الفعاليات القادمة  

 
  حرية التعبير - ورقة العمل الرئيسية   

مقدمة:

اهتمت وثيقة الإسكندرية ضمن أمور عديدة بحرية التعبير على أساس من الاقتناع بأن الإصلاح أمر ضروري وعاجل، وأنه يجمع بين خطوطه مشروعا شاملا يعتمد في تنفيذه على الشراكة بين المؤسسات التنفيذية ومنظمات المجتمع المدني ومؤسسات القطاع الخاص. كما ركزت الوثيقة على أهمية الحرية باعتبارها قيمة كبيرة وأساسية وهي تقوم على أسس عديدة أهمها احترام كافة الحقوق في الفكر والتعبير عن الرأي بكافة صوره وأشكاله، وفي مقدمتها بالطبع ما يتعلق بحرية التفكير والإبداع وحرية الصحافة ووسائل الإعلام السمعية والبصرية والإلكترونية، التي يجب أن يتسم العمل فيها بأكبر قدر من الشفافية.

وقد أشارت وثيقة الإسكندرية إلى ضرورة مراجعة كل ما يتعلق بما يعوق حرية التفكير والإبداع، ويعرقل الممارسة الحرة المطلوبة في المؤسسات الصحفية والإعلامية. والهدف هو تنمية الطاقات الفكرية والإبداعية للأمة، وضمان قيام المؤسسات الصحفية والإعلامية بالأداء السليم الذي يتسم بالشفافية والمسئولية ولا يكون فيه أي مجال لاستخدام الاستثناءات إلا في حالات محدودة يكون لها مبررات قوية لا تهدف إلى تقييد حرية التعبير أو فرض الرقابة بأي شكل من الأشكال. ولذلك أكدت الوثيقة ضرورة العمل على إزالة القيود المفروضة على التفكير والإبداع ، وإعادة النظر في كافة القوانين الاستثنائية التي من شأنها فرض أي سيطرة أو تحكم في الإنجازات الفكرية والإبداعية، وفي العمل الصحفي أو الإذاعي أو وسائل النشر الأخرى مهما كانت أهدافها أو مسبباتها أو مبرراتها، والسبيل إلى ذلك ضمان إطلاق الحريات لجميع التيارات الفكرية للتعبير عن آرائها بمختلف الوسائل وهو الأمر الذي يستلزم ضرورة تحرير وسائل الإعلام والصحافة من جميع التأثيرات والهيمنة الحكومية، وليكون هدف عملها تدعيم الديمقراطية والشفافية.

إن تحقيق كل ما سبق ذكره لا يمكن أن يتم إلا من خلال تطوير شامل لكافة أساليب الإعلام، ومن بينها طريقة إصدار وتنظيم القوانين التي تعمل على أساسها الصحف ودور النشر والإذاعات المرئية والمسموعة على اختلاف توجهاتها السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية، وبحيث تضمن لها هذه القوانين والتنظيمات الاستقلالية الكاملة، سواء من ناحية الملكية أو الإدارة أو التمويل أو جميعها، ودون تدخل من أي من السلطات التنفيذية في طريقة عمل أو إدارة هذه المؤسسات.

كما تناولت الوثيقة أهمية نشر وتداول المعلومات والبيانات، وضمان الوسائل التي تكفل الحصول عليها والتأكد من صحتها ومصداقيتها حتى لا تتعارض بعد ذلك وتحليلها تحليلا سليما ودقيقا، يعكس في النهاية حقيقة مدلولها وقيمتها. وكذلك تناولت الوثيقة الطرق المطلوبة لتيسير تداول المعلومات والحصول عليها وصيانتها أو تجديدها دون أي قيود أو رقابة. وفي الوقت نفسه اوصت وثيقة الاسكندرية بتشجيع الآليات التي تعمل على قياس الرأي العام وتحريرها من العوائق على اعتبار أنها إحدى وسائل الديمقراطية الحقيقية، وتسهيل تأسيس وعمل مراكز البحوث التي تعمل في مجال استطلاعات الرأي العام وتوفير المعلومات.

وقد أبرزت وثيقة الإسكندرية الدور الهام الذي يمكن أن تلعبه وسائل الإعلام والنشر والصحافة في بناء الشخصية وتحقيق التميز والاستقلال، وكذلك القدرة على تحمل المسئولية واتخاذ القرارات المناسبة وكذلك دورها في بناء القيم والثقافة التي تساعد على التطوير والتحديث أو قبول الآخر والاعتراف بحق الاختلاف، والسعي نحو اكتساب المعرفة وتشجيع الابتكار والإبداع، وهو الأمر الذي يتطلب ضرورة توفير المناخ الملائم والسائد لمجتمع المعرفة بكل أشكالها، وتشجيع أسس التفكير العلمي من خلال تشجيع البحث العلمي، ومحاربة التطرف بكل أشكاله، وكذلك تهيئة الظروف المناسبة لازدهار الإبداع وتشجيع الفكر والخطاب الحضاري والتنويري الذي يتفق مع المتطلبات العصرية، والذي لا يمكن أن يتم في ظل أي شكل من أشكال أو أنواع الرقابة على أي نشاط ثقافي أو فكري، فلا معنى لذلك كله من غير دعم الحرية والإبداع، وتحريره من أي قيد مهما كانت مسميات هذا القيد الذي تقع تحته أي بنود الرقابة الضارة، حتى لو كانت باسم ما يطلق عليه المصلحة العامة.

أولا: حرية الفكر والإبداع

وتتخذ عمليات التضييق على حرية الفكر والإبداع أشكالا مختلفة تندرج تحت ما يطلق عليه مرة اسم المصلحة العامة، وأخرى اسم الدين أو الأخلاق. وهي تسميات لا يراد منها معناها الحقيقي في حالات كثيرة، وإنما يراد بها تبرير عمليات القمع الفكري وهيمنة الرقابة الجامدة على الإبداع بألوانه المختلفة. والنتيجة هي كثرة ما نراه من مصادرات لأعمال الفكر والإبداع من ناحية، وتزايد وطأة الإرهاب الواقع على المفكرين والمبدعين من ناحية مقابلة. وقد قال المرحوم يوسف إدريس ذات مرة إن الحرية المتاحة في العالم العربي كله لا تكفي كاتبا واحدا، وهو قول كان في زمنه تعبيرا عن شعور جمعي بين المفكرين والمبدعين ضد كل أشكال الرقابة المنظورة وغير المنظورة. ولكننا عندما نقارن ما كان يحدث في زمن يوسف إدريس وما يحدث في هذا الزمان نلاحظ قدرا متزايدا متصاعدا من الوطأة القمعية لكل أشكال الرقابة التي تؤثر في النهاية تأثيرا سلبيا في الإبداع. وهي أشكال لا تنفصل عن ظواهر الإرهاب التي انتشرت في المجتمعات العربية، واتخذت في الأغلب تبريرات دينية، فضلا عن التبريرات السياسية التي لجأت إليها الأنظمة القمعية، ونظام صدام مثال على ذلك، للمضي إلى مدى غير إنساني في خنق حرية الفكر والإبداع.

وإذا أردنا تحليل القيود المعرقلة لحرية الفكر والإبداع في السنوات الأخيرة، يمكن أن نصنفها الى نوعين من القيود:

النوع الأول:

أشكال الرقابة الرسمية:

وهي الأشكال التي تجسّدها ممارسات الأجهزة الرقابية للدولة في مجالاتها المتعددة. والظاهرة الأولى التي يمكن ملاحظتها في هذا الإطار هي كثرة الأجهزة الرقابية وتعددها. فهناك رقابة خاصة بالمطبوعات تتبع وزارة الإعلام على سبيل المثال، وجهاز للرقابة في التلفزيون المصري، وثالث في الإذاعة. يضاف إلى ذلك جهاز الرقابة على المصنفات الفنية التابع لوزارة الثقافة. وهناك شرطة المصنفات الفنية التابعة لوزارة الداخلية. وهناك مجمع البحوث الإسلامية التابع للأزهر، والذي نشط في السنوات الأخيرة نشاطا كبيرا في عمليات مصادرة الأعمال التي تتمتع بدرجة من الحرية التي لا يرضى عنها أعداء الحرية في الفكر والإبداع. والنماذج القليلة التي تم ذكرها مثال على غيرها الذي يؤكد تكاثر الأجهزة الرقابية وتعددها الذي يتوزع بها على أكثر من وزارة. وعادة ما تعمل هذه الأجهزة – من المنظور الديني – لحماية ما تراه صحيح حسب التأويل الذي ينتهي إليه العاملون فيها، ويثبتون عليه ثباتا لا يخلو من جمود، بل من سوء ظن وميل إلى الاتهام في أحوال كثيرة. وإذا كان الميراث الإسلامي لحرية الاعتقاد قد أورثنا ذلك المبدأ الذي ينسب إلى الإمام مالك من أنه إذا ورد قول عن قائل يحتمل الكفر من تسعة وتسعين وجها ويحتمل الإيمان من وجه واحد، حمل على الإيمان ولم يحمل على الكفر، فان هذه الأجهزة للأسف تقلب هذا المبدأ رأسا على عقب، مؤكدة نقيضه، الأمر الذي يظهر في ممارساتها وأحكامها التي لا تعرف المرونة أو سعة الأفق.

أما المنظور السياسي فيبدو أنه الأقل وطأة نسبيا على الأقل، خصوصا مع رغبة الحكومات العربية في التظاهر ببعض الديموقراطية. ولكن لاتزال السجون العربية مفتوحة للمفكرين الذين خرجوا على الدولة، ولاتزال أنواع العقاب المادي والمعنوي مشرعة على المبدعين والمفكرين، الأمر الذي أنتج تعاظم ظاهرة المنافي الإبداعية والفكرية – وهي ظاهرة مقترنة بهجرة المفكرين والمبدعين العرب من بلد عربي إلى غيره، بل من الأقطار العربية كلها إلى الأقطار الأوروبية أو الولايات المتحدة أو غيرها من الأقطار التي تتيح لهؤلاء المبدعين والمفكرين أن يبدعوا بعيدا عن أقطارهم. و أي تقدير إحصائي أولي لعدد المبدعين والمفكرين العرب الذين تركوا أقطارهم سيكون دالا ومدهشا في الوقت نفسه.

وبالطبع لا ينفصل المنظور الأخلاقي والاجتماعي عن المنظور السياسي أو الديني في الدوائر القمعية للرقابة التي تمارسها أجهزة الدولة، فهي أجهزة تلجأ أحيانا إلى تغطية الحجر السياسي باسم الأخلاق، وقد يستبدل بالمنظور الأخلاقي المنظور الاجتماعي في الحالات التي تريد أن تتقنع فيها هذه الأجهزة باسم المصلحة العامة. صحيح أن الوطأة القمعية لأجهزة الرقابة التابعة لأجهزة الدولة تختلف من قطر عربي إلى غيره، وأن درجة المحرمات ومداها يتباين من دولة عربية إلى أخرى، لكن التأثير المتبادل للحكومات العربية على شعوبها يؤدي دورا أشبه بالدور الذي تقوم به الأواني المستطرقة في الحفاظ على معدلات ثابتة ومتكررة من الحجر على حرية الإبداع والتفكير في نهاية الأمر.

النوع الثاني:

أشكال الرقابة غير الرسمية:

وهي أشكال الرقابة التي تقوم بها المجموعات الموازية للدولة المدنية، والمناهضة لها في الوقت نفسه. وأغلبها رقابة دينية تقوم بها مجموعات التأسلم السياسي بألوان طيفها المختلفة. وكلها لا تخلو من التعصب والتطرف الذي يجعل من أي اختلاف بدعة وضلالة، ومن كل اجتهاد جذري نوعا من الكفر، ومن كل إبداع تجريبي جسور إلحادا يستحق صاحبه العقاب الرادع. وتلجأ هذه المجموعات عادة إلى العنف المعنوي والمادي في مواجهة أعمال الفكر والإبداع التي تراها خارجة عن الإطار المحدد لهذه المجموعات. وهو إطار جامد في الأغلب الأعم، تقليدي، اتـِّباعي، ينفر من اجتهاد العقل وتجريب الإبداع ويأخذ الإرهاب المعنوي شكل الاتهام بالتكفير، وتهديد المبدع أو المفكر بالكلمات والاتهامات التي تتحول إلى ما يشبه الرصاص، والتي يقصد بها الاستئصال المعنوي. ويتصاعد الأمر إلى الاعتداء الجسدي الذي تتعدد أشكاله إلى أن يصل إلى درجة التصفية الجسدية، كما حدث للكاتب فرج فودة في مصر، والمبدع عبد القادر علولة في الجزائر. ولولا ارتعاشة يد الشاب الإرهابي الذي طعن نجيب محفوظ في رقبته كانت السكين الصدئة التي انغرست في الرقبة أنهت حياة نجيب محفوظ.

وللأسف فإن الأشكال الكلامية من قمع هذه الجماعات المتأسلمة اخترقت أجهزة إعلام الدولة، وبعض صحفها التي تحوّلت إلى صحف للتكسير.

وقد نجحت هذه الجماعات في خلق مناخ عام بين البسطاء الذين كانوا فريسة سهلة لأفكار هذه الجماعات، فازدادت عمليات الرقابة التي لم نكن نسمع عنها من قبل، كما يحدث الآن عندما نرى بعض عمال الطباعة ينصبون من أنفسهم رقباء على الأعمال التي يقومون بإعدادها للطبع، فيتوقفون عن العمل فيها، أو يبلغون عنها، أو يشنعون على أصحابها، الأمر الذي يزداد تأثيره السلبي عندما يكون المسؤول عن المطبعة (الحكومية في الغالب) ضعيفا خائفا، لا يريد أن يوقع نفسه في مشاكل.

وقد أدّى نجاح مجموعات التأسلم السياسي في اختراق أجهزة الدولة وبعض المؤسسات التشريعية والرقابية إلى كثرة الاستجوابات وطلبات الإحاطة المقدمة في مجلس الشعب ضد أعمال الإبداع والفكر، الأمر الذي يبرز المفارقة الدالة حول الكيفية التي يمكن أن تتحول بها المجالس النيابية المنوط بها الدفاع عن الحريات إلى مجالس لمراقبة الحريات والتضييق عليها. وتكرار طلبات الإحاطة والاستجواب حول أعمال الإبداع والفكر مسألة لها مغزاه المقترن باتساع أشكال القيود على الإبداع.

وقد أدّى ذلك كله – مع تضافر الشروط السياسية والاقتصادية والاجتماعية والدينية – إلى إشاعة مناخ معاد في تياره الغالب لحرية الفكر والإبداع. وانتقلت القيود القمعية من الأجهزة المادية إلى داخل المبدعين والمفكرين، فازداد دور الرقيب الداخلي الذي هو نتيجة طبيعية للرقيب الخارجي، يزداد بازدياده ويتناقص بتناقصه. ولذلك يتحدث عدد كبير من المفكرين والمبدعين عن الدور السلبي الذي يلعبه الرقيب الداخلي في عمليات إبداعهم وتفكيرهم، والنذير الذي ينبثق داخل كل واحد منهم إذا اقترب من المناطق المحظورة – وما أكثرها – فترتفع صفارات الإنذار الداخلي، كي لا يحدث للمفكر والمبدع ما حدث لغيره من اغتيال أو اعتداء أو سجن أو نفي.

ثانيًا:علاقة حرية التعبير بالرأي العام وباجهزة الإعلام

أرست وثيقة الاسكندرية العديد من الاسس العامة الا ان تطبيقها يتوقف على إصلاح أوضاع أجهزة الإعلام، بحيث تلعب العلانية والشفافية دورا مهما في طرق التعامل والاتصال بين الجماهير والسلطات التنفيذية. ففي غياب هذه الشفافية والعلانية يمكن أن تتفاقم الأمور وتحدث مجابهات بين السلطات التنفيذية والجماهير الشعبية بسبب انشغال المسئولين في السلطات التنفيذية في وضع ما يرونه من وجهة نظرهم دون الاهتمام بالرأي العام، أو إعطائه الأهمية التي يستحقها بوصفه العنصر الأساسي والمستفيد من أي من السياسات التي تقوم بها السلطات التنفيذية، وهو ما يمنع أيضا الجماهير من المشاركة أو الموافقة على ما يمس حياتها من قرارات. ولعل أفضل وسيلة لتجنب مثل هذه المواقف هي قيام السلطات التنفيذية بالإعلان عن سياساتها وقراراتها وخططها وشرحها بطريقة مبسطة للجماهير والإعلان عن الأسباب وراء هذه السياسات، وكذلك ما تنوي أن تقوم به السلطات التنفيذية في المستقبل، ويمكن أن تلعب وسائل الإعلام بكل أنواعها المقروءة والمسموعة والمرئية دورا أساسيا في هذا المجال إذا ما أحسن توظيفها حيث أنها يمكن أن تقوم بدور حاسم في إحداث التغييرات المطلوبة والإعداد لها، وذلك بالتعاون مع بعض المؤسسات الأخرى التي تهتم باستطلاعات الرأي العام وقياسه لمعرفة ردود الأفعال من قبل الجماهير تجاه السياسات التي تنوي السلطات التنفيذية القيام بها، ومن أجل إحداث التفاعل والتأثير المتبادل بين الأجهزة التنفيذية وبين البنيان الاجتماعي القائم في المجتمع.

ويتوقف قيام أجهزة الإعلام بدورها المطلوب وخاصة في العلاقات المتبادلة بين السلطات التنفيذية والجماهير إلى حد كبير على الموقف الذي تتخذه السلطات التنفيذية في طريقة تعاملها مع أجهزة الإعلام، وخصوصًا أن معظم أجهزة الإعلام في الدول النامية لاتزال تقع تحت سيطرة الأجهزة التنفيذية التي ليس لديها أية رغبة حقيقية في تحرير هذه الأجهزة من القيود أو السيطرة المفروضة على نشاطها.

تعتبر معظم أجهزة الإعلام في الدول النامية أجهزة تابعة مباشرة للحكومات، وتعتبر أيضا بمثابة متحدث رسمي باسمها، ولذلك فهي تعبر عن موقف الحكومات والمسئولين فحسب، وذلك من غير أن تؤدي مهمتها المباشرة في التعبير عن مصالح الجماهير وهو ما يزيد من مدى التفاوت في الفهم والتجاوب بين الجماهير والمسئولين عن السلطات التنفيذية.

إن حق الشعوب في المعرفة لا يقتصر فقط على تلقي المعلومات، وإنما يمتد حقها الطبيعي ليشمل آلية أخرى تتعلق بحقها في المشاركة الإيجابية في وضع الآراء، ولكن تحقيق المشاركة والتفاعل لا يمكن أن يتم في ظل أجهزة إعلام تمتلكها الحكومات، وتكون ملزمة بما يصدر إليها من تعليمات أو قرارات تحد من دورها الإيجابي في التعامل مع السياسات أو القرارات الصادرة من السلطات التنفيذية. وهي قرارات وتعليمات تتخطى الأصل من خلال الاجتهاد والتفسير، الأمر الذي ينتج في النهاية عدم وضوح أو تفسير مقنع للجماهير، كما يؤدي إلى حجب تفاصيل المعلومات، والنتيجة هي فقدان الثقة، وفي بعض الأحيان الصدام، أو عدم الاهتمام أو اللامبالاة، أو أي أشكال أخرى من المقاومة التي تؤدي إلى اتساع الهوة بين الجماهير والسلطات التنفيذية، ومن ثم تعقد الأمور واختلاطها في العلاقة ما بين الجماهير والسلطات التنفيذية.

يحدث حاليا في معظم الحالات أن تغطية وسائل الإعلام المملوكة من قبل السلطات التنفيذية لما تقوم به الحكومات تقترن بالكثير من الحذف أو الاختيار أو الاستخلاص أو التضخيم أو التقليل لبعض مدلولاته أو إهمال مقصود لبعض عناصره، التي تهم الجماهير، مما يؤدي إلى أن يظهر الإعلام بصورة مصبوغة بنوع من التحيز أو التشويه أو التزييف أو التحريف. وقد يأخذ الإعلام صورة متعمدة من جانب القائمين على توصيل رسالته في اتجاه واحد، يقترن بالسيطرة والاحتكار الذي يقضي على أي إمكانية للمشاركة.

إن الوظيفة الرئيسية لوسائل الإعلام هي مثل ما يقوم به الطبيب من تشخيص لتوضيح الحقائق ووضع خطة للعلاج وهو نفس الشيء الذي ينطبق على وسائل الإعلام من ضرورة إتاحة المناخ الملائم لاستنباط الحقائق من خلال ما تقوم به من عرض وتحليل، كما تتطلب وظيفتها أيضا الاهتمام بالمتابعة والتفاعل مع الجماهير على اعتبار أن وسائل الإعلام من أهم الوسائل التي يمكن أن يعتمد عليها في التعبير. ولذلك فإن استقلالية أجهزة الإعلام عن الدولة يساعد على تمكينها من القيام بدورها دون تأثير أو ضغوط أو سيطرة أو رقابة من أي جهة وهو الأمر الذي يقتضي ضرورة مراجعة قوانين الإعلام والصحافة، وأن يكون الأساس في عمل أجهزة الإعلام يتلخص في ضرورة جمع المعلومات ونشرها على أساس عقد اجتماعي بين السلطات التنفيذية والجماهير ويهدف إلى الوفاء بالحاجات التي تتطلبها حياة الجماعة والمجتمع.

ولكن هذه الاستقلالية لا يمكن أن تتحقق في ظل النظم المعمول بها في وطننا العربي، حيث تتبع أجهزة الإعلام الحكومات بشكل مباشر أو غير مباشر ويعين رؤساؤها من قبل السلطات التي تتولى المساءلة والمراقبة، الأمر الذي يغلق دائرة الفعالية ويجعل من هذه الأجهزة مجرد أبواق لا تؤدي وظائفها الحقيقية، وتنتهي إلى حال يسهم في تأخر عمليات الإصلاح فيها وفي غيرها.

ثالثًا: حرية التعبير في إطار التشريعات والمواثيق الدولية:

ينص العهد الدولي في مادته التاسعة عشر على أن لكل إنسان الحق في اعتناق ما يراه من آراء دون التعرض لأي مضايقة. ويشمل ذلك حرية التعبير والحصول على المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها سواء في شكلها المكتوب أو المطبوع أو المسموع أو المرئي أو الفني وما يتبع ذلك من واجبات ومسئوليات، وبذلك يكون العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية ميثاقا دوليا يضع أطرا عامة، تحكم العلاقة بين الفرد والهيكل التنفيذي في المجتمع بما يحقق الحماية لحقوق الفرد في التمتع بحرية التعبير والرأي والاتصال، ولقد وقعت الكثير من الدول على العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية إلا أن الكثير من القوانين المحلية لا تتوافق مع بنوده، ومن أمثلة ذلك بعض مواد القانون المصري مثل قانون العقوبات أو تنظيم الجامعات أو قانون الصحافة والقوانين المنظمة للمطبوعات وقانون العمل الموحد وقانون تنظيم الأزهر، وكلها لا تتوافق مع المبادئ والأطر العامة التي أقرها العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، وذلك بالرغم من أن العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية يهدف إلى الإقرار بالحقوق المتساوية، كما يشكل أساسا للحرية والعدل والسلام في العالم، وسبيلا لتهيئة الظروف لتمكين كل إنسان من التمتع بحقوقه المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ولذلك فإن الدول التي صدقت على هذا العهد وانضمت إليه يجب أن تتخذ الإجراءات التي تضمن تمتع أفرادها بالحقوق المقترنة به، الأمر الذي يستوجب إعادة النظر في الكثير من القوانين والتشريعات لتنقيتها من المواد والنقاط التي تتناقض مع الأطر العامة التي وضعها العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، أو لإضافة مواد ونقاط تعزز الحقوق والحريات التي يؤكد عليها العهد الدولي. كما أن هناك مواد كثيرة من الدستور المصري تتوافق مع هذا العهد، فالدستور ينص صراحة في المادة رقم ٤٨ على أن حرية الصحافة والطباعة والنشر ووسائل الإعلام مكفولة والرقابة محظورة، وإنذارالصحف أو وقفها أو إلغاؤها بالطريق الإداري محظور، ويجوز الاستثناء في حالة الطوارئ أو حالة الحرب أن يفرض على الصحف والمطبوعات ووسائل الإعلام رقابة محدودة في الأمور التي تتصل بالسلامة العامة أو أغراض الأمن القومي. ولكن هذه المادة تتناقض عمليًا وعدد من القوانين مثل قانون تنظيم العمل بالجامعات رقم ٥٨ لسنة ١٩٤٩ والقانون رقم ٩٦ لسنة ١٩٩٦ بشأن سلطة الصحافة والقانون رقم ٢٠ لسنة ١٩٣٦ بشأن المطبوعات وقانون العقوبات رقم ٥٨ لسنة ١٩٣٧ وتعديلاته وقانون العمل الموحد رقم ١٢ لسنة ٢٠٠٣ والقانون رقم ١٠٣ لسنة ١٩٦١ الخاص بتنظيم الأزهر. وكلها تتعارض صراحة مع مبادئ العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، الأمر الذي يعد إخلالا بالتزامات السلطات التنفيذية التي صدقت عليها.

ومن الأهمية بمكان مناقشة التناقضات بين مواد ونصوص العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية وما جاء في بعض الدساتير، مثل الدستور المصري والقوانين التنفيذية المصرية فيما يتعلق بحق حرية الرأي والتعبير والاتصال لتوضيح أن هذه القوانين تخضع لبعض القيود التي تحد من تحقيق مبادئ حرية التعبير وبالتالي من النطاق الفعلي لحرية الأفراد، فهي قيود تتضمن الكثير من الانتهاكات الصريحة من بعض الأفراد في اعتناق الأفكار والتعبير عنها. ومن أهم مظاهر التقييد في ممارسة حرية الرأي والتعبير في مجال قوانين الصحافة في مصر ما يلي:

•  الأشخاص الطبيعيون محرومون من حقهم في إصدار الصحف أو تملكها، وذلك لأن المشرع قد وضع ضرورة الالتزام بنظام الترخيص المسبق في إصدار الصحف، ولم يكتفِ بالإخطار ولكن ربطه بموافقة المجلس الأعلى للصحافة، كما أعطي لهذا المجلس سلطة الوصاية والإشراف والرقابة على الصحفيين ومؤسساتهم من خلال حق المجلس في إبداء الرأي في كافة المشروعات المتعلقة بقوانين الصحافة وتحديد مستلزمات إصدار الصحف وتحديد حصص الورق لدور الصحف وتحديد أسعارها. بالإضافة إلى إصدار ما يطلق عليه اسم ميثاق الشرف الصحفي، والنظر في الشكاوى ضد الصحف والصحفيين، مع العلم بأن المجلس الأعلى للصحافة يتم تشكيله عن طريق التعيين وهو ما يحيل الصحافة وسلطاتها إلى جهاز تابع للسلطات التنفيذية، كما يجعلها تتحكم في شئون الصحافة وتؤثر بالتالي على حرية الرأي والتعبير.

•  ينطبق الأمر نفسه على القوانين المنظمة للمطبوعات، وهي القوانين التي تقيد كلها تداول الصحف أو المطبوعات، حيث يجوز للسلطات التنفيذية منع وتداول أي مطبوعات تصدر عن الخارج، وكذلك منع إعادة طبعها أو نشرها أو تداولها، وكذلك الحق في منع أعداد معينة من الصحف التي تصدر في الخارج من الدخول أو التداول أو الحق في تعطيل الصحف لمدد معينة أو إلغاء الصحيفة.

•  ومن القوانين التي تتعارض مع ضمان حرية الرأي والتعبير ما تنص عليه بعض القوانين، مثل قانون العقوبات من توقيع العقوبة لمن أهان بالإشارة أو القول...الخ دون تحديد لمعنى كلمة الإهانة، أو تعريف دقيق لما يقصد بالإهانة، مما يؤدي حتما إلى التوسع في توقيع العقوبات في ظل هذه القوانين الفضفاضة غير المحددة وهو ما ينطبق أيضا على القوانين الخاصة بموضوعات نشر الأخبار أو البيانات أو الإشاعات.

•  يعتبر الإضراب بالنسبة للقوانين المنظمة للعمل أحد أشكال ووسائل التعبير عن المطالب، ورغم أن قانون العمل ينص على الحق في الإضراب إلا أنه يحيطه بالقيود حيث جعل اختصاص حق الإضراب وتقريره حقا من حقوق التعبير الذي يدخل في اختصاص النقابة العامة وليس اللجنة النقابية أو العمال أنفسهم وضرورة موافقة مجلس النقابة بأغلبية ثلثي الأعضاء على الإضراب، بالإضافة إلى تحديد فترة الإضراب، كما يحرم القانون الإضراب في المنشآت ذات الصلة بالأمن القومي، وهو الأمر الذي يتسم بالعمومية.

•  توجد قوتان تتجاذبان التأثير والرأي حول قانونية بسط رقابة مؤسسة الأزهر على وسائل الإبداع الفني والسمعي والبصري، حيث يوجد تيار محافظ يرى أن للأزهر ولاية على كل ما يخص الشأن الديني والعقيدة وتيار آخر لا يرى ذلك. وظل الأمر كذلك حتى أصدر مجلس الدولة عام ١٩٩٤ ما ينص على أن الأزهر هو وحده صاحب الرأي الملزم لوزارة الثقافة وأجهزتها في تقرير الشأن الإسلامي عند الترخيص أو الرفض بالنسبة للمصنفات السمعية والبصرية والفنية، اعتمادا على أن إدارة الرقابة على المصنفات الفنية تستند إلى تقارير مجمع البحوث الإسلامية التابع لمؤسسة الأزهر في منح الترخيص أو منعه. وهو ما يتناقض في موضوع حرية الرأي والتعبير مع مواد الدستور في المادة ٤٨. وقد أضيف إلى ذلك مؤخرا إعطاء وزير العدل حق الضبطية القضائية لعدد من رجال مجمع البحوث الإسلامية لمصادرة ما يخالف رأيهم في المطبوعات المتصلة بالقرآن الكريم والسنة النبوية، وقد توسع المجمع فورا في هذا الحق وأصدر قرارات بتحريم كتب أخرى لا تتعلق بالقرآن والسنة ومنها رواية صدرت منذ عشرين عاما، الأمر الذي يمثل خطورة فادحة على حرية الرأي وإطلاق العنان للسلطة الدينية كي تحد من حرية الرأي والإبداع.

رابعًا: حرية التعبير ووسائط الاتصال الحديثة وحقوق الملكية الفكرية ودور المكتبات:

• شبكة الإنترنت:

إن وجود الأقمار الصناعية والقنوات المفتوحة عبر الحدود يساعد على نقل الأفكار والمعلومات دون قيود، كما يمكن الحصول عليها من خلال أجهزة الكومبيوتر وعلى مواقع الإنترنت دون أية تكاليف أو تكاليف قليلة ، يضاف إلى ذلك أن وجود البريد الإلكتروني يساعد على نقل المعلومات والأفكار والتعبير عن الرأي بصورة سهلة وسريعة والوصول إلى عدد كبير من الأفراد دون أية رقابة أو تدخل.

وتعد شبكة الإنترنت من وسائل المعرفة المرئية، حيث يمكن من خلالها تقديم الفكر والرأي والخبر بصورة أسرع ولأكبر عدد من الجمهور، كما أن هناك صورا عديدة يمكن من خلالها التعبير عن الرأي من خلال شبكات الإنترنت في إطار مجلة أو جريدة أو غرف الدردشة الإلكترونية أو البريد الإلكتروني الموجه إلى قطاعات معينة، كما يمكن من خلال هذه الشبكات أن يتبادل الأفراد الرأي، وهو ما أصبح حاليا حقًا من حقوق الجماهير في أن تمارس وتتمتع بالحصول على الخيارات التي تدعم المعرفة، ولا يمكن أن يتحقق ذلك الأمر من خلال المعلومات التي تفتقد المصداقية والتنوع، خصوصًا بعد أن ألغت وسائل الاتصالات الحديثة كل الحواجز القديمة وبطريقة لا يمكن التنبؤ بمدى الحدود التي سوف تتجاوزها هذه الوسائل لدرجة أن معظم السلطات التنفيذية في مختلف الدول تواجه صعوبات في قدرتها على التحكم في المعلومات التي يمكن أن تتجاوز الحدود لكل دولة، وتعتقد معظم المنظمات المدافعة عن حرية الرأي والتعبير أن حرية الأفراد في المعرفة والتعبير تفوق حرية الدولة أو أي مؤسسات أخرى، وفي ظل الحرية والديمقراطية وانتشار الوسائل الحديثة في الاتصالات.

يعتبر الإنترنت منتدى قويا وإيجابيا لحرية التعبير، فهو المكان الذي يمكن فيه لأي فرد أن يصبح له صوت يُسمع صداه في مناطق أبعد من حدوده المكانية التقليدية. ولذلك رأت دول كثيرة -ومن ضمنها الولايات المتحدة - أن من يستخدم الإنترنت والناشرين على الإنترنت، يضاف إلى ذلك المكتبات والباحثين ومنظمات حرية التعبير والمؤسسات الصحفية، لهم هدف مشترك يتعارض مع استخدام أي تقنيات أو مقاييس من شأنها أن تحد من الانفتاح على شبكة الإنترنت أو القدرة على التواصل كوسيلة من وسائل الاتصال أو التعبير، وإن أي تحديد لها يتعارض مع مبادئ حرية التعبير.

وبهذا تكون حرية التعبير من خلال الإنترنت متاحة لكل الأفراد، وبواسطتها يستطيعون ممارسة حقوقهم السياسية في ظل الحقوق الأساسية الأخري مثل الاجتماع. وهي الحقوق التي تعد أساساً لدائرة أوسع من التمتع بكل الحقوق السياسية والمدنية مهما كانت مثيرة للجدل. وبسبب وجود الفضاءات العامة التي تتيح كل الحريات، فإن مفهوم تطبيق القواعد أو ممارسة الرقابة على الرأي والتعبير أصبح أمرا في منتهى الصعوبة، لأنه في ظل الفضاءات العامة والمفتوحة أصبحت المعلومات متاحة مباشرة لكل الأفراد، وأصبح لهم الآن القدرة على النفاذ إلى أي فضاء للتعبير عن آرائهم، مما يجعل النظم والقوانين المعمول بها في هذا الصدد قد تم تجاوزها بالفعل، وأصبحت غير ذات موضوع، وينبغي إلغاؤها لتتسق مع تطورات العصر من ناحية ولتكتسب تشريعاتنا مصداقية وتوافقا مع العهود الدولية من ناحية أخرى.

•  حقوق الملكية الفكرية

تعتبر الملكية الفكرية أحد النظم التي تحمي الإبداع وتشجعه لأنها بمثابة المحرك لحرية التعبير، إلا أن هناك بعض الآراء تقول إن حقوق الملكية الفكرية متناقضة مع الحرية الفكرية إلى جانب أنها تحد من حق الجمهور في المشاركة في الأعمال والاستمتاع بها ونقدها ومحاكاتها وبناء أعمال جديدة حولها، وهو الأمر الذي أدى إلى ضرورة إحداث توازن، بين ما يحث على مكافأة الإبداع من خلال نظام حماية الملكية الفكرية وبين الفائدة التي تقع على المجتمع واهتمام المجتمع المتزايد بالتدفق الحر للأفكار والمعلومات، ومن أهم الأفكار التي يمكن من خلالها تحقيق التوازن ضرورة وجود صمامات أمان لضمان حرية التعبير في نظام حماية الملكية الفكرية، وهذه الصمامات هي: الثنائية بين الفكرة والتعبير، ومفهوم إتاحة الاستخدام العادل، إلا أنه ومع توافر وسائل الاتصال الالكترونية، وبخاصة شبكة الانترنت، أدى ذلك إلى نشأة المعارك فيما يخص الملفات التي يسمح لأكثر من شخص أن يستخدمها على شبكة الانترنت وهي ملفات الكتب والأفلام والموسيقى والبرامج التي يتنافى استخدامها مع حقوق الملكية الفكرية في رأى البعض.

وحول حقوق الطبع والنشر والملكية الفكرية ،تؤكد القوانين ضرورة تأكيد حقوق الملكية الفكرية من خلال الاستغلال المحدود. وهو الأمر الذي لا يتعارض مع حرية التعبير وحرية المعلومات ومن بينها الحرية في تكوين الآراء وتلقي المعلومات والأفكار وبثها إلا أن أي عمل تحميه حقوق الملكية الفكرية يحتوي، ولو بقدر قليل، على معلومات وأفكار وهو ما يؤدي إلى الصراع بين حقوق الملكية وحرية التعبير على اعتبار أن حقوق المؤلف وحقوق الملكية الفكرية حقوق طبيعة لا تحدها حدود، وتعكس العلاقة المقدسة بين الكاتب وإبداعه، وفي نفس الوقت نجد أن عدداً كبيراً من المعاهدات والمواثيق الدولية تنص على الاستمتاع بحرية التعبير والمعلومات، ومن بينها الحق في تكوين الآراء، وكذلك توزيع ونشر وتلقي المعلومات بدون تدخل وكذلك تبادل الحقائق والأخبار والمعرفة والمعلومات العلمية.

كذلك يرى الكثيرون أن الحجج المؤيدة لحرية التعبير لا تنجح في مواجهة دعاوى حقوق الملكية الفكرية التي تهدف بطريقة أو بأخرى إلي منع الخطاب السياسي واحتواء الحرية الصحفية والفنية والحد من نشر المعلومات أو سد الطريق على أشكال أخرى من الخطاب العام.

وعلى هذا فإن العلاقة بين قانون الملكية الفكرية والرقابة من أقدم العلاقات التي عرفها القانونيون في العصر الحديث، فالعلاقة بين سلطة الدولة على ما تم نشره في مقابل تطبيق الاحتكار تمثل جدلاً قديماً قدم ظهور الطباعة، ومعظم السلطات التنفيذية في مختلف البلاد تعطي لنفسها السلطة لفحص ما ينشر أو يطبع بحثاً عن الأفكار الخطيرة أو غير المقبولة.

ولقد توسعت السلطات التنفيذية في نشر الرقابة من خلال الاحتماء في عباءة حماية الملكية الفردية وهي الرقابة والتي تمتد حالياً إلي الملكية الفكرية الرقمية التي تحاول جماعات المصالح أن تطورها لتحمي مؤسسات ومؤلفات كثيرة، ومن أهمها برامج الكمبيوتر أو الموسيقى والترفيه وغير ذلك مما يحاول المدافعون عن حماية الملكية الفكرية الإلحاح عليه، ويتضمن ذلك تجريد كل شبكات الإنترنت من أي معلومات تحتوي عليها، على اعتبار أنها انتهاك لحقوق الملكية الفكرية والتي يمكن حمايتها بصورة أفضل من خلال حشد كل الإمكانيات القانونية والمصادر السياسية للتخلص من الرقابة على المعلومات أو التعبير.

•  المكتبات

من حق كل فرد التمتع بحق أساسي، في الوصول إلى جميع صور المعرفة والإبداع والنشاط الفكري. وتقع مسئولية الوصول إلى كل صور المعرفة على المكتبات التي من أهم وظائفها الوصول إلى جميع صور المعرفة والآراء والنشاط الفكري والإبداعي في جميع الفترات التاريخية وحتى الحقبة المعاصرة، ويتضمن ذلك ما قد يعده البعض غير تقليدي أو غير مرغوب فيه أو غير مقبول، أو غير أصولي، ولتحقيق ذلك يجب على المكتبات أن تقتني عن طريق الشراء أو اتفاقات المشاركة أكبر قدر متنوع وممكن من المواد التي تسهل الحصول على المعرفة بكل أشكالها وأنواعها.

منظمات تتبنى الدفاع عن حرية التعبير

١- المنظمة العربية لحرية الصحافة:

تهدف هذه المنظمة إلى تبصير الناس بحقوقهم في حرية التعبير، وتعمل بالتعاون مع منظمات أخرى مشابهة من أجل رفع المعاناة عن هؤلاء الذين يدافعون عن قضية حرية التعبير في العالم العربي. وكانت الفكرة وراء إنشاء هذه المنظمة تتمثل في إنشاء منظمة مستقلة تساعد الصحفيين العرب والمؤسسات الإعلامية على المحافظة على حرية التعبير، على اعتبار أن حرية التعبير تواجه موقفا صعبا في العالم العربي.

وتعمل المنظمة العربية لمراقبة حرية الصحافة بصورة دقيقة لتسجيل جميع الأحداث والمواقف التي يحدث فيها انتهاك لحرية الصحافة واستقلالها. وتتلخص أهداف هذه المنظمة في النقاط التالية:

  • الترويج لمفهوم حرية التعبير والأسس الضرورية لتكوين صحافة حرة مستقلة.
  • العمل على إزالة جميع القواعد المقيدة لحرية الصحافة والترويج لوضع نظام قانوني حر للإعلام لضمان تحقيق حرية التعبير.
  • مراقبة الممارسات المضادة لحرية الصحافة في العالم العربي والقيام بحملات لمعارضتها.
  • مساندة الصحفيين والنقابات ضد جميع أنواع القمع الحكومي، والعمل على تحرير الصحفيين والنقابات من الضغط الحكومي.
  • تقديم العون سواء كان مهنيا أو قانونيا أو إنسانيا للصحفيين في حالة تعرضهم لانتهاكات حرية التعبير.

وتعمل المنظمة العربية لمراقبة حرية الصحافة على تحقيق أهدافها عن طريق:

  • عقد اجتماعات ومناظرات ودورات تدريبية لتبصير الصحفيين وغيرهم بمبادئ حرية التعبير.
  • مراقبة انتهاكات حرية التعبير في البلدان العربية وعمل حملات مضادة للانتهاكات والدفاع عن مبدأ حرية التعبير.
  • نشر صحيفة دورية تحمل أخبار أنشطة المنظمة، وسجل سنوي لحرية التعبير في العالم العربي.
  • التواصل مع الصحفيين وجميع الأفراد المعنيين من جميع أنحاء العالم من خلال موقع إلكتروني للترويج لأهداف المنظمة.
  • الإصلاح القانوني الخاص بالتشريعات الصحفية وتقديم اقتراحات بتشريعات جديدة تحقق إطارا قانونيا إيجابيا يضمن حرية التعبير.
  • حضور محاكمات الصحفيين العرب في الحالات المتعلقة بحرية التعبير.
  • بناء شبكة من الاتصالات في جميع أنحاء العالم العربي، تضم رؤساء النقابات والمحامين وأعضاء البرلمانات والشخصيات العامة من المهتمين بالنضال من أجل الدفاع عن حرية التعبير.
  • العمل بالتعاون مع اتحاد المحامين العرب واتحاد الصحفيين العرب والمنظمة العربية لحقوق الإنسان والمنظمات العربية والدولية المهتمة بالترويج لقيم الديمقراطية وحقوق الإنسان وحرية التعبير.

٢- المنظمة العربية لحقوق الإنسان:

تضع المنظمة العربية لحقوق الإنسان منذ تأسيسها قبل أكثر من عشرين عاماً حرية الرأي والتعبير على رأس اهتماماتها وجدول أعمالها، وتمثل بؤرة اهتمامها بحكم تأثيرها على إعمال غيرها من الحقوق والحريات.

وقد أكد دستور المنظمة (النظام الأساسي) على واجب المنظمة في التصدي لأي انتهاك لحرية الرأي والتعبير أياً كانت أسبابه أو مبرراته، واعتبر أي موقوف أو معتقل أو محكوم عليه بسبب ممارسته لحريته في إبداء الرأي والتعبير سجين رأي يجب مساندته والدفاع عنه لحين إطلاقه.

وفي سبيل تحقيق هذا الهدف تمارس المنظمة أشكالاً عديدة من الأنشطة الرامية إلى تعزيز حرية الرأى والتعبير، والدفاع عن النشطاء ومن نماذج ذلك.

  • تنظيم الندوات وقد بدأت المنظمة نشاطها فى هذا المجال بندوة إقليمية واسعة فى عام ١٩٨٧ حول الإعلام والتعليم والتوثيق فى مجال حقوق الإنسان بالتعاون مع منظمة اليونسكو واتحاد المحامين العرب فى القاهرة، وتابعت عقد الندوات والحلقات البحثية، وآخرها ندوة بعنوان "الإعلام وحقوق الإنسان" فى عام ٢٠٠٣ بالتعاون مع اتحاد الصحفيين العرب، وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، ومكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان.
  • متابعة إعمال الحق فى حرية الرأى والتعبير فى التشريع والممارسة على الساحة العربية عبر إصداراتها الدورية (التقرير السنوى-المجلة البحثية-النشرة الإخبارية-البيانات..).
  • إصدار الكتب وغيرها من المطبوعات لتعزيز احترام هذا الحق، ومن النماذج البارزة فى ذلك تنظيم مسابقة حول الكاريكاتور وحقوق الإنسان، وإصدار كتاب باللوحات الفائزة.
  • الدفاع عن الصحفيين والإعلاميين ونشطاء حقوق الإنسان بكافة الوسائل، ومن ذلك توكيل محاميين للاشتراك فى الدفاع فى محاكمات الرأى، وإيفاد بعثات لتقصى الحقائق منفردة، أو بالاشتراك مع هيئات مماثلة و التضامن والتنسيق مع نقابات الصحفيين لحماية وتعزيز حرية الرأى والتعبير والإلحاح على إزالة العقوبات السالبة للحريات فى قضايا الرأى والنشر.
  • المشاركة فى تنظيم دورات تدريبية للصحفيين بالتعاون مع المعهد العربي لحقوق الإنسان، واتحاد الصحفيين العرب، والمساهمة فى الدورات التدريبية المتخصصة التى تعقدها بعض الحكومات فى هذا الشأن.
  • تنظيم الحملات من أجل الدفاع عن النشطاء، ومن أبرز نماذجها، إطلاق حملة موسعة بعنوان"من أجل وطن خال من سجناء الرأى". هدفت إلى إطلاق سراح كل سجناء الرأى على الساحة العربية.
  • وتعطى المنظمة اهتماما خاصا لحماية الإعلاميين فى النزاعات المسلحة وركزت فى السنوات الأخيرة على ما تعرض له الإعلاميون العرب والأجانب فى فلسطين والعراق، كما تحرص على التضامن مع وسائل الإعلام العربية التى تتعرض لضغوط متزايدة من الخارج والداخل خلال السنوات الأخيرة.

* * *

 
 
 
 
الفعاليات الحالية
الفعاليات القادمة
الأرشيف
الإصدارات

منتدى الإصلاح العربى

 

منتدى الحوار

 
 
 
منتدى الإصلاح العربي - حقوق الطبع محفوظة ٢٠٠٤ ©