كتب- محمد مجدي وسحر المكاوى «جريدة الوطن»
في عمق الصحراء الغربية، وعلى بعد 170 كيلو متر جنوب غرب محافظة القاهرة، دشنت الحكومة المصرية بالشراكة مع عدد من المنظمات والجهات الدولية، أول أمس، متحفاً لحيتان، وأسماك قرش، وحيوانات بحرية عاشت في «الفيوم».. تلك ليست مزحة يتداولها رواد مواقع التواصل الاجتماعي، إلا أنها واقع، حيث يقع المتحف في «وادي الحيتان» أول متحف من نوعه في مصر، ومنطقة الشرق الأوسط تحت مُسمى «متحف الحفريات وتغير المناخ».
الرحلة للمتحف تبدأ بمرورك لبحيرة وقصر قارون بمحافظة الفيوم ثم دخولك لمحمية «وادي الريان» حتى تعبر «مدق صحراوي ممهد» طوله نحو 34 كيلو متر تشاهد فيها هضاب جبلية جميلة الشكل، و«مرتفع جهنم» حتى تصل لـ«وادى الحيتان»، والتي أثبتت الدراسات العلمية الحديثة تواجد 1500 هيكل عظمى به لحيتان، وعرائس البحر الذين عاشوا منذ 40 مليون سنة حين كان هذا الموقع، الذي يعتبر جزء حار من الصحراء حالياً، قاع بحر «التيثس» العظيم، والذى كان جزء من المحيط حين كانت قارات العالم مرتبطة ببعضها البعض حتي انفصل ليتواصل صراع «البحر» و«الأرض» لتنحسر المساحات الواسعة من المياه لتُشكل البحر الأبيض المتوسط.
يؤرخ «المتحف»، الذي يفتح أبوابه للمواطنين الراغبين في زيارته صباح اليوم، لحقبة من «التغيرات المناخية»، التي تجعل تصريحات العلماء، والمسئولين حول تلك الظاهرة، وإمكانية غرق الأراضي المنخفضة في دلتا نهر النيل حقيقة تراها رؤية العين بسبب الصراع القديم الذي حدث وقت تغير المناخ، والذي انتصرت فيه الأرض علي البحر، إلا أن الظروف الطبيعية السائدة حالياً بارتفاع متوسط درجة الحرارة، وسطح البحر ترجح كافة البحر عن الأرض في صراع اليوم، والمستقبل، وهو ما يدفع للتحرك لمواجهة هذا التغير.
وسجل «المتحف» حقيقة كون البحر الأبيض المتوسط، بمسماه القديم «التثيس»، كان تمتد شواطئه عبر الجزء الشمالي لمصر حتى وصل خلال «العصر الأيوسينى»، والذي كان منذ قرابة 58 مليون سنة، إلى موقع مدينة الأقصر حالياً ليتراجع شمالاً بعد ذلك، ليتجه حينها «النهر القاري» شمالاً وغرباً مؤثراً في المدي البعيد على مستوى سطح البحر، لتُستبدل المياه البحيرة العميقة في نهاية «العصر الأيوسينى» بالبحيرات الضحلة، التي أدت في نهاية المطاف إلى تكوين الأنهار، والدلتا.
ويُسجل متحف «الحفريات وتغير المناخ» في جوانبه رحلة تطور الكائنات التي عاشت في «وادي الحيتان» على مدار العصور، حيث يضم حيتان ذات «أطراف خلفية»، وهو ما فسره الخبراء، بعد اكتشافها في تلك المنطقة، بنظرية مفادها أن الحيتان الأولية انحدرت من «ثدييات اليابسة» ثم مرت بمراحل استثنائية أدت إلى تواجد «حيتان تمشي»، والتي وصلت لتلك المرحلة بعد فترة قصيرة من تكون الثديات الحديثة منذ قرابة 55 مليون سنة، حيث كانت تمكث تلك المجموعات من الثديات ذات الحوافر بعض الوقت في المياه، والتي استمرت في العيش فيه لتوافر الغذاء، إلا أنها تركت اليابسة في النهاية، وتكيفت لتصبح حيتان مائية كلياً، والتي استعرض المتحف حفريات أصلية لها.
ويواصل «المتحف» رحلة الحقب الزمنية المختلفة حتى العصور «الأوليجوسين»، والذي يمتد من 23 مليون سنة إلى 34 مليون قبل الحاضر، حيث شهد بداية التبريد العالمي، الذي أدى لتحول مناخ الأرض بشكل يسمح لتكوين الجليديات، والعصور الجليدية، والذي شهد استمرار تراجع «بحر التثيس»، لتكون شواطئه بالقرب من منطقة الجبل الأحمر في القاهرة، والذي استمرت الدورة البحرية خلاله لإنشاء بيئات بحرية قليلة الملوحة، وبعدها المياه العذبة، وتواجد في المتحف بعض الأدلة على هذا العصر في مصر .
وتصل رحلتك في المتحف إلى فترة «المناخ والحضارة»، حيث يُعتقد أن حضارات العالم تعود إلى ما يزيد عن 5 آلاف سنة، فيما عاش أسلافنا لنحو 2 مليون سنة قبلها في مجموعات صغيرة معتمدين على جمع النباتات، وصيد الأسماك، والحيوانات، والطيور، ليبدأ الإنسان الحديث في الظهور في فترة ما بين 150 إلى 200 ألف عام الأخيرة ليكتسب الذكاء منذ 30 ألف عام، لتستمر رحلته في عدة عصور حتى أتاح له تغير المناخ إمكانية زراعة النباتات، واستئناس الحيوانات، وتربيتها، وهو ما أدي إلى زيادة هائلة في عدد السكان، وتسارع في الانجازات الثقافية.
ويشير «المتحف» إلى أن «حجر باليرمو» سجل ارتفاع مستويات فيضانات النيل، وبعد تكيف المواطنين مع مستوى النهل في الدولة المصرية القديمة، انخفض تدفع مياه النهر، ما أدى إلى مجاعات، واضطرابات شديدة منذ 4200 سنة لتنهار الحكومة المركزي، ليتم إعادة تأسيسها بعد 200 عام، ليقوم ملوك الدولة الوسطي بتنفيذ مشروع هيدروليكي في الفيوم للتغلب على الجفاف مستقبلاً.
وأشار إلى أن المناخ ازداد جفافاً، وأصبح غير قابل للتنبؤ به في تلك الرقعة في فترة ما بين 5 إلى 7 آلاف سنة مضت، لتنتشر الزراعة كوسيلة لتحقيق الأمن الغذائي على طول نهر النيل، والدلتا.
ويلفت «المتحف» إلى أن تغير المناخ في مصر سيؤثر على درجة تدفق مياه فيضان النيل، وسيؤدى للاحتباس الحراري، وارتفاع مستوي سطح البحر المتوسط، والذي سيكون له تأثير خطير على المناطق الساحلية، والأراضي المنخفضة، والدلتا، كما ستؤثر سلباً على الحياة البحرية، مما سيتسبب عنه ابيضاض الشعاب المرجانية، وانقراض العديد من الأنواع المائية، والتي بدورها ستؤثر على مصايد الأسماك، والسياحة.
ويطرح «المتحف» على زواره عدة نقاط للمساهمة في تخفيف آثار تغير المناخ على مصر، حيث أن التغير ينشئ من احتباس غازات تؤدى لارتفاع درجة الحرارة، وذلك جنباً إلى جنب مع إجراءات مواجهة تلك الظاهرة، حيث طالب باستبدال المصابيح الكهربائية بالموفرة للطاقة مما سيقلل الانبعاثات الناتجة عن محطات الكهرباء، وكذلك فصل الأجهزة الكهربائية بعد استخدامها.
وطالب بضرورة استخدام الدراجات في التنقل، والمشي، واستخدام وسائل النقل العامة، ومشاركة الأصدقاء في ركوب سيارة واحدة، والاعتماد على التهوية الطبيعية بدل التكييف كلما أمكن ذلك، واستخدام «الدش» لفترة قصيرة، وإيقاف استخدام المياه أثناء تنظيف الأسنان، والحلاقة، وغسيل الملابس بـ«المياه الباردة»، واستخدام أجهزة كهربائية عالية الكفاءة، وتدوير المخلفات، وزرع، وغرز النباتات.