كتبت:ندى البدوي - مجلة آخر ساعة
مما لا شك فيه أن التخفيف من آثار ظاهرة تغير المناخ التي أصبحت واحدة من أخطر التحديات التي تواجه العالم اليوم، بات ضرورةً حتمية لإنقاذ الأجيال القادمة من آثار هذه الظاهرة، وهذه العملية تعني العمل على الحد من انبعاثات الغازات الدفيئة الناتجة عن مُختلف مجالات النشاط الإنساني. وإذا نظرنا إلى مصر سنجد أن القطاع الزراعي يُعد من أكبر القطاعات التي تُسهم في زيادة الانبعاثات الحرارية، ما يُبرز أهمية تبني سياسة زراعية تُنفّذ على مستوى الجمهورية لخفض الانبعاثات، وفي هذا الصدد يُمكن اتباع مجموعة من الإجراءات، التي تبدأ بإحلال وتغيير نُظم الزراعة والري التقليدية إلى نُظم حديثة. هذه النظم تعتمد على تحسين عملية إدارة التُربة والتعامل معها بشكلٍ سليم، عن طريق استخدامها لتخزين الكربون ما يؤدي إلى خفض انبعاث أكاسيد النيتروز من التُربة، فالتربةُ السليمة تُشكل أكبر مستودع للكربون الأرضي حسبما يُشير تقرير صادر عن منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة "الفاو".
كما أن التوسع في استخدام السماد الآزوتي في مُقابل خفض الكميات المُستخدمة من الأسمدة النيتروجينية، يُعد من الإجراءات المُهمّة التي يُفترض اتباعها، فالأسمدة النيتروجينية تشمل الأسمدة النتراتية واليوريا والأسمدة المخلوطة وهي من مصادر انبعاث الغازات الدفيئة. غير أن الإجراء الأكثر أهمية لخفض الانبعاثات في القطاع الزراعي لدينا، يتمثل في ضرورة إقرار سياسة جديدة للتعامل مع المخلفات الزراعية، تعتمد على الحد من ظاهرة حرق قش الأرز التي يزداد انتشارها بمحافظات الدلتا، والتي تؤدي إلى زيادة الانبعاثات من أكاسيد الكربون وغاز الميثان. فوفقًا لدراسة أعدّها المركز القومي للتخطيط يصل حجم المُخلّفات النباتية في مصر إلى 23 مليون طن سنويًا، ورغم ما تبذله الحكومة ممثلة في وزارة البيئة من جهود في مكافحة هذه ظاهرة حرق قش الأرز، لن نُحرز أيَ تقدم ما لم تتبع الحكومة سياسة مُغايرة لرفع وعي الفلاح المصري بخطورة الظاهرة، وترغيبه في تغيير تعامُله معها عن طريق إنشاء شبكة من المحطات الصغيرة لجمع وكبس قش الأرز، ما يُتيح إمكانية إعادة تدويره وتعظيم الجدوى الاقتصادية من استخدامه كمادة خام تدخُل في العديد من الصناعات مثل صناعة الوَرق.
وفي قطاع الصناعة تتعاظم أهميّة الحد من الانبعاثات الحرارية الناتجة عن استخدام الوقود الأُحفوري كمصدر رئيسي للطاقة، إلا أن هناك العديد من العقبات التي تقف أمام عملية تحسين كفاءة الطاقة وزيادة الاعتماد على مصادر الطاقة النظيفة. وربما شكّلت قلة المعلومات المتاحة عن القطاع الصناعي في مصر إحدى هذه العقبات، وهي المُشكلة الناتجة عن عدم وجود حصر شامل للمنشئات الصناعية وفقًا لما أعلنه اتحاد الصناعات المصرية، فضلاً عن انتشار المصانع العشوائية المُلوّثة للبيئة واختراقها للكتل السُكّانية داخل المُدن. وتزيد التحديات التي يواجهها القطاع الصناعي في ظل الوضع الاقتصادي الحَرِج الذي تعيشهُ مصر وتراكم أزمات التمويل الخاصة بالمصانع. ما أثر بالضرورة على إمكانية تحوُّلها إلى استخدام الطاقة النظيفة ممثلة في الوقود الحيوي وغيره من مصادر الطاقة، لما تتطلبه من تكنولوجيات حديثة مرتفعة التكلفة. غير أن الصناعات كثيفة الاستهلاك للطاقة مثل صناعات الإسمنت والحديد والصلب، يزيد الاعتماد عليها مع زيادة النمو السكاني والحاجة إلى التوسع العمراني، ما يؤدي بدوره إلى زيادة الانبعاثات الحرارية الناتجة عنها.
كما تمثل المُخلّفات المُنتشرة في جميع مُحافظات الجمهورية مصدرًا رئيسيًا للتلوث البيئي وانبعاث غازات الاحتباس الحراري، لخطورة المدافن الصحيّة التي تُستخدم لجمع القمامة دون الأخذ بالاشتراطات الفنية والمواصفات الواجب توافرها بهذه المدافن. فأغلب الأماكن المُخصصة للنفايات عبارة عن ساحات مكشوفة، تؤدي بالطبع لزيادة انبعاث الغازات الناتجة عن تعفّن هذه النفايات أو اشتعالها ذاتيًا. ما يزيد من أهمية تطوير هذه المدافن وإعادة هيكلة منظومة تدوير المُخلفات في مصر، للحد من الآثار البيئية المُترتبة عليها وللاستفادة من عملية التدوير، فوفقًا لتقرير صادر عن وزارة البيئة يصل حجم المخلفات الصلبة في مصر إلى 75 مليون طن سنويًا بواقع 55 ألف طن يوميًا، في حين يصل سعر الطن الواحد إلى 6000 جنيه.
ويبقى التحدي الأكبر الذي يزيد من خطورة الانبعاثات الحرارية، تزايد استهلاك مصر من الوقود الأحفوري كمصدر أساسي لمحطات الطاقة الكهربائية بخاصة مع الزيادة السكانية، وتضاعف احتياجات الأنشطة الاقتصادية لمصادر الطاقة، حيث وصل استهلاكها من الكهرباء لعام 2014 وفق تقرير "مؤشرات استهلاك الطاقة الكهربائية الصادر عن جهاز تنظيم مرفق الكهرباء، إلى ما يزيد عن 75 مليون كيلو وات بنسبة قدرها 53% من إجمالي استهلاك الطاقة الكهربائية الذي وصل إلى 142935 مليون كيلو وات. ويبرز هذا التحدي في الوقت الذي تُحاول فيه الحكومة انتهاج مسارات جديدة للتخطيط لمجال الطاقة، من خلال قيام وزارة الكهرباء بالتعاون مع الهيئة الهندسية للقوات المسلّحة بتنفيذ مشروعات جديدة في مجال الطاقة المتجددة، من خلال محطات الطاقة الشمسية والمائية وطاقة الرياح، وهي المشروعات التي تُشرف عليها اللجنة الوطنية لآلية التنمية النظيفة.