مركز الناصرية يعجز عن استيعاب الآف الأطنان من المخلفات الخطرة

Nesreen.gaber

كتبت-نسرين جابر:

"الإسكندرية" حصيلة تجمع سموم وإشعاعات يوميا في مدفن يعجز عن استيعاب آلاف الأطنان من النفايات المكتظة بالروائح الكريهة والمواد المسرطنة، لتتحملها عروس البحر المتوسط وحدها لأكثر من عشر سنوات، عندما قررت عام 2000م احتضان أول مشروع لمعالجة المخلفات الخطرة غير العضوية وهو "مدفن الناصرية".

بوصولك إلي "مدفن الناصرية" تجده محاطا بسور من الطوب من جميع الاتجاهات بطول 500 متر وعرض 300 متر وبارتفاع 3 أمتار وله بوابتان بعرض 5 م، ويتكون من مبني إداري عبارة عن دور أرضي علي مساحة (250 م2) به 6 مكاتب إدارية ومعمل كيميائي وحجرة ميزان ، ومبني للحملة الميكانيكية والجراج يشمل مكتباً وورشة لحام كاوتش وجراجاً للوادر وسيارتين نقل إحداهما للسوائل والأخري للمخلفات الصلبة.

ويوجد مدفن مبطن بطبقات عازلة يشغل مسطح 14000 م2 بعمق 2 متر، وذلك تمشيا مع ما هو متبع في النظام الأوربي بهذا المجال، فضلا عن بحيرات التبخير وعددها أربع بمساحة 5000 م2 وهي مبطنة بنفس تتابع الطبقات العازلة ومتصلة بالمدفن بواسطة أنابيب.

إضافة إلي محطة غسيل من أجل تنظيف مركبات نقل المخلفات عقب تسليم المخلفات وقبل مغادرة المنشأ، ووحدة المعالجة الكيميائية الفيزيائية، ووحدة تخزين المخلفات غير العضوية، ووحدة تصليد المخلفات، وبئر لرصد المياه الجوفية بعمق 50 متراً، وغرفة توزيع كهرباء ملحقة بغرفة الأمن في الجهة البحرية الغربية ، ومكبس لكبس البراميل الصاج بعد معالجتها ومجرشة لإعادة تدوير البلاستيك، ووحدة معالجة المخلفات المحتوية علي زئبق (لمبات الفلوروسنت).   

وعن اختيار الإسكندرية تحديداً لإنشاء المدفن بها، أرجع د. ضيف سليمان، مدير عام إدارة النفايات الخطرة بالمحافظة، السبب لكونها تضم 40٪ من الصناعة و50٪ من الصناعات البترولية في مصر، فضلا عن صلاحية الموقع من الناحية البيئية حيث تم عمل مسح طبوغرافي للموقع بمعرفة شركة استشارية، وتحليل التربة بمعامل كلية  الهندسة جامعة الإسكندرية، والتي أوضحت أنها ذات نفادية منخفضة للسوائل (10-8 سم/ثانية مما يمثل معياراً إضافيا لسلامة احتواء المدفن للمخلفات.

وأكد سليمان دفن 2128 طنا سنوياً من المخلفات الصناعية الخطرة الصلبة والسائلة والحمئة والعضوية، مشيرا إلي أن المخلفات الطبية الخطرة يتم دفنها في المدافن المخصصة لها في منطقة الحمام للوادر بمحافظة مطروح، بينما تدفن المخلفات الصناعية الخطرة الواردة من جميع الأنشطة الصناعية علي مستوي الجمهورية في مدفن الناصرية.

وأضاف: يوجد تعاقد بين المحافظة وشركة النظافة الفرنسية (فيوليا والمعروفة سابقاً باسم أونكس، لمعالجة المخلفات الطبية الواردة من المستشفيات والوحدات العلاجية عن طريق التعقيم أولا قبل معالجتها بالدفن، لأنها تعد مواد باسيولوجية، كما أن المدفن يستقبل المخلفات الطبية المتمثلة في الأدوية منتهية الصلاحية والعبوات الدوائية الملوثة، وذلك بناء علي موافقة وزارة الدولة لشؤون البيئة، علي أن يتم حرقها بمحرقة المركز بعد معالجتها حراريا في خلية الدفن الموجودة.

وتابع: المدفن يتسع لــ 40 ألف طن من المخلفات الطبية، بالإضافة إلي وحدة »فيزيوكيميائية« لمعالجة المخلفات السائلة الخطرة، ووحدة أخري لمعالجة المخلفات السائلة الشديدة القابلية للذوبان، فضلا عن محرقة لترميد المخلفات التي تحتاج إلي درجات حرارية عالية لمعالجتها قبل الدفن.

وأشار سليمان إلي أن تأثير المدفن علي البيئة ملحوظ حيث يتم تداول المخلفات الخطرة بصورة أفضل، وتحليل المياه الجوفية كل 6 أشهر للتأكد من عدم تلوثها، موضحاً إنشاء المدفن علي أسس علمية واشتراطات بيئية وصحية 100٪ والدليل أن المشروع تعاون مصري فنلندي وحصل علي موافقة من الجهات المسؤولة: جهاز شئون البيئة بالقاهرة، وزارة الدفاع، وزارة الزراعة، جهاز حماية أملاك الدول، منطقة آثار غرب الدلتا، الإدارة العامة للتخطيط العمراني، وزارة الإسكان، كما أن فنلندا لديها ضوابط وأصول متبعة في مثل هذه الأمور.

بينما حذر د. هشام صادق ، الأستاذ بجامعة الإسكندرية، من خطورة المدفن وتأثيره المستقبلي علي المياه الجوفية وإعاقته حركة الامتداد العمراني، مما يلزم نقل المدفن إلي مكان بالصحراء غير المستغلة، قائلا: الزحف السكاني قادم لا محالة إلي غرب الإسكندرية.

وأوضح أن قضية "مدفن الناصرية" أثيرت قديماً أكثر من مرة، وتبين عدم استعداد الدول المتقدمة لدفن المخلفات الخطرة في أراضيها، بينما تتصدي لهذه المهمة الدول الفقيرة والنامية رغم خطورتها.

ويري د. جهاد أحمد عطا أستاذ الصحة المهنية بقصر العيني أن مدفن الناصرية لا يستوعب سوي من حجم المخلفات الصلبة في مصر التي تبلغ 43.8 ألف طن يوميا، منها 10.8 ألف في القاهرة وحدها، و4.6 في الجيزة، و3.8 ألف في الدقهلية، و3.4 ألف في القليوبية، و2.6 في الإسكندرية.

وقال عطا إن سكان مصر ينتجون 20 مليون طن مخلفات صلبة و20 مليون مخلفات زراعية و4 ملايين مخلفات هدم، و130 مليون طن مخلفات طبية، مشيرا إلي أنه ليست هناك أي ضمانة آمنة للتعامل مع هذه المخلفات لما لها من تأثير خطير علي الهواء والماء والتربة والبيئة ونشر المزيد من الأمراض.

ولفت إلي خطورة المخلفات البلاستيكية؛ نظرا لاحتوائها علي معادن ثقيلة شديدة السمية مثل النحاس والرصاص والكروم والكوبلت والكادميوم، وهذه المعادن تسبب الأنيميا، فضلا عن مركبات الدايوكسين التي تسبب السرطان وتؤثر علي الجهاز التناسلي لدي الجنسين، وتتلف جهاز المناعة وتؤثر علي إفراز الحيوانات المنوية وظهور سرطان الخصية والبروستاتا، كما تسبب التهابات في البطانة الداخلية لرحم المرأة ولا يوجد معدل آمن للتلوث به، مما يجعلها تهدد الحياة لأن التعرض ولو لكمية ضئيلة منها يسبب السرطان.

Bibliotheca Alexandrina