ليس في العالم مكان أدفأ من حضن الأم؛ فما أن يضع الابن رأسه في حضن أمهِ حتى يشعر بأمان وصحة وطاقة ونشاط. فهل لهذا الشعور تفسير طبي؟
نعم، أثبتت الدراسات أنه عند ملامسة جلد الابن جسد أمه تُفرَز هرمونات؛ أهمها الأوكسيتوسين وهو هرمون يرتبط بالثقة والحب والأمان، وهرمونات السيروتونين والدوبامين وهي مسئولة عن الشعور بالسعادة والراحة. تُحدِث هذه الهرمونات تغيرات كيميائية في جسم الطفل؛ مثل انتظام ضربات القلب واعتدال درجة حرارة الجسم، ولعل أهم هذه التغيرات هي تسكين الآلام بدرجاتها مما يبعث في الابن الشعور بالتحسن والراحة. ويختلف تأثير حضن الأم حسب كل مرحلة عمرية ومتطلباتها.
يبدأ الرضيع باكتشاف العالم من حوله عن طريق اللمس والتواصل الجسدي، مثل الحضن وملامسة الجلد للجلد (Skin to Skin)؛ وهي عملية يتم فيها وضع الرضيع عارٍ على صدر أمه مباشرة، وفوائد هذا عدة منها:
- تطور دماغ الرضيع؛ فتجِدُه يُبدي استجابة دماغية أقوى وفي وقت باكر عن أقرانه.
- نجاح عملية الرضاعة؛ فعند ملامسة جلد الرضيع جسد أمهِ يبدأ ثدي الأم في إدرار اللبن عن طريق انتقاله من الغدد اللبنية إلى القنوات اللبنية ويصبح جاهزًا للرضيع لسحبه.
- تقوية المناعة؛ حيث يؤدي الضغط الخفيف على عظام الصدر أثناء الحضن إلى تحفيز الغدة الزعترية، والتي تقع خلف عظمة القص أعلى الصدر، لتنتج هرمون الثيموسين الذي يعمل على تنظيم وتوازن إنتاج خلايا الدم البيضاء وبناء الجهاز المناعي.
- تهدئة الرضيع وتسكينه عندما يبكي عند مواجهته لأي ألم أو انزعاج؛ فيظهر حضن الأم كطوق نجاة. والتفسير العلمي أنه عندما يتعرض الرضيع لضغط ما يحفز الضغط إفراز هرمونات التوتر وتزيد حدة انفعال الرضيع، إلى أن يأتي حضن الأم ليرفع من مستوى هرمون الأوكسيتوسين الذي يقلل ارتفاع هرمونات التوتر فيهدأ الطفل.
في مرحلة الطفولة، ننتقل من رحلة التعلق والالتصاق والاعتماد على الأم إلى الاعتماد على النفس والرغبة في تزعم وقيادة أي موقف مؤثر؛ فيبعث حضن الأم في هذه المرحلة الثقة والأمان في الطفل لمواجهة الصعوبات. يساعد حضن الأم أيضًا في خلق رابطة عاطفية تُحفز الإبداع والذكاء الاجتماعي وتُظهر تطور مذهل في التحصيل الدراسي لما يسببه من نمو القدرات العقلية.
أما في مرحلة المراهقة، عندما يصبح الطفل أكثر نضجًا ويمر بتغيرات جسدية سريعة وتقلبات عاطفية مربكة، يظهر فيها حضن الأم كدرع أمان داعم وباعث للثقة في نفس المراهق. وتسهم تلك العاطفة والرابطة القوية التي نشأت منذ الولادة في تكوين صداقة بين الأم وابنها مما يعزز الترابط الأسري ويمنح حياة نفسية مستقرة وسعيدة.
في النهاية، وبعدما أدركنا أهمية حضن الأم في تربية الطفل ورسم مستقبله يُنصح أن تحضن الأم طفلها ٢٠ ثانية على الأقل يوميًّا؛ لأن أطفال اليوم الأسوياء هم آباء وأمهات الغد، ولذلك دائما نقول «إذا أردت طفلاً ذكيًّا.. احضنه».
المراجع
www.huggies.com
www.ncbi.nlm.nih.gov
www.deccanherald.com
Image by Freepik