إذا كان الكلام من فضة؛ فالسكوت من ذهب

شارك

كنت الطفلة الصغرى بين أخوتي، ولذلك فقد استحققت لقب «الثرثارة» عن جدارة. الآن وقد بلغتُ الثامنة والثلاثين وصرتُ تواقةً لهنيهات الصمت الخالصة، فإنني ما زلت أمرُّ بمواقف أندم فيها على الكلام حين كان ينبغي لي أن أصمت (وهذا يحدث كثيرًا في الحقيقة). ومع ذلك، أقول لنفسي دائمًا لم يفت الأوان بعد ليتغير المرء ويتبنى عادات أفضل. اليوم تحدثت كثيرًا من دون داعٍ، لذلك لم يستغرق مني تقرير موضوع مقالي الجديد وقتًا طويلًا: الفوائد الصحية للصمت.

تنشيط شبكة الوعي الافتراضي بالدماغ

شبكة الوعي الافتراضي هي شبكة عصبية تَنشَط عندما يكون الدماغ في حالة راحة. ولهذه الشبكة دورٌ في عمليات ذهنية ترميمية، مثل التأمل الذاتي وتنظيم الانفعالات ودمج المعلومات الجديدة مع الذكريات القائمة. خلصت دراسة نُشرت عام 2008 أن مجرد وجود ضوضاء خلفية يمكن أن يقلّل من نشاط أجزاء رئيسية من شبكة الوعي الافتراضي، مثل قشرة الفص الجبهي الأمامي الوسطى بالدماغ، والقشرة الحزامية الخلفية، والطَّلَل. أما في أثناء فترات الصمت التام، فيزيد نشاط شبكة الوعي الافتراضي بالدماغ.

تجديد خلايا المخ

لا يقتصر دور الصمت على تنشيط وظائف دماغية معينة فحسب، بل قد يسهم أيضًا في تعزيز نمو الدماغ. أظهرت دراسة نُشرت عام 2013 أن الفئران التي تعرضت لساعتين يوميًّا من الصمت نَمَت لديها خلايا عصبية جديدة في منطقة الحُصين، وهي منطقة محورية للذاكرة والتعلُّم وتنظيم المشاعر. ومقارنةً بالضوضاء البيضاء والأصوات المهدئة، أنتجت حالة الصمت عددًا أكبر من الخلايا العصبية الجديدة. لذلك، احرص على تخصيص وقتٍ من الهدوء التام يوميًّا لتمنح دماغك فرصة لتجديد خلاياه واستعادة نشاطه.

الصمت موسيقى القلب

في حين يجد كثيرون للموسيقى تأثيرًا مهدئًا ومريحًا للأعصاب، فقد وجدت دراسة نُشرت في 2006 أن دقيقتين من الصمت التام لهما قدرة تفوق قدرة الموسيقى على تهدئة الجسم. راقب الفريق البحثي –بقيادة لوتشانو برناردي– ضغط الدم ومعدل ضربات القلب والدورة الدموية لدى المشاركين في الدراسة في أثناء استماعهم لأنواع مختلفة من الموسيقى، مع فواصل قصيرة من الصمت بين المقاطع. وقد وجد الفريق أنه بينما يمكن للموسيقى الهادئة أو التأملية أن تُسهِم في الاسترخاء، كان أثر الاسترخاء أكثر وضوحًا خلال فترات الصمت. أدى الصمت إلى خفض معدل نبضات القلب وضغط الدم والتنفس في الدقيقة، متجاوزًا في ذلك الحد الأدنى القياسي للمستويات الأساسية. وهكذا، فإن الصمت لا يعزِّز الصحة العقلية فحسب، بل يساهم أيضًا في تحسين وظائفنا الحيوية وعافيتنا الجسدية عمومًا.

*************************

تناول هذا المقال بعض الفوائد الصحية للصمت، ولكنك عزيزي القارئ تعلم حتمًا الفضائل العديدة المرتبطة به. إن الصمت حقًّا لغة الحكماء؛ فهو يعلمنا أن نكون مستمعين أفضل ويعلمنا الصبر وضبط النفس، ويزيد من وعينا واتصالنا بما يحيط بنا. أما أنا شخصيًّا فسأواصل المحاولة، على الأقل لأستمتع بذلك الشعور بالرضا الذي يأتيني كلما تمكنت من كبح لساني والاستسلام لسكينة الصمت.

المراجع

heart.bmj.com

pmc.ncbi.nlm.nih.gov (1)

pmc.ncbi.nlm.nih.gov (2)

telegrafi.com

Cover image by Freepik

من نحن

«كوكب العلم» مجلة علمية ترفيهية باللغتين العربية والإنجليزية يصدرها مركز القبة السماوية العلمي بمكتبة الإسكندرية وتحررها وحدة الإصدارات بقطاع التواصل الثقافي ...
مواصلة القراءة

اتصل بنا

ص.ب. 138، الشاطبي 21526، الإسكندرية، جمهورية مصر العربية
تليفون: 4839999 (203)+
داخلي: 1737–1781
البريد الإلكتروني: COPU.editors@bibalex.org

شاركنا

© 2025 | مكتبة الإسكندرية