الفَحــم .. نَكسَةُ البيئة في مصر

nada.elbadawy

كتبت: نـدى البدوي- مجلة آخر ساعة

في الوقت الذي تتفاقم فيه التهديدات التي تُحاصِرُ العالم جرّاء تزايد حِدّة ظاهرة التغيرات المُناخية، ما دَفَع كثير من الدول لتحسين كفاءة نُظم الطاقة لديها والتوسّع في الاعتماد على الطاقة النظيفة والمتجدّدة بغرض خفض الانبعاثات الحرارية. تسيرُ الحكومة بخُطى ثابتة في تنفيذ قرارها بإدخال الفحم الحجري الذي يُعد من أكثر أنواع الوقود الأحفوري تلويثًا للبيئة وإضرارًا بصحة الإنسان ضمن منظومة الطاقة في مصر. وهي الخُطوة التي اعتبرها كثير من خُبراء البيئة والطاقة بمثابة "نكسة" للبيئة في مصر. إلا أن انتفاضة الخبراء ومنظمات المُجتمع المَدني أخمدها إصرار الحكومة على تنفيذ قرار رئيس الوزراء رقم 964 لسنة 2015، والذي تضمّن تعديل اللائحة التنفيذية للقانون رقم 4 لعام 1994 والخاص بشؤون البيئة، والتي تُحدد ضوابط تقييم الأثر البيئي والمعايير والشروط الخاصة باستخدام الفحم.

ورغم أن هناك العديد من البدائل التي تكفل توفير مصادر أخرى للطاقة، تَسُوق الحكومة في إطار تبرير اتخاذها لهذا القرار حججًا تتمثل في محدودية مصادر الطاقة، وأزمة نقص الوقود التي يعاني منها القطاع الصناعي ومحطات توليد الكهرباء. وفي سبيل ذلك حددت اللائحة الجديدة المنشئات المُستخدمة للفحم ضمن الصناعات كثيفة الاستهلاك للطاقة، والتي تُعتبر من أخطر مصادر غازات الاحتباس الحراري، ومنها صناعات الأسمنت الحديد والصلب والكوك والألومنيوم. فمصانع الأسمنت على سبيل المثال تعد من أشد الصناعات تلويثًا للبيئة، حيث أن مصنع الاسمنت الواحد في مصر الذي لا تزيد طاقته الإنتاجية عن 1.5 مليون طن في السنة، يتسبب في تلويث مساحة قطرها 10 كيلو مترات أي حوالي 100 كيلو متر مربع، حسب دراسة صادرة عن هيئة التنمية الصناعية.

والكارثة أن اللائحة لم تقصر استخدام الفحم لأغراض توليد الكهرباء ولهذه الصناعات فقط، بل تركت الباب مواربًا لأي منشأةٍ صناعية يصدر لها قرارًا باستخدام الفحم من جانب رئيس الوزراء، ما يعني إمكانية امتداد ذلك لصناعاتٍ أخرى غير الصناعات كثيفة الاستهلاك للطاقة. وتبدو المُفارقة في سماح وزارة البيئة لإدراج الفحم في منظومة الطاقة، رغم الدراسة التي خرجت بها علينا الوزارة عام 2014 والتي قدّرت العبء الصحي الناتج عن التلوث البيئي الذي يُسببه استخدام الفحم في مصانع الأسمنت فقط بما يصل إلى 3.9 مليار دولار سنويًا، غير أن العبء الصحي المُترتب على تشغيل محطة توليد كهرباء واحدة بالفحم يصل إلى 5.9 مليار دولار سنويًّا. فالفحم الحجري حسبما يُشير تقرير لحملة "مصريون ضد الفَحم" -والتي تضم نشطاء ومتخصصين في مجال البيئة- يحوي موادًا سامة مثل الزرنيخ والزئبق والجسيمات الدقيقة الملوّثة للهواء، والتي تُسبب أمراضًا بالجهاز التنفسي والقلب والجهاز العصبي.

غير أن الأزمة الحقيقية تتجلى في أن المُضي قُدُما في الخُطط التنموية التي تعمل الدولة على تنفيذها، من خلال التوسع في إقامة المُجتمعات الصناعية والعُمرانية، يعني التوسع في استخدام الفحم لهذه المصانع في ظل إقراره ضمن منظومة الطاقة. ورغم أن اللائحة حددت اشتراطات ومعايير للتعامل الآمن مع الفحم، بدءًا من عملية تفريغه في الموانئ وصولاً إلى نقله إلى المصانع وتشوينه والتخلص من مُخلفاته بصورة آمنة، إلا أن هذه الضوابط لا تُعد كافية لضمان حماية حقيقية للبيئة وللصحة العامة للمصريين. كما أن أن تردي أوضاع المنظومة البيئية في مصر وضعف الجانب الرقابي بها مع تزايد التجاوزات البيئية للمصانع، لا يُشير إلى إمكانية تطبيق هذه المعايير على أرض الواقع بشكلٍ جدي.


والغريب أن تسمح الحكومة باستخدام الفحم كمصدر للطاقة، رغم الجهود التي تبذلها على الجانب الآخر في إطار مجابهة ظاهرة تغيّر المناخ والحد من الانبعاثات الحرارية. وهي الجهود التي تقوم بها الإدارة المركزية للتغيرات المناخية، ومنها مشروع الإبلاغ الوطني لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغيّر المُناخ، والذي يُنفّذ بتمويل من مرفق البيئة العالمي GEF)) وبرقابة جهاز شؤون البيئة وبرنامج الأمم المتّحدة الإنمائي، وهو المنوط به إقامة نظام وطنى لحصر الإنبعاثات الحرارية في مصر، فى إطار إنشاء قاعدة بيانات لتغير المناخ تحدد سياسات وسيناريوهات، لخفض الانبعاثات من الغازات بمصر في كافة القطاعات وعلى رأسها قطاع الطاقة.

Bibliotheca Alexandrina