الثورة الأمريكية - الجزء الأول

2009 04 24
(45)

 

استعرض الدكتور إسماعيل سراج الدين في هذه الحلقة التجربة الأمريكية في بناء الأمة والدولة والنظام السياسي عبر أبرز محطات هذه التجربة، وهي الثورة الأمريكية وحرب الاستقلال وإنشاء الاتحاد الفيدرالي، ونوه في البداية بأن هذه المحطات ضرورية لفهم الظاهرة الأمريكية العالمية، إلى جانب عدة عناصر أخرى تتمثل في التنازع بين الاتجاهين: الاتجاه الذي طالب بتكوين جمهورية زراعية تعمل على رفع مستوى معيشة المواطنين، والاتجاه الذي نادى بتكوين إمبراطورية عالمية، وذلك تحت مظلة القيم الليبرالية التي تم وضعها كأساس للدولة، وفي ظلها تمت جريمتان تاريخيتان: الأولى هي عبودية السود الذين قام عليهم النشاط الاقتصادي والتي استمرت حتى الحرب الأهلية، والثانية كانت إبادة المستوطنين الأوروبيين للسكان الأصليين المعروفين بالهنود الحمر، ومن خلال تشابك هذه العناصر يمكن فهم التجربة الأمريكية.

ويشرح كتاب "1776" لديفيد ماكلا الظروف العامة في أمريكا التي تمت في ظلها الثورة وفقدان بريطانيا لمستعمراتها هناك، وقد بدأت أحداث الثورة بفرض ضرائب مجحفة من قبل حكومة لندن على المستوطنات الأمريكية، فتمرد المستوطنون عليها وواجههم الجيش البريطاني في بوسطن، واجتمع بعد ذلك ممثلون عن الولايات الأمريكية ليختاروا جورج واشنطن قائدًا للمليشيا ثم قرروا إعلان الاستقلال في 4 يوليو 1776.

وقد أمل الثوار في أن تدعم فرنسا خصم بريطانيا الاستعماري ثورتهم؛ حيث كان لها مستعمرات واسعة في لويزيانا، ولكن هذا لم يحدث في البداية. واستطاعت قوات واشنطن أن تحقق انتصارات كبيرة على البريطانيين في عدة مواقع مثل بوسطن وساراتوجا، رغم قسوة ظروفهم بسبب عدم احتراف الجنود وفقدان نصف الجيش في فالي فورج.
وبعد هذه الانتصارات اقتنعت فرنسا بضرورة مساعدة الثوار، وأرسلت فرقة عسكرية قوامها 5 آلاف مقاتل وأسطولاً بحريًّا، وبعد 6 سنوات من الحرب استطاع تحالف الثوار الأمريكيين وفرنسا هزيمة بريطانيا، واستسلم القائد البريطاني كورن واليس بعد هزيمته في يورك. وتحقق استقلال الولايات الأمريكية فعليًّا.

وفي مرحلة ما بعد الاستقلال، كان هناك اتجاه يدعو لتكوين اتحاد بينها من خلال الإبقاء على الجيش وذلك تخوفًا من عودة بريطانيا مرةً أخرى، وهناك اتجاه رأى الإبقاء على استقلال كل ولاية في إطار رابطة كونفدرالية وهو الاتجاه الذي تحقق إلى حين. وأثبتت التجربة الكونفدرالية عدم قدرتها على تحقيق آمال الولايات المستقلة حديثًا، وعاد اتجاه تحقيق الوحدة الفدرالية، ولعب كل من توماس جيفرسون وجيمس ماديسون الدور الأكبر في الإعداد للوحدة من خلال مراسلاتهما. واجتمع ممثلو الولايات في مؤتمر قاري في مدينة فيلادلفيا في 1787 لبحث الدستور الاتحادي وكانت المشكلة الكبرى بين ولايات الشمال والجنوب هي مشكلة العبيد، بالإضافة إلى مشكلة كيفية التوفيق بين الولايات الكبيرة والولايات الصغيرة، وقد تم حلها عن طريق وضع نظامين لتشكيل الكونجرس: "السلطة التشريعية" بشقيْها: مجلس النواب ومجلس الشيوخ.

وفي مناقشات الدستور كان هناك تنازع بين اتجاه يقوده جيفرسون وماديسون لتكوين جمهورية بسيطة من المزارعين حكومتها محدودة السلطات، واتجاه آخر يقوده ألكسندر هاملتون يسعى إلى تكوين دولة وحكومة قويتين تشكلان إمبراطورية صناعية كبرى، وفي البداية انتصر اتجاه جيفرسون، وعقدت صفقة مع ولايات الجنوب لضمان عدم انسحابها من الاتحاد. وبعد الاتفاق على الدستور طالب هاملتون أن يوافق الممثلون عليه بالإجماع لإقناع الشعب بالموافقة عليه وهو ما كان، وقد نشر هاملتون وماديسون وجون جاي العديد من المقالات اليومية عن الاتحاد الفيدرالي وفلسفته، وجُمعت هذه المقالات فيما بعد تحت عنوان "الأوراق الفيدرالية" والتي أضحت فيما بعد أحد أسس الفكر الجمهوري العالمي. ولضمان حقوق المواطنين أُدخِلت عشرة تعديلات على الدستور دون تغيير نصه عام 1789 لتشكل إعلان حقوق المواطن الأمريكي.

ووفقًا للدستور، أُجرِيت انتخابات رئاسية واختير جورج واشنطن أول رئيس للجمهورية الأمريكية ليصبح ممثلاً للسلطة التنفيذية التي صُنعت على غير مثال الملكية البريطانية أو أي نظام سائد آنذاك، وقد احترم واشنطن وجود ممثلي الشعب في الكونجرس ودورهم وكذلك استقلالية القضاء. ورفض أن يتولى الرئاسة لفترة ثالثة ليصبح هذا عرفًا استمر لما يزيد عن قرن ونصف، ثم أصبح تعديلاً دستوريًّا. وبعد أن خدم واشنطن بلاده محاربًا وسياسيًّا آثر العودة إلى مزرعته القريبة من العاصمة وأعتق عبيده احترامًا للقيم الإنسانية التي يؤمن بها، ولهذه الأسباب عُد واشنطن عن جدارة أبًا للأمة الأمريكية.

وقد ظلت قضية العبودية مثيرة للخلاف بين ولايات الشمال والجنوب، حتى نشبت بسببها الحرب الأهلية 1861 في عهد الرئيس لينكولن الذي قاد ولايات الشمال وانتصر على انفصاليي الجنوب وانتهت الحرب 1865، ليتم بانتصار الشمال الإلغاء الرسمي للعبودية ومنح العبيد حقوق المواطنة الكاملة. ومع ذلك تحولت المشكلة إلى قضية تفرقة عنصرية بين السود والبيض لكون القوة المادية والاقتصادية بيد البيض، وظلت هذه القضية حتى النصف الثاني من القرن العشرين مع حركة الحقوق المدنية التي قادها مارتن لوثر كينج وغيره، وإن ظل لهذه القضية آثار حتى اليوم، حتى مع وجود رئيس أمريكي من أصل إفريقي.

ويعتبر القضاء المستقل والفعال أحد أهم أوجه التجربة الأمريكية، والمحكمة الفيدرالية العُليا مكونة من 9 قضاة، وقد وضع فلسفتها مع تكون الاتحاد جون مارشال، وهي تلعب دورًا هامًّا في تفسير الدستور وتحديد مدى دستورية القوانين التي يصدرها الكونجرس، وهناك قبول واحترام بالغ من السلطتين التشريعية والتنفيذية لقراراتها. وقد تطور النظام الفيدرالي الأمريكي بعد الحرب الأهلية بسبب توسع أمريكا حتى المحيط الهادي واستكمالها إبادة الهنود الحمر، وتحولها إلى دولة صناعية تؤسس لإمبراطورية عالمية سيطرت على القرن العشرين، وتسعى لتسيطر على القرن الحالي.

فريق العمل (داخل المكتبة):

إعداد وتقديم: د/ إسماعيل سراج الدين
فريق الإعداد: د/ خالد عزب، محمد مطش، محمد السيد، أيمن الشربيني
منتج منفذ: مكتبة الإسكندرية
مساعد إنتاج: طارق بلال


فريق العمل (خارج المكتبة):

إشراف عام: سوزان حسن
منتج: أحمد طه
تنسيق عام ومتابعة فنية: يحيى ممتاز
قراءة تعليق: محمد عبد الوهاب
مدير تصوير: محمد شفيق
مشرف إضاءة: محسن جاد
تصوير: سامح صيام، هشام عزت، هاني فاروق، أحمد حسين
كرين: هشام مبارك، محمد عبد الوهاب
مخرج فني: أحمد المناويشي
مهندس ديكور: أيمن فتحي
مهندس مساعد: سيد وجيه، محمد نصر
تم التصوير باستوديوهات مدينة الإنتاج الإعلامي- استوديو403
مهندس الاستوديو: عطا عابد
م.كاميرات: محمد المملوك، يسري الشحات
م.صوت: محمد سليمان، كامل أبو المجد
كمبيوتر إضاءة: محمود فريد، خالد عبد الهادي
مهندس الصوت: ماجد سامي
مونتاج إلكتروني: إيهاب الهترية
تمت أعمال المونتاج في CUBES
مونتاج: محمد فتحي
وحدة تحكم تصوير: طه طه
مدير إنتاج: عادل عبد الحميد
منتج منفذ: حماده حنفي
جرافيكس: AROMA
موسيقى التتر: هشام نزيه
مشرف استوديو: عبد الفتاح خضر
مساعد مخرج أول: أحمد فاروق، أحمد محمود
مخرج تقارير خارجية: ياسر نبيل
إخراج: هاني سمير