لكل أصدقائنا حول العالم: ثمانية عشر يومًا هزت العالم بأسره

تاريخ النشر

أتقدم لكم بكل الشكر على رسائل التضامن والدعم التي بعثتم بها إلينا خلال الأسبوعين الماضيين. وأحيي شباب مصر الرائع، الذي غير وجه التاريخ من خلال تظاهراته السلمية. فلم تكن القوة الأدبية التي تتجلى من السلم وعدم اللجوء للعنف أبدًا أكثر قدرة على الدفاع عن الحرية والعدالة وإرساء دعائم مستقبل أفضل منها الآن؛ فبقوة تضامنهم ونبل قضيتهم، تحدى هؤلاء الشباب كل التوقعات وحققوا النصر. الآن، دخلت ثورة 25 يناير 2011 التاريخ، في فصل يسطر قصة صراع طويل لإعلاء الكرامة الإنسانية وقيمها.

 

ففي ثمانية عشر يومًا أذهلت العالم بأسره، اتحد الرجال والنساء، والصغار والكبار، والمسلمون والمسيحيون، والأغنياء والفقراء كما لم يتحدوا من قبل. ولم يلجأ الجيش إطلاقًا إلى العنف ضد الملايين من المتظاهرين. اجتمع كل هؤلاء واظهروا المعدن الحقيقي للشعب المصري. وأعادوا إلى أذهاننا ووجدانا معنى عظمة المصريين. وفي غضون هذه الأيام الطويلة من الصراع، الأيام التي هاجمت فيها قوات الأمن المتظاهرين والأيام التي اختفت فيها الشرطة تمامًا من الساحة، لم نشهد أي حادث لحرق الكنائس، بل على العكس رأينا المسيحيون والمسلمون يصلون بالآلاف في ميدان التحرير، يحمون ويحترمون بعضهم البعض. تظاهر مئات الآلاف من الرجال والنساء لأيام طويلة ولم نشهد حادثة تحرش واحدة. واضطلع المتطوعون بمسئولية إحلال الأمن والنظام، واجتمع الجيران من مختلف المناطق وشكلوا لجانًا شعبية لحماية منازلهم وأسرهم من المخربين وقطاع الطرق، الذين هاجموا المنازل ونهبوا الممتلكات العامة. كما اتحد المتطوعون أيضًا في تقديم الخدمات العامة للشعب في تعاون وتناغم لم نشهده من قبل، وتعرفوا على بعضهم البعض كما لم يحدث من قبل. وأصبح الجوار أكثر من مجرد معنى حسي، وإنما أصبح مجتمعًا متلاحمًا مرة أخرى. ودافع المتظاهرون عن المؤسسات الثقافية العريقة، مثل المتحف المصري ومكتبة الإسكندرية، فقد شعر الجميع أنها ملك لهم جميعًا.

 

اليوم يحتفي الشعب بكل فئاته بتنحي الرئيس مبارك وبداية عصر جديد، ولكن الطريق لا يزال طويلاً. فيجب أن تتحول لحظات الفرحة بالانتصار والشعور بالتضامن الذي خلقته ثورة شباب 25 يناير إلى المؤسسات والقوانين التي تضمن لنا تحقيق ديمقراطية حقيقية. فبعد المظاهرات والمعارك والاحتفالات، يجب أن نشرع في هيكلة المؤسسات الجديدة واختيار القادة الجدد وتشريع القوانين التي تضع بحكمة الحدود التي تحقق فعلاً حماية حريات الشعب.

 

ثقتي لا حدود لها في شباب مصر. فنحن نشهد بحق فجر يوم جديد.

 

إسماعيل سراج الدين
مدير مكتبة الإسكندرية
 


شارك