الإنسان، حتى إذا لم يرَ الشخص القمر أو حتى يعلم طوره الحالي... هذا هو أول دليل موثوق به يؤكد أن الإيقاع القمري يمكن أن يغيِّر من طبيعة النوم لدى البشر عند قياسه في ظروف محكمة للغاية في معمل لدراسة الساعة البيولوجية بدون إشارة للوقت» وذلك نقلاً عن كريستيان كاجوشين من مستشفى جامعة باسيل للطب النفسي، والذي ترأس هذه الدراسة.
وأضاف كاجوشين حسبما جاء بجريدة النيويورك تايمز حول الاكتشاف «التفسير الوحيد الذي توصلنا إليه وجود ساعة قمرية داخل المخ، مثلما توجد في كائنات أخرى؛ مثل السمك والحيوانات البحرية الأخرى، ولكننا لا نملك دليلاً مباشرًا على ذلك». فخلال فترة اكتمال القمر، تتغير درجة خمول فترة حركة العين السريعة، وموجة النوم العميق، وكذلك مؤشرات موجات المخ أثناء النوم، ومعدل إفراز الميلاتونين، مما يشير إلى امتلاك البشر بالفعل حساسية قمرية فريدة بدأ العالم المتقدم في استيعابها الآن فقط.
من الصعب تحديد مكان الساعة القمرية، ولكن من المرجح وجودها في منطقة صغيرة بالمخ بالقرب من العصب البصري. وهذه المنطقة مسئولة عن إنتاج الميلاتونين، وبعض الناقلات العصبية، والمواد الكيميائية الأخرى المسئولة عن حفظ الوقت، كلها في إيقاع منتظم مع المحيط الأرضي والكوني. ففيزيائيًّا، قد ينتمي البشر لهذا العالم، إلا أن أمخاخنا –وسلوكياتنا– تنتمي إلى عالمين.
المراجع
www.livescience.com
www.naturalnews.com
health.howstuffworks.com
freakingscience.blogspot.com
هذا المقال نُشر لأول مرة مطبوعًا في مجلة كوكب العلم، عدد صيف 2014.
Cover image: Shutterstock