تناول النقاش رائدين من رواد النهضة العربية الإسلامية المعاصرة هما رفاعة الطهطاوي في مصر، وخير الدين التونسي في تونس وتركيا. وأوضح الدكتور عبد الغني عماد أن الطهطاوي رائد من رواد النهضة الذين قدموا أوائل المشاريع النهضوية في عصرنا الحديث، وكان له فضل في تعريف أجيال كاملة بالأفكار والروئ الجديدة التي اطلع عليها أثناء وجوده في أوروبا، ولكنه لم ينقل هذه الرؤى بصورة حرفية أو منبهرة بالإنجاز الغربي، بل من خلال رؤية نقدية تتعرف على مواطن القوة في الغرب وأسباب تقدمه وإمكانية الإفادة منه. وقدم هذه الرؤية من خلال أعمال ترجمها عن الغرب، أو مؤلفات طرح فيها مشروعه النهضوي. ورغم أنه بدأ واعظًا لكنه انتهى معلمًا تربويًّا. وأشار الدكتور سراج الدين إلى أن البعثة التعليمية التي التحق بها الطهطاوي إلى باريس، ضمت العديد من الرواد الذين غيّروا وجه مصر بتنفيذ رؤى الإصلاح والنهضة بعد عودتهم، وذلك في إطار من الانفتاح على الآخر ضمن مشروع نهضوي تجسده دولة محمد علي، وكان التعليم في صدارته. وأضاف الأستاذ عبده إبراهيم أن محمد علي كان مهتمًّا بالتعليم قبل هذه البعثة، وسعى لتخريج عدد من الكوادر القادرة على القيام بعبء النهضة ونشر التعليم، وأضاف أنه رغم وجود العديد من الوعاظ في بعثة باريس، استطاع الطهطاوي أن يبز أقرانه ويتحول إلى رائد تنويري. وتساءل الدكتور سراج الدين عن المقصود بالتنوير وقيمه. وأجاب الدكتور عماد أن ما نقله رواد التنوير المسلمون كان القيم الليبرالية المتمحورة حول قيم الحرية والمساواة والمؤسسية والدستورية، بالإضافة إلى المنهجية العقلانية العلمية. وأوضح الأستاذ إبراهيم أن كتاب "تخليص الإبريز في تلخيص باريز" يكشف عن تعرف الطهطاوي التدريجي على هذه القيم خلال وصف رحلته في فرنسا ومشاهداته للدولة والمجتمع هناك.

ورأى الدكتور عماد أن أبرز ما قدمه الطهطاوي كان فكرة "الوطنية" التي مثلث سبقًا فكريًّا في عصره حيث كان الانتماء الكامل لفكرة الأمة في إطار دولة واحدة، وكذلك دفعه لفكرة الاجتهاد الديني الذي يُعلي من قيمة العقل داخل الأزهر. وأضاف الأستاذ إبراهيم أن الطهطاوي يعتبر بحق "أبا الصحافة المصرية" نظرًا للتغييرات الثورية التي أضافها أثناء إدارته لجريدة "الوقائع المصرية"، كما أنه أول من تحدث عن موضوع تعليم البنات والنهوض بالمرأة.

وأفاد الدكتور عماد أن كتاب "مباهج الألباب المصرية في مناهج الآداب العصرية" من أهم ما كتبه الطهطاوي، وكان عبارة عن طرح وافٍ لأفكاره ورؤاه حول النهضة، وأوضح الأستاذ إبراهيم أن هذا الكتاب لا يختلف عن سابقه "تخليص الإبريز" إلا في عدة نقاط أهمها رؤيته للحاكم ودوره؛ حيث بدا أكثر وثوقًا في قدرة الحكام على الإصلاح، وقويت دعوته لإعطائهم سلطات أكبر.

أما خير الدين التونسي وكتابه "أقوم المسالك في معرفة أحوال الممالك"، فيمثل الركن الثاني من ثنائية الإصلاح كما أشار الدكتور سراج الدين، فقد زار باريس، كما فعل الطهطاوي، وتعرف على المنجزات الغربية ونقل تجربته إلى المحيط العربي، وحاول من خلال تجربته في تونس وتركيا أن يؤسس لدولة القانون التي تتجاوز صلاحياتها رغبات الحاكم المطلق إلى ترسيخ المؤسسات. وهو ما أكد عليه الدكتور عماد مشيرًا إلى أن فكرة دولة المؤسسات كانت من أهم ما قدمه الرواد؛ خاصة أن محيطهم كان يفتقد هذه الفكرة. وقد ذكر التونسي في كلمات مباشرة أن قوة الدولة بمؤسساتها وليس بشخص حكامها، وقوة المؤسسات قوة للأمة ونهضتها.

واختتم الدكتور سراج الدين الحلقة بتأكيده أن الطهطاوي والتونسي رائدان حقيقيان للتنوير، وأنهما خير مثال لعقلية النهضة بما قدماه من رؤى وأفكار، وأوضح أن المفكر المصلح ليس بالضرورة من يحقق مشروعه، كما أن مهارات الفكر ليست كمهارات الحكم والسياسة. ونحن بحاجة إلى مثل هؤلاء الرواد في عالمنا الإسلامي المعاصر، لما في كتاباتهم من إحياء للتراث وإذكاء للشعور.