كتبت: ندى البدوي - مجلة آخر ساعة
متغيراتٌ عدّة دفعت بقضية الطاقة لتحتل صدارة أولويات كثير من دول العالم، لتنامي احتياجات الشعوب وتضاعُف معدّلات استهلاكها للطاقة. ما يجعل الاهتمام بترشيد استهلاك الطاقة الكهربائية وتحسين كفاءتها ضرورةً حتمية، لما تُحدثه من أثر إيجابي في النظام البيئي لخفض الانبعاثات الحرارية المؤثرة سلبًا على البيئة، نتيجة خفض استهلاك مصادر الوقود الأحفوري بمحطات توليد الطاقة الكهربائية. عن طريق اتباع مجموعة من الإجراءات أو التقنيات التي تؤدي إلى خفض استهلاك الطاقة بأسلوبٍ أكثرَ كفاءة، بما يحد من إهدارها دون التأثير على سُبُل استهلاكها.
وفي مصر تزيد أهمية ترشيد استهلاك الطاقة الكهربائية، في ظل الأزمة التي يشهدها القِطاع منذُ عِدة سنوات. وتبرز أهمية ذلك بشكلٍ خاص في القطاع الصّناعي، الذي يُعد ثاني أكبر القطاعات المستهلكة للطاقة فى مصر بعد القِطاع المنزلى، حيث يستحوذ وَحدهُ على 43 % من إجمالي الطاقة المُستهلكة في مِصر، كما يستهلك حوالى 33% من إجمالى استهلاك الكهرباء، حسبما تُشير إحصاءات صادرة عن مركز معلومات وزارة الكهرباء والطَاقة. وإذا نظرنا إلى خريطة الصناعات المصرية سنجد أن مصانع الحديد والاسمنت تعتلي عرش الصناعات كثيفة الاستهلاك للطاقة. واستحوذت هذه المصانع حسبما يُشير تقريرٌ صادر عن الشركة القابضة لكهرباء مصر، على نحو 59% من إجمالي استهلاك المصانع للكهرباء خلال عام 2013، حيث بلغ استهلاكها على الجهد الفائق خلال ذلك العام 11.9 مليار كيلو وات/ساعة، من إجمالي استهلاك الصناعة البالغ 19.9 مليار كيلو وات/ساعة.
ومن هنا يتضح لنا أن ترشيد استهلاك الطاقة في القطاع الصناعي يُمثل أمنًا قوميًا، ويُعد كلمة السر لتجاوز أزمة الطاقة وإعادة ضبط المنظومة على المدى الطويل. خاصة إذا عرفنا أن اتباع إجراءات تحسين كفاءة الطاقة بالمصانع، وتحديث نُظُم إدارة الطاقة بها اعتمادًا على الطاقة البديلة والمُتجددة، يُمكن أن يوفر يوفر حوالي 20-25% من الطاقة، التي تُهدر بالمنشآت الصناعية نتيجة اتباع السُبل التكنولوجية القديمة في إدارتها حسبما ورد في تقرير لوزارة البيئة. والغريب أن إعلان الحكومة لخطتها لرفع كفاءة الطاقة في المصانع، لم يقابلها خطوات جدية كافية على أرض الواقع، حيث اتخذت اللجنة العليا للطاقة التابعة لمجلس الوزراء قرارًا، يُلزم المصانع كثيفة الاستهلاك للطاقة باستخدام 50% من احتياجاتها من الكهرباء، من المحطات التى تعتمد على طاقة الرياح والطاقة الشمسية، وهو القرار الذي كان يفترض أن يتم تنفيذه بدءًا من عام 2015 إلا أن ذلك لم يتم.
ورغم وضع الحكومة لسياسات وقوانين جديدة تهدف إلى التحكم في معدل استهلاك الطاقة ورفع كفاءتها، والتي جاء على رأسها قانون الكهرباء الموحد رقم 87 لسنة 2015، الذي يُلزم للمرة الأولى بإجراءات ترشيد استهلاك الطاقة، إلا أن آليات التنفيذ الفعلية ما زالت غير مُحددة. هذا الغموض يُغلف أيضًا عددًا من المشروعات التي تتبناها الدولة في هذا الصدد، ومنها حملة "كفاءة" التي أطلقتها وزارة البيئة العام الماضي ضمن المشروع القومي لترشيد استخدام الطاقة بالقطاع الصناعي، والذي تهدف من خلاله إلى تعويض عجز الطاقة وتوسيع مصادر الطاقة المستخدمة في الصناعة، لتشمل الطاقة الشمسية وطاقة المياة والطاقة النووية حسبما صرّح وزير البيئة الدكتور خالد حنفي. بينما لم يصل بعد هذا المشروع على أرض الواقع إلى المجتمع الصناعي في مصر.
وربما وجدنا في التجربة التي نفذتها وزارة الصناعة والتجارة لترشيد استهلاك الطاقة بالمصانع على نطاقٍ ضيق بادِرةً تدعو للتفاؤل، وهي التجربة التي شارك في تنفيذها عدد من الأجهزة منها مركز تحديث الصناعة والهيئة العامة للمواصفات والجودة، داخل أكثر من 40 شركة صناعية تعمل في مجال الصناعات الغذائية والبتروكيماويات وصناعات الغزل والنسيج ومواد البناء والأدوية، حيث ساهم تطبيق إجراءات الترشيد في خفض معدلات استهلاك الكهرباء بنسبة 15% غير ما حققته من وفرة في الموازنة تصل إلى 30 مليون جنيه سنويا لبعض من تلك الشركات. إلا أن مشكلة مصادر التمويل وما تتطلبه تكنولوجيات نظم رفع كفاءة الطاقة من تكلفة مادية مُرتفعة، نجدها تقف في كثير من الأحيان عقبةً أمام التوسع في المشروعات التي تكفل تحديث هذه النظم بالمصانع، ما يستلزم ضرورة توفير الاعتمادات الما