كيف تؤثر الجينات الوراثية في العادات الغذائية

شارك

الغذاء هو الوقود الذي نحتاج إليه لكي نتحرك ونشعر بالدفء ونمارس أنشطتنا، ولكي تستمر أجهزتنا الحيوية بالعمل. باختصار، الغذاء هو الوقود الذي يجعلنا نحيا. والعادات الغذائية لا تقل أهمية عن الغذاء نفسه. فالعادات الغذائية السليمة هي ما يجعلنا نحصل على أقصى استفادة ممكنة من الغذاء الذي نتناوله، ومن ثم هي من أهم الأسباب التي تجعلنا نحيا بصحة جيدة، ونتجنب الإصابة بكثير من الأمراض مثل السمنة والسكري وأمراض القلب والشرايين.

وقد اهتم العلماء في العصر الحديث بدراسة العلاقة بين العادات الغذائية والجينات الوراثية. فمن شأن فهم هذه العلاقة جيدًا وإيجاد طرق للتحكم فيها أن يسهم في حماية كثيرين حول العالم من الأمراض الناجمة عن سوء العادات الغذائية. والجينات المؤثرة في العادات الغذائية نوعان: النوع الأول يحمله جميع الأشخاص، مثل جين التذوق، والنوع الآخر يحمله بعض الأشخاص دُونَ غيرهم، مثل جين زيادة كتلة الدهون بالجسم وجينات فقدان الشهية والشراهة، وسوف نتعرف أكثر على تلك فيما يلي.

جينات التذوق
يسهم التذوق بشكل مباشر في اختيار الطعام المفضل، ومن ثم فهو يؤثر في العادات الغذائية للأفراد. ويتذوق الإنسان الطبيعي أربعة مذاقات أساسية هي الحلو والمالح والمرُّ والحامض.

وبالرغم من أنه من المفترض أن يكون إحساس الأشخاص متساويًا بالنسبة لهذه المذاقات، فإن الحقيقة بعيدة عن ذلك. فقد أثبتت الدراسات أن هناك عدة عوامل تسهم في الإحساس بمذاق معين، مثل عدد حلمات التذوق باللسان، ومكونات اللعاب، والاختلافات الوراثية، وغيرها.

ولذلك، فإن إحساس شخص ما بمذاق معين يختلف عن إحساس شخص آخر لنفس المذاق؛ وذلك ما يسهم في اختيار الأطعمة المفضلة لكلِّ شخص، التي يمكن أن تكون مشبعة بالدهون والسكريات فتؤثر في صحته.

الجين المرتبط بالسمنة
الجين المرتبط بالسمنة هو الجين المسئول عن زيادة كتلة الدهون بالجسم، وهو من الجينات التي يحملها عدد كبير من الأشخاص حول العالم. ولهذا الجين نسختان: الأولى مفردة ويحملها أكثر من 40٪ من سكان العالم الذين ورثوها عن أحد الأبوين، والثانية هي النسخة المضاعفة ويحملها قرابة 17٪ من الأشخاص الذين ورثوها عن كلا الأبوين.

ويؤثر الجين المرتبط بالسمنة في الجزء المسئول عن التحكم في الشهية في الدماغ؛ فيؤخر الإحساس بالشبع عند الأشخاص الحاملين لهذا الجين؛ وهذا ما يؤثر في عاداتهم الغذائية. فهو يجعلهم يستهلكون كمية أكبر من الطعام، وخاصة الأطعمة المشبعة بالدهون لما لها من تأثير إيجابي في الحالة المزاجية، ومن ثم يؤدي إلى زيادة الوزن والتعرض إلى مخاطر صحية جسيمة.

جين فقدان الشهية
ربما قد لاحظت يومًا أن بعض الأطفال لا يتناولون الطعام كما ينبغي، أو أنهم لا يشعرون بالجوع أو يطلبون الطعام بالرغم من مرور عدة ساعات عن آخر وجبة تناولوها. ويؤثر هذا بالطبع بشكل مباشر في نموهم الطبيعي، وقد يسبب بعض الأمراض الخطيرة الناتجة عن سوء التغذية. وقد تسفر كلُّ التحاليل والأشعة التي تجرى لهؤلاء الأطفال عن نتائج طبيعية، ولا تظهر أية أمراض عضوية تؤثر في شهيتهم.

وكان العلماء في حيرة من ذلك الأمر حتى وقت قريب قبل اكتشاف «جين فقدان الشهية». وجين فقدان الشهية جين وراثي يؤثر في شهية الفرد بدرجة كبيرة، ولم يكن له علاج معروف قديمًا سوى بعض فواتح الشهية، ولكن مؤخرًا اكتشف علاج له استنادًا إلى أنه اضطراب وراثي.

جين الشراهة
على العكس تمامًا من جين فقدان شهية، هو جين يجعل الإنسان يأكل بشراهة وبكميات أكثر بكثير مما يحتاجه جسمه. وتظهر أعراض نشاط هذا الجين في مرحلة الطفولة المبكرة؛ حيث يتناول الشخص كميات كبيرة من الطعام ويزيد وزنه؛ فمما يؤدي إلى قلة الحركة. وما زال العلماء يبحثون عن طرق للسيطرة على العادات الغذائية لحاملي هذا الجين. وبالفعل، توصلوا إلى بعض العلاجات، ولكنها لا تزال تحت الاختبار والتجارب.

الخلاصة هي أن عاداتنا الغذائية ليست بالضرورة من اختيارنا؛ حيث يمكن أن تكون نتيجة عوامل خارجة عن إراداتنا، والجينات الوراثية تؤدي دورًا مهمًّا في هذه العادات. وقد أكد بعض العلماء أن معرفة التاريخ الوراثي للعائلة بالنسبة لتلك الجينات يمكن أن يُجنب الأبناء القادمين خطورة حملهم لها، ومن ثم خطورة الإصابة بالأمراض الناتجة عن العادات الغذائية الخاطئة.

*المقال منشور في مجلة كوكب العلم المطبوعة، عدد صيف 2017.

المراجع

ncbi.nlm.nih.gov
webmd.com

من نحن

«كوكب العلم» مجلة علمية ترفيهية باللغتين العربية والإنجليزية يصدرها مركز القبة السماوية العلمي بمكتبة الإسكندرية وتحررها وحدة الإصدارات بقطاع التواصل الثقافي ...
مواصلة القراءة

اتصل بنا

ص.ب. 138، الشاطبي 21526، الإسكندرية، جمهورية مصر العربية
تليفون: 4839999 (203)+
داخلي: 1737–1781
البريد الإلكتروني: COPU.editors@bibalex.org

شاركنا

© 2024 | مكتبة الإسكندرية