ذاكرة مصر المعاصرة مشروع أسسته مكتبة الإسكندرية لجمع وتوثيق التراث المصري خلال فترة تمتد – كما أوضح الدكتور إسماعيل سراج الدين – من بداية القرن التاسع عشر، مرورًا بعصر محمد علي، وانتهاءً بنهاية حكم الرئيس السادات، حيث تم جمع أكبر كم ممكن من المواد التي تنتمي لتلك الفترة من الكتب والتسجيلات والصور والأوسمة والعملات... إلخ، وتم حفظ هذه المواد وعرضها إلكترونيًّا لتكون متاحةً للشباب، من خلال فريق عمل كبير من الباحثين وأصحاب المادة والمشرفين على رقمنة المواد. كما أصدر المشروع بعض الكتب ورقيًّا.
وقد أشادت الدكتورة لطيفة سالم بتنوع ذاكرة مصر المعاصرة وشموليتها ودقة تنظيمها وعرضها. كما قام مركز توثيق التراث التابع لمكتبة الإسكندرية بإنشاء موقع "مصر الخالدة" لتغطية التاريخ المصري القديم. بينما موقع ذاكرة مصر المعاصرة فيضم مادة هائلة توفرت بسبب تطور التكنولوجيا وظهور مواد كثيرة صوتية وبصرية وصحفية وأبحاث تسمح بتكوين هذا الكيان الكبير من المواد التي توثق تاريخ مصر الحديث.

أما عن العرض الإلكتروني وليس الورقي لهذه المواد، فقد أوضح الدكتور عماد أبو غازي أن ضخامة المواد وطبيعة تكوينها من مصادر مسموعة مثلاً يحتّم عرضها إلكترونيًّا وهو الشكل الأقرب لروح العصر، كما أنه يتيح تعديل المواد والإضافة إليها، والربط بين المسموع والمرئي والمكتوب منها أثناء العرض، ومن المهم أيضًا الالتفات إلى إقبال الشباب على الشكل الإلكتروني؛ وهذا ما رآه الدكتور سراج الدين ممثلاً لفلسفة مكتبة الإسكندرية. وأضافت الدكتورة لطيفة أن الاتجاه للشكل الإلكتروني يتغلب على مخاوف الشباب من ملل التاريخ وصعوبته، ومن هنا فإن تقديم المواد التاريخية من خلال شكل إلكتروني يكسر هذا الملل من خلال ربط مكونات أي عصر معًا؛ حيث الصورة والصوت والإعلانات ومقطع الفيديو الطريف... إلخ.
وأشاد الدكتور أبو غازي بأهمية التفاعل الذي حققته الذاكرة مع الشباب الذين أصبحوا يتعاملون يوميًّا مع هذا الموقع، وهو ما لمسه من خلال تدريسه لطلابه بالجامعة، مؤكدًا على ميزة السهولة في استخدام الموقع وميزة التغذية المرتدة التي تجعل الموقع أحيانًا يعيد ترتيب بعض محتوياته الداخلية لتصبح في المكان الأسهل إتاحةً للباحثين، كما تشجع بنيته الإلكترونية السهلة على البحث فيه وتصفحه، وأشاد الدكتور سراج الدين بفريق العمل الشاب الذي جمع المادة، وأيضًا بفريق الشباب الذين صمّموا بنية الموقع بما ييسر البحث فيه وتصفحه.

ثم انتقلت المناقشة إلى أهمية الدور التاريخي لهذا الموقع الذي يعرض مواد وفيرة تمثل مرحلة ما قبل الثورة، وهي مرحلة تاريخية مهمة ظُلِمت ظلمًا شديدًا بعد الثورة. كما أن الموقع يظهر المراحل التاريخية المختلفة بكافة جوانبها الإيجابية والسلبية بما فيها مرحلة الثورة التي لم تكن وردية تمامًا. كما نوّه الدكتور سراج الدين بجانب مهم لتجربة الذاكرة، هو ما تكشفه للشباب من مفاخر غير معروفة لمصر، فقد كانت وزارة الخارجية المصرية عام 1826 أول وزارة خارجية في المنطقة، ومن أوائل وزارات الخارجية في العالم، كما تقدم الذاكرة مضبطة لأول مجلس نيابي مصري عام 1866، بالإضافة للمواد الخاصة بأول نظام وزاري مصري وأول خط قطار، وغير ذلك من الجوانب التي سبقت بها مصر كثيرًا من دول المنطقة، أو كثيرًا من دول العالم أحيانًا.

أما عن الشخصيات المصرية التي عرّفت بها الذاكرة، والتي تعد قدوة لأي مصري، فمن أهمها طلعت حرب مؤسس بنك مصر والاقتصاد المصري الحديث وعبود باشا وأحمد فرغلي وغيرهم ممن يجب على رجال الأعمال الآن أن يحتذوا بهم. كما استعرض الدكتور سراج الدين بعض الكتب الصادرة عن ذاكرة مصر المعاصرة، وأكد المتحدثون أهمية الإصدارات الورقية الموازية للمحتوى الإلكتروني. وتطرقت المناقشة إلى أهمية النشر الورقي رغم تطور النشر الرقمي الحديث.