كتبت سارة شريف
بعد عقود من تدمير البيئة أصبح هناك إقتناع ان تحقيق التنمية المستدامة المطلوبة لن يحدث إلا من خلال الترويج لفكرة الاقتصاد الأخضر الذي سيجعل تطبيق عملية التنمية المستدامة أكثر سهولة و يسر، كما أنه لا يمكننا تحقيق الأهداف التنموية للألفية دون تحقيق الاستدامة التي تعتمد بدورها على فكرة الاقتصاد الأخضر، فالعالم اليوم يهتم بقضية إستمرار الموارد ومساهمتها في عملية التنمية لأن نتائج إستنزاف الموارد الطبيعية قد تكون وخيمة علي توازن النظم الإيكولوجية و قد يتسبب في تداعيات اقتصادية وإجتماعية خطيرة.
ويعد مفهوم الاقتصاد الأخضر و مفهوم التنمية المستدامة وجهان لعملة واحدة، حيث ان الحديث عن مفهوم الاقتصاد الأخضر يدفعنا بالضرورة للحديث عن مفهوم التنمية المستدامة.
فنتيجة لعدة تراكمات توصل إليها المجتمع الدولي جاءت التنمية المستدامة، حيث ظهرت كمفهوم ولأول مرة في مؤتمر ستوكهولم عن البيئة الإنسانية والذي أسس أيضاً برنامج الأمم المتحدة للبيئة، وفي مؤتمر ريو بالأرجنتين عام 1992، والذي ركز علي فكرة التنمية والبيئة، فلقد حدد تصريح ريو الذي صدر عن المؤتمر حقوق والتزامات الدول في سعيها نحو التنمية المستدامة والتضامن الدولي، ولكن الإنجاز الأكبر في هذا السياق قد ظهر مع وضع الأمم المتحدة لأهداف الألفية الجديدة الثمانية للتنمية بناًءا علي القرار رقم 2/55 والذي هدف إلي محاربة الفقر والترويج للتنمية المستدامة.
وللتنمية المستدامة ثلاثة أبعاد لا تتحقق بدونهم، البعد الاقتصادي ويعتمد بالأساس علي محاربة الفقر، البعد الاجتماعي كالمشاركة الفعالة للمرأة، وتحسين التعليم، والبعد البيئي و يقوم علي منع التدهور البيئي، ويتم تحقيق هذه الأبعاد علي المستويات المحلية والوطنية والإقليمية والدولية.
أما مفهوم الاقتصاد الأخضر فقد ظهر خلال السنوات القليلة الماضية، خاصة لدى زعماء الدول والحكومات ووزراء مالية مجموعة العشرين، و تم مناقشة فكرة الاقتصاد الأخضر في سياق التنمية المستدامة وتقليل الفقر، حيث عرّف برنامج الأمم المتحدة للبيئة الاقتصاد الأخضر بأنه "ذلك الذي ينشأ مع تحسن الوجود الإنساني والعدالة الاجتماعية، عن طريق تخفيض المخاطر البيئية"، أما في تعريفه البسيط فهو " الاقتصاد الذي يوجد به نسبة صغيرة من الكربون ويتم فيه استخدام الموارد بكفاءة، كما أن النمو في الدخل والتوظيف يأتي عن طريق الاستثمارات العامة والخاصة التي تقلل انبعاثات الكربون والتلوث، وتدعم كفاءة استخدام الموارد والطاقة، وتمنع خسارة التنوع البيولوجي، وهذا لا يتحقق إلا من خلال إصلاح السياسات والتشريعات المنظمة لذلك".
فالأقتصاد الأخضر يحتوي على الطاقة الخضراء والتي توليدها يقوم على أساس الطاقة المتجددة، بدلاً من الوقود الحجري، والمحافظة على مصادر الطاقة واستخداماتها كمصادر طاقة فعالة، هذا بالإضافة إلي أهمية نموذج الأقتصاد الأخضر في خلق ما يعرف بفرص العمل الخضراء، وضمانة النمو الأقتصادي المستدام والحقيقي، ومنع التلوث البيئي، والأحتباس الحراري، وإستنزاف الموارد والتراجع البيئي.
ومن تطبيقات الاقتصاد الأخضر السياحة الخضراء أو السياحة المستدامة، فهي سياحة تضمن المحافظة على قدرة المجتمعات المحلية على استمرارها والاستفادة منها، وتضمن في الوقت نفسه استمتاع السائح ببيئة متجددة ونظيفة لا تنهار بعد حين بسبب استنزاف الموارد أو احتكار فوائد السياحة لفئات محدودة دون أخرى.
قد أصبحت السياحة المستدامة منهجًا وأسلوبًا تقوم عليه العديد من المؤسسات السياحية العالمية و المحلية، وعلى غير ما يعتقد الكثير فإن تطبيق مفهوم السياحة المستدامة لا يعد مكلفًا من الناحية المالية فله عائده المعنوي والمادي، ويعود بالربح والفائدة على المؤسسات السياحية.
فبنسبة للمجتمع المصري، تمثل السـياحة إحـدى ركـائز الاقتصاد المصري حيث تساهـم بنسبة 11.3% من إجمالي الدخل القومي وتوفر نسبة 19.3% من إجمالي العملة الصعبة وفرص عمل ضخمة حيث تبلغ نسبة العاملين فى قطاع السياحة 12.6% من إجمالي قوة العمل بمصر، وتساهم السياحة البيئية في جعل السياحة أكثر استدامة من خلال زيادة الفوائد الاقتصادية والاجتماعية للمجتمعات المحلية المضيفة، والمساهمة في الحفاظ على الموارد الطبيعية والثقافية والاجتماعية لتلك المجتمعات، وزيادة الوعي لدى جميع المسافرين نحو المحافظة على التراث الطبيعي والثقافي.
وتعد السياحة البيئية والسياحة الخضراء أحد أنواع السياحة المستدامة التي تشمل أيضاً السياحة العادلة والسياحة التضامنية والسياحة المسئولة التى تسعى في مجملها إلى الاستفادة المثلي من المواقع السياحية وإدارة كافة مواردها البيئية والاقتصادية والثقافية والتراثية وضمان استدامتها على المدى البعيد.
وتمشياً مع الوثيقة الختامية لمؤتمر الأمم المتحدة للتنمية المستدامة المعنونة ”المستقبل الذي نصبو إليه“ الذي تم عقده فى يونيه 2012 على أهمية النهوض بالاستثمار في السياحة المستدامة والتخطيط الجيد المتكامل لها لتحقيق التنمية المستدامة وحماية البيئة والمحافظة على الحياة البرية والتنوع البيولوجي والنظم الايكولوجية والتنوع الثقافي وتحسين الظروف المعيشة لسكان المجتمعات، تعتمد رؤية كل من وزارة السياحة ووزارة البيئة على تنمية المناطق السياحية وخلق فرص الاستثمار السياحي بمناطق التنمية السياحية المختلفة.
فيوجد في مصر ثلاث قرى ومنتجعات بنويبع ومحمية سانت كاترين، تنتشر أغلبها فى المناطق التى تعتمد على السياحة البيئية مثل الوادي الجديد، وتتميز هذه الفنادق بالبساطة في التصميم والاعتماد على الموارد البيئية بداية من التصميم الخارجي، وحتى الديكور الداخلي، كما أن الفنادق البيئية أو التى تسمى بالفنادق "الخضراء"، والتي بدأت فى الانتشار خلال السنوات الأخيرة ويزداد عددها يوما بعد يوم.
ويأتي اهتمام المستثمرين بهذا النوع من الفنادق الذي بدأ منذ سنوات قليلة بحيث بلغ عدد الفنادق المصنفة كصديقة للبيئة في مصر إلى 12 فندقاً يوجد واحد منها فى واحة الداخلة وتم تصنيفه كأفضل فندق بيئي على مستوى العالم من ضمن 21 منشأة سياحية دولية، ويتميز بتصميمه المعماري الإسلامي واستخدم في بنائه خامات من البيئة المحلية.
كما أن هناك عدد كبير من هذه الفنادق توجد بالوادي الجديد تنسجم مع البيئة المحيطة وتعرض منتجات من الصناعات الحرفية التي تتميز بها المحافظة من الصوف والخوص، وتوجد فنادق أخرى تعتمد على الرحلات البيئية سواء بالجمال أو بسيارات السفاري بحيث يتعرف السائح على طبيعة العيش فى تلك المناطق بعيداً عن المدينة وصخبها، كما يوجد في واحة "سيوه" 4 فنادق، وفندق يقع على أطراف محمية "وادي الجمال" بمحافظة البحر الأحمر، كذلك فندق بالأقصر.
فالفنادق البيئية هي أحد التوجهات العالمية نحو ما يسمى "السياحة الخضراء" التي تتعامل مع البيئة، وترفع شعار الاعتناء بالبيئة، وهذه النوعية تتعامل مع البيئة كما هي وتقوم بترشيد الطاقة والمياه باستخدام التكنولوجيا المصممة لذلك وهو ما يؤدي في النهاية إلى خفض مصروفات التشغيل كما تحاول هذه النوعية من الفنادق الاعتماد على العناصر البيئية مثل استخدام الشموع واستخدام الخلايا الشمسية لتسخين المياه في الشتاء وهو ما يعمل على تخفيض استهلاك المياه ب40 % على الأقل.
وفي النهاية وبالرغم من كل ذلك فيوجد هناك بعض المشكلات التي تواجه تطبيق الاقتصاد الأخضر منها ذلك الاعتقاد السائد بوجوب المقايضة بين الاستدامة البيئية والتقدم الاقتصادي، لكن توجد أدلة ملموسة على أن تخضير الاقتصاديات لا يمنع أبدا من بناء الثروة أو يؤدي إلى حجب فرص العمل خاصة وأن العديد من القطاعات الخضراء تتوفر فيها فرص استثمار جيدة بما يصحب ذلك من نمو في الثروة وفرص العمل.
ويوجد اعتقاد آخر بأن الاقتصاد الأخضر رفاهية لا يقدر على تحملها سوى الدول الغنية، بل ويعتبرها البعض عبئا تفرضه الدول المتقدمة لتعطيل مسيرة التنمية في الدول النامية وإدامة الفقر فيها، لكن يدحض ذلك الاعتقاد حقيقة ما يمكن أن يقدمه الاقتصاد الأخضر من تنمية العديد من القطاعات العامة كالزراعة والمياه العذبة والطاقة .