استكمل النقاش مسيرة تشارلز داروين وكتاباته، خاصة كتاب "نشأة الإنسان" الذي أصدره بعد إصدار "أصل الأنواع"، وفصل الدكتور مجدي المليجي محتوى هذا الكتاب قائلاً إن داروين عقد في جزئه الأول مقارنات تشريحية بين الإنسان وبين القردة العُليا، وفي نصفه الثاني ركز على الانتقاء الجنسي لدى الكائنات ومنها الإنسان حيث يتم انتقاء أفضل أنواع الذكور لأفضل أنواع الإناث لإنتاج أفضل الأنواع.

وبسبب بدائية الوسائل العلمية في عصره، اعتمد داروين في ملاحظاته على علم الأجنة وعلم التشريح، وأضاف الدكتور إسماعيل سراج الدين أن داروين توصل في هذا الكتاب إلى أن بين الإنسان والقرد قواسم فسيولوجية مشتركة. وأفاد الدكتور مصطفى عوض بأن الثورة التي أحدثها كتاب "أصل الأنواع" خففت كثيرًا من أثر كتاب "نشأة الإنسان"، فلم يُستقبل بنفس الصدمة الأولى رغم حديثه عن الأصول والماضي المشترك بين الإنسان والقردة العُليا، وقد ذهب داروين في كتابه إلى أن إفريقيا قد تكون مهد البشرية، وهو ما تم إثباته فيما بعد.

وبالانتقال إلى كتاب آخر لداروين، ذكر الدكتور المليجي أن كتاب "اختلاف التعبير عند الإنسان والحيوان" كان نتاج ملاحظات دونها داروين على ابنه وعلى عدد من الحيوانات لمدة 20 سنة، توصل بعدها إلى أن التعبير عن المشاعر يبدأ بمجموعة من الإيماءات والإشارات، تتطور لدى كل مجموعة من الكائنات، وعند الإنسان تنتقل من الإشارة إلى تكوين اللغة، وقد رأى البعض أن هذا الكتاب يعتبر مساهمة كبيرة في علم النفس تتحدى بعض مقولات فرويد، وهو ما يدل على أن آراء داروين ما زالت تلقى التأييد العلمي. وهو ما اتفق معه الدكتور سراج الدين بحديثه عن طبعات كتب داروين وعلى رأسها أصل الأنواع الذي ما زال يطبع سنويًّا منذ إصداره الأول عام 1859.

واستمرارًا للجدل حول نظرية التطور، أشار الدكتور سراج الدين إلى أن ظاهرة اندثار بعض الأنواع الطبيعية كاندثار الديناصورات، قادت بعض العلماء مثل ستيفن جولد ونيلز ألدريج إلى تعديل نظرية داروين، على أساس وجود فترة من التنوع الطبيعي يتم فيها اندثار واسع لبعض الكائنات أو ظهور بعضها مرة أخرى فيما أطلقا عليه "التطور المتقطع". وأضاف الدكتور عوض أن الانتخاب الطبيعي أصبح يُعرّف بكونه التغير في تردد الجينات، فتغير تركيب الجينات في أي جيل لأي نوع عن الجيل السابق يعتبر نوعًا من التطور، ولكن عملية التطور تستغرق أجيالاً وفترات زمنية كبيرة جدًّا وهي مستمرة منذ بدء الخليقة.

وأوضح الدكتور سراج الدين أن عملية التطور تُلاحظ في التجارب التي تُجرى في المعامل على ذباب الفاكهة متعدد الأجيال، وتتم عند اكتسابها بعض الصفات الوراثية بعد مكافحتها بالمبيدات. وقد منع التدخل الإنساني في مكونات الطبيعة كثيرًا من الكائنات الحية من التكيف الطبيعي مع التغير البيئي؛ وهو ما أدى لاندثارها وتهديد التنوع البيولوجي.

ثم تحدث الدكتور سراج الدين عن ثورة الكنيسة ضد نظرية "داروين"، رغم أنه كان لاهوتيًّا في بدايته، ورأى الدكتور المليجي أن القضية هي قضية التنوير والتزمت، فما تعرض له داروين تعرض له كثيرون من التنويريين كطه حسين في مصر، وقد اعترف الفاتيكان أخيرًا بداروين ونظريته، ومع ذلك فكثير من الولايات الأمريكية ترفض تدريس نظريته في المدارس، وتمت محاكمة هزلية لمن اعترفوا بالنظرية ودرسوها في بداية القرن العشرين وهي محكمة سكوتز. وأكد الدكتور عوض أن نظرية التطور ليست ضد "الخالق" وإنما تقوم بتفسير "الخلق"؛ فالأمر يتعلق بالتزمت وحجب العلم. واختتم الدكتور سراج الدين النقاش بتأكيده على أن معرفة شخصيات كداروين ومندل يكشف عن التناغم بين الدين والبحث العلمي.