بينما تجلس آمنًا في غرفة المعيشة في ليلة شتاء عاصفة، مستمتعًا بترف الحياة الحديثة المتطورة، هل فكرت يومًا كم أنت محظوظ؟
تُسقط شيئًا على الأرض، فتقول: إن ذلك بفعل الجاذبية. وترى وميض البرق فتدرك أن هنالك رعدًا سوف يتبعه حتمًا؛ فلم يعد البرق والرعد يخيفانك. فكر في الإنسان البدائي وكيف كانت الطبيعة محيرة ومخيفة بالنسبة له؛ فكر فيما نعتبره في يومنا هذا أمرًا مفروغًا منه.
فالقصة الشهيرة تخبرنا أن تفاحة قد سقطت من شجرة لتصطدم برأس السير إسحق نيوتن؛ وسواء سقطت على رأسه أم لا، فليست تلك هي القضية. ولكن الحقيقة الأكثر أهمية في هذه القصة هي أن نيوتن لم يعتبر سقوط تلك التفاحة أمرًا مفروغًا منه؛ فقد ألهمه سقوط التفاحة التفكير في مسألة سقوط الأشياء إلى الأرض وعدم صعودها إلى أعلى، وهو ما قاده إلى نظرية الجاذبية الشهيرة.
وعلى الرغم من ذلك، فلم يكن نيوتن أول من فكر في الجاذبية. فقد قال أرسطو: إن الأشياء تسقط إلى كوكب الأرض لأنها تميل للسقوط تجاه مركز الكون، وكان يُعتقد حينها أن كوكب الأرض هو مركز الكون. ولكن للأسف، لم تفسر تلك النظرية عدم سقوط الكواكب الأخرى تجاه كوكب الأرض.
من ثمَّ أثبت كوبرنيكس أن نظرية أرسطو خاطئة تمامًا، عندما أكد أن كوكب الأرض ليس هو مركز الكون، وما هو إلا كوكب آخر يدور حول الشمس. ويقول قانون الجاذبية العام لنيوتن: إن كل جسم يجذب جسمًا آخر في الكون بقوة محمولة على الخط الواصل بين المركزين، وشدتها متناسبة طرديًّا مع كتلتيهما، وعكسيًّا مع مربع المسافة بينهما.
فكلُّ شيء في الكون ينجذب إلى غيره؛ وتلك القوة التي تجذب الأشياء بعضها إلى بعض تسمَّى الجاذبية. وتعتمد الجاذبية على كتلة الأشياء والمسافة بينها؛ حيث تُسقط الجاذبية التفاحة من الشجرة إلى الأرض بسبب كتلتها والمسافة الصغيرة بينهما، بينما تحافظ على بقاء القمر في مداره حول كوكب الأرض دون أن يهيم بعيدًا في الفضاء أو يصطدم بالأرض.
والأقمار الصناعية دليل جيد على كيفية استفادة البشرية من نظرية نيوتن. فإذا كان بإمكان العلماء قياس المسافة وتحديد الكتلة المناسبة التي تجعل جسمًا ما يدور حول كوكب الأرض دون أن يسقط أمرًا ممكنًا – مثل القمر – إذًا فبإمكانهم بالتأكيد وضع أقمار صناعية هناك؛ لاستخدامها في الكشف عن التغيرات المناخية، أو في الاتصالات.
لقد كانت الجاذبية سببًا في حيرة الناس فقط؛ أما الرعد والبرق، من ناحية أخرى، فقد كانا سببين في إرهابهم. فمع جهلهم بمثل هذه الظاهرة، لك أن تتخيل كيف كان شعورهم. فكانت بعض الحكايات، أو بالأحرى الأساطير – والتي نجدها في الوقت الحاضر مسلية – هي الطريقة الوحيدة لتفسير حدوث بعض الظواهر. وقد كتبت إديث هاميلتون في كتابها "الأساطير: حكايات خالدة عن الآلهة والأبطال": إن الرعد والبرق يحدثان عندما يقذف زيوس صاعقته (ص. 19). فباختصار، وكما قالت هاميلتون، فإن الأساطير هي العلم في صورته الأولى (ص. 19).
ولكن في وقتنا الحالي، وبطبيعة الحال، لا يترك العلم تلك الظاهرة دون تفسير؛ فالبرق عبارة عن شحنة كهربائية تحدث بسبب سوء الأحوال الجوية. ففي السماء، يحدث الاحتكاك بين قطرات المطر المتجمدة والذي يتسبب في حدوث شحنة كهربائية؛ حيث تتجاذب الشحنات السالبة والموجبة، مما يؤدي إلى شحنة كهربائية تكشف عن نفسها في صورة البرق. وتلك الشحنات الكهربائية تُحدث ضجة كبيرة نُسميها الرعد؛ ولأن الضوء ينتقل أسرع من الصوت، فإن البرق يُرى أولاً ثم يُسمع الرعد.
وقد كان السبب وراء خوف القدماء من البرق هو اعتقادهم بأنه قد يضرب الناس ويقتلهم. والآن، عندما تحدث عاصفة، يُنصح الأفراد بالبقاء في منازلهم، والابتعاد عن الماء، والأشجار، والأجسام المعدنية، وألَّا يتخذوا من أي شيء مرتفع حولهم حماية لهم. بالإضافة إلى ذلك، بإمكان الأفراد في الوقت الحاضر حماية أنفسهم من الرعد؛ عن طريق وضع مضادات الصواعق أعلى منازلهم. ومضادات الصواعق عبارة عن أجسام معدنية تُستخدم إذا ما ضرب البرق الأرض لنقل الكهرباء بأمان منه إلى الأرض.
لم يكن الإنسان البدائي يتمتع بالمعرفة؛ حيث كان يصطدم بالظواهر التي لم يقدر على فهمها أو حماية نفسه منها. فقصة الطبيعة والبشرية هي حقًّا قصة طويلة؛ تلك القصة التي بدأت بالخوف وانتهت بفهم أفضل للطبيعة. وفي المرة القادمة التي تجلس بها في مأمن أثناء عاصفة رعدية، فكر في العلماء الذين لم يعتبروا تلك الظواهر أمرًا مفروغًا منه؛ فاستكشفوا الطبيعة من حولهم؛ بحثًا عن تفسير لها، وكن ممتنًّا للمعرفة التي أنعموا علينا بها.
المراجع
satellites.spacesim.org/english/function/index.html
http://csep10.phys.utk.edu/astr161/lect/history/newtongrav.html
http://www-spof.gsfc.nasa.gov/stargaze/Sgravity.htm
http://curricula2.mit.edu/pivot/book/ph0901.html?acode=0x0200
http://farside.ph.utexas.edu/teaching/301/lectures/node152.html
http://education.nationalgeographic.com/education/encyclopedia/lightning/?ar_a=1
Hamilton, Edith. Mythology: Timeless Tales of Gods and Heroes. Grand Central Publishing, n.d
هذا المقال نُشر لأول مرة مطبوعًا في مجلة كوكب العلم، عدد صيف 2014.
Cover Image by macrovector on Freepik