وفي النظام البيئي البحري، يقيس حريش البحر أو «الحوت وحيد القرن» تغيرات درجات الحرارة في مياه جرينلاند في القطب الشمالي؛ لأنه يستطيع الغوص لأعماق يتعذر على البشر الوصول إليها، وبذلك يستطيع العلماء متابعة الاحترار العالمي. فأرفق علماء المناخ من جامعة واشنطن مقاييس للحرارة، وأجهزة إرسال أقمار صناعية صغيرة في أجسام الحيتان وحيدة القرن؛ فلاحظوا ارتفاعًا في درجة حرارة المياه في خليج بافن في جرينلاند بمعدل 0.9 درجة مئوية عن القياسات السابقة.
Seal. Source: cutewallpaper.org
وعلى غرار حريش البحر، يمكن لأسود البحر والفقمات الغوص لأعماق كبيرة بسهولة، والسباحة لمناطق لم يذهب إليها إلا عدد قليل من البشر مسبقًا. فقام الباحثون من جامعة سانتا كروز بكاليفورنيا بتزويدها بمعدات خاصة لقياس درجة ملوحة المياه ودرجة حرارتها وغيرها من الظروف الأخرى، حتى يتمكنوا من تطوير نماذج أفضل لدورة مياه المحيط، وتعقب آثار تغير المناخ.
Rhinos: edition.cnn.com
وفي البرية، يؤدي وحيد القرن دورًا حيويًّا في الحفاظ على مراعي السافانا؛ فأي خلل يصيب تجمعاته يؤثر سلبًا في بنية المراعي وتكوينها. فباختيار نباتات معينة دون غيرها، يزيد وحيد القرن من التنوع الحيوي عن طريق منح أنواع النباتات الأخرى القدرة والمساحة للنمو. وتأوي المراعي عديدًا من الأنواع الحية؛ إما بطريقة مباشرة لكونها مصدر غذائها، وإما بطريقة غير مباشرة عن طريق توفير الفرائس التي تعد مصدر غذاء للمفترسات. فالحفاظ على هذه المراعي أمر ضروري من أجل الحفاظ على النظام البيئي، والسبيل الوحيد للحفاظ عليها هو الحفاظ على وحيد القرن.
من ناحية أخرى، للفيل الإفريقي دور حيوي خلال مواسم الجفاف؛ فله قدرة على تحديد مواقع المياه على بعد أكثر من 19 كيلو مترًا، ثم يستخدم أنيابه للتنقيب عنها. هذا العمل لا يساعدها فقط على البقاء، بل يوفر المياه للحيوانات الأخرى التي تشارك الأفيال في هذه البيئات القاسية. كذلك تستخدم الأفيال أنيابها للتنقيب عن معادن الأرض؛ فتمد الحيوانات الأخرى بالمعادن المهمة التي يفتقر إلى نظامها الغذائي. وبخلاف ذلك، يمتلئ روث الأفيال ببذور مهضومة عديدة تترسب على الأرض بسمادها الخاص المميز الذي ينمو إلى أعشاب وشجيرات وأشجار.
Ants. Source: dailymail.co.uk
النمل أكثر الحشرات توافرًا على كوكب الأرض. ووجوده في الطبيعة أمر ضروري لمصلحة المواطن التي يعيش فيها. فيعمل النمل كمحللات عن طريق التغذية على الفضلات العضوية أو الحشرات أو الحيوانات النافقة الأخرى. يعمل أيضًا على تهوية التربة وإعادة تدوير المغذيات عن طريق حفر الأنفاق؛ فيقوم بحرث التربة وتحريك الحصى والجسيمات إلى الأعلى. بل يساعد أيضًا على تقليل استخدام الأسمدة الكيميائية والحاجة إلى الري. وقد استنتجت دراسة أجريت عام 2011 أنه في الأجواء الجافة يساهم النمل والنمل الأبيض في زيادة محصول القمح بنسبة 36%.
فينقل النمل الحاصد للبذور البذور إلى أعشاشها الغنية بالمغذيات؛ حيث تنمو النباتات بأمان بعيدًا عن الحيوانات العاشبة. وفي بعض الأحيان، يقطع النمل مسافات بعيدة حاملًا البذور؛ فيمنح النباتات فرصة للانتشار بعيدًا عن التنافس مع النباتات الأخرى من أجل الضوء والمساحة والغذاء والمياه. بعد غرس البذور، تحتاج النباتات إلى التلقيح، وهو انتقال حبوب اللقاح من متك النبات إلى ميسم النبات نفسه أو ميسم نبات آخر من النوع نفسه. فيمكن أن تنتقل حبوب اللقاح عن طريق الرياح، أو الطيور، أو الخفافيش، وبالطبع عن طريق نحل العسل.
قد يبلغ طول نحلة العسل الباحثة عن الطعام نحو 15 مم، لكنها تتميز بخواص استثنائية تمكنها من جمع أكبر قدر من حبوب اللقاح والرحيق من الأزهار. ولا يعد نحل العسل الحشرة الوحيدة التي تساعد في عملية التلقيح؛ فيلقح خفاش الرحيق أكثر من 500 نوع من أنواع النبات، وكثير منها ذو أهمية بيئية. فعندما تمتص الخفافيش رحيق الزهرة، تمتص معه حبوب اللقاح، وتنقلها خلال تنقلها بحثًا عن الطعام.
وللخفافيش أهمية كبيرة في نظامنا البيئي على الرغم من وصمها الدائم كمخلوقات مخيفة. وحقيقة الأمر أنه من بين أكثر من 1200 نوع من أنواع الخفافيش يوجد ثلاثة أنواع فقط ماصة للدماء. تساعد الخفافيش آكلة الحشرات المزارعين على توفير مليارات الدولارات من المحاصيل سنويًّا، كما تقلل الحاجة إلى استخدام المبيدات الكيميائية؛ فتقوم بمكافحة الحشرات الليلية من خلال إبادة ملايين الآفات سنويًّا. وفي مناطق عديدة في العالم، يعد البعوض ناقلًا للأمراض الفتاكة، مثل الملاريا وحمى الضنك؛ ولكن بمقدرة خفاش واحد بني اللون إبادة ألف بعوضة في ساعة واحدة.
وهذه ليست الكائنات الوحيدة الضرورية لاستدامة نظمنا البيئية؛ فللضفادع أيضًا أهمية كبيرة للبشر تفوق مجرد استخدامها في تجارب التشريح. فالضفادع تعمل كمؤشرات حيوية؛ فهي توضح ما إذا كان النظام البيئي صحيًّا أم لا. فجلد الضفادع يتسم بالمسامية والنفاذية، فيمتص المواد الموجودة في البيئة داخل أنسجتها الدهنية. ولأن أن لهذه البرمائيات القدرة على الحياة على اليابس وفي الماء، فبإمكانها أن تشير إلى التلوث في كلا الموطنين. ولأن الضفادع هي أول الحيوانات التي تتأثر بالمخاطر البيولوجية، فهي مفيدة لتنبيه البشر لاتخاذ الإجراءات اللازمة.
وتؤدي الطيور كثيرًا من الأدوار البيئية؛ فعلى سبيل المثال وليس الحصر، تقوم بتحليل الغابات وتكافح الآفات، إلى جانب دورها كمؤشرات حيوية على صحة النظام البيئي، والمساعدة على تلقيح النباتات ونشر البذور. كما تساعد بعض الطيور التي تعيش على الأرض على تهوية التربة وتقليبها باستخدام مخالبها. وعلى الرغم من كون النمل والنمل الأبيض والخفافيش والضفادع الأمهر في الوظائف التي تؤديها، فالطيور تتفوق عليها جميعًا.
وللأسف، فكثير من الأنواع المذكورة معرضة للخطر بسبب المخاطر الطفيلية، وإزالة الغابات، وفقدان المواطن، والتلوث، إلى جانب مشكلات بيئية أخرى. لكن، توجد عديد من الطرق البسيطة التي يمكن للبشر المساعدة من خلالها؛ مثل استخدام المنتجات صديقة البيئة، وإدراك تأثير ما نفعله في البيئة، واتخاذ قرارات يومية صادقة فيما يتعلق بالبيئة، فكلنا معنيون بذلك الأمر.
إن الأرض وأنظمتها البيئية ومخلوقاتها مترابطون بشكل كبير، ومن ثمَّ، فوجود عدة أنواع يعتمد على وجود أنواع أخرى، والإنسان ليس بمستثنى عن ذلك. صدِّق أو لا تصدق، يساعد كثير من الكائنات البشر من خلال أداء أدوارها الطبيعية في البيئة؛ فنستفيد من خدماتها مجانًا. فدعونا لا نرد لها الجميل بقتلها!
المراجع
هذا المقال نُشر لأول مرة مطبوعًا في مجلة كوكب العلم، عدد شتاء 2019.