الصُّوَب .. طَـوق النَّجَـاة للزراعـة المصرية

nada.elbadawy

كتبت: نــدى البـــدوي - مجلة آخر ساعة

تحدياتٌ كُبرى تواجه خُطط التنمية في مصر في ظل ما تشهده من ارتفاعٍ مستمر لمعدلات الزيادة السُكّانية، بصورةٍ لا تتواكب مع النمو الاقتصادي وحجم الدخل القومي الذي يتراجع. وهي التحديات التي تبدو أكثر حِدّة مع الاعتماد بشكلٍ متزايد على استيراد الغذاء، فحسبما ورد في تقرير منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو) حول انعدام الأمن الغذائي في الشرق الأدنى وشمال إفريقيا، ستؤدي هذه الزيادة السُكّانية في مصر إلى زيادة الطّلب على الغذاء وتقليل مساحة الأراضي الزراعية وكمّية المياة المُتاحة للزراعة، ما يُحتّم ضرورة الاتجاه إلى نمط غير تقليدي في الزراعة، وهو ما يُمكن أن تحقيقه من خلال الزراعة داخل (الصّوَب) أو ما يُعرف بالزراعة المحمية، والتي يُمكن أن تشكل طوق النجاة الحقيقي للإنتاج الزراعي في مصر.

ويُعد نمط الزراعة المحمية أحد الفروع المُتخصصة من أنماط الإنتاج الزراعي، والذي يختلف بشكلٍ كبير عن الزراعات المكشوفة. وتعني الزراعة داخل هياكل مُغطاة تعمل على توفير الظروف الجوية المُلائمة لنمو المحاصيل في غير مواسمها، ويتم من خلالها التحكّم في كافة العوامل البيئية التي تُناسب النمو الخضري والثّمري للنباتات، من حيث درجات الحرارة والرطوبة والإضاءة وغيرها من العوامل. وتمتد ميزات الزراعة داخل الصوّب إلى حماية المحاصيل من الأخطار التي يتعرض لها النبات، وعلى رأسها الآفات الحشرية المُنتشرة في البيئة المُحيطة، والتي يُمكن أن تنال من الزراعات المكشوفة. كما تتنوع أشكال الصوب المعدّة للزراعة المحمية والخامات المستخدمة لتغطيتها، لكنها تنحصر في الصوب الزجاجية والبلاستيكية وصوب الألياف الزجاجية (الفيبر جلاس).

ومع أن مصر كانت من أوائل الدول العربية التي طبّقت نمط الزراعة المحمية منذ أواخر ثمانينيات القرن الماضي، من خلال مشروعات الزراعة المحمية التي نفذتها وزارة الزراعة بالتعاون مع عدد من الهيئات الأجنبية، إلا أن هذه المشروعات تدهورت بشكلٍ كبير في ظل ما تشهده منظومة الزراعة المحمية من أزمات وما تتعرض له من إهمال. وللأسف لم يعد هناك اهتمام جدي بالتوسع في هذا النمط من الزراعة من جانب الدولة، بينما اتخذت هذا الدور -جزئيًا- بعض المزارع التابعة للقطاع الخاص. وللأسف لا يوجد لدينا حصرٌ دقيق بحجم استخدام الصّوب الزراعية في مصر، لكن معظم المساحات المزروعة عالميًا منها تتوزع بالأساس ما بين الولايات المتّحدة الأمريكية واليابان وهولندا وإيطاليا ودول أوروبا الشرقية والاتحاد السوفيتي سابقاً.

ورغم الارتفاع النسبي للتكلفة الإنتاجية للزراعة المحمية إلا أن لها قيمة اقتصادية هائلة، حيث يعتمد هذا النمط بالأساس على نظام التوسع الرأسي في الإنتاج الزراعي، الذي يُتيح الاستغلال الأمثل للموارد الطبيعية والمائية في العملية الزراعية من أجل الوصول إلى أعلى إنتاجية مُمكنة من المحصول، بعكس الزراعات المكشوفة التي تمتد أفقيًا. فالزراعة داخل (الصّوَب) تُعطي أربعة أضعاف إنتاجية الفدان باتباع نُظم الزراعة التقليدية. كما تتيح لنا التوسع في زراعة المحاصيل والنباتات ذات القيمة التصديرية المُرتفعة ما يعطينا ميزات تفضيلية في الأسواق العالمية، مثل زراعة أصناف عدّة من الخضروات والفواكه منها الطماطم والخيال والفلفل بأنواعه والباذنجان الفاصوليا، غير فواكه الفراولة والكانتالوب والعنب وغيرها. فضلاً عن أن هناك أنواع عديدة من النباتات تجود زراعتها داخل الصوب ومنها أصناف مطلوبة عالمياً، مثل الزهور ونباتات الزينة والقطف والنباتات الطبية والعِطرية وفطر عيش الغراب "المشروم".

واللافت في الأمر أيضًا ما تحققه الزراعة المحميّة من وفرٍ في مياة الري، عن طريق استخدام طرق الري الحديثة كالري بالتنقيط، حيث تستهلك تقريباً 65% فقط من كمية المياة المُستخدمة في الزراعة المكشوفة التي تعتمد على نظم مُهدِرة للمياة كالري بالغمر. وهي الأهمية التي تتعاظم في ظل محدودية الموارد المائية في مصر، حيث يُحذّر تقريرٌ صادر عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء من دخول مصر مرحلة الفقر المائي خلال السنوات المُقبلة، فنصيب الفرد من الموارد المائية انخفض حسبما يُشير التقرير بنسبة تقترب من 60% خلال الأربعة عقود الأخيرة، ليصل إلى نحو 663 متر مكعب خلال عام 2013 مُقابل 1672 متر مكعب عام 1970. حيث أنه من المتوقع أن يتراجع متوسط نصيب الفـرد من الموارد المائية إلي 582 مترًا مكعبًا بحلول عام 2025 . وتكمن الخطورة في أن الاستخدامات المائيـة الزراعيـة تستحوذ على نحو 82.6% من إجمالي الاستخدامات الفعلية للموارد المائيــة المتاحة والبالغــة 74.5 مليار متر مكعب، ما يُحتم ضرورة اتباع نظم غير تقليدية في الزراعة والري.

 

Bibliotheca Alexandrina