الأخبار  

 
  أبريل ٢٠٠٤  

مقالة جريدة الأهرام حول مؤتمر قضايا الإصلاح وتأجيل القمة العربية بتونس

نشرت جريدة "الأهرام" مقالا بتاريخ ٣/٤/٢٠٠٤ حول مؤتمر قضايا الإصلاح وتأجيل القمة العربية التي كان من المقرر عقدها في تونس. وفيما يلي نص المقال :

وثيقة الإسكندرية ومصداقية المجتمع المدني العربي

قامت الإدارة السياسية في الجمهورية التونسية بإعلان تأجيل القمة العربية مما أوحى بإخفاق وزراء الخارجية العرب على الاتفاق عشية وصول الملوك والرؤساء العرب للاجتماع، أدى ذلك إلى مضاعفة الإحساس بخيبة الأمل، خاصة بعد أن قامت منظمات المجتمع المدني العربي والجمعيات الأهلية والمثقفون والعلماء والأكاديميون في اجتماع مكتبة الإسكندرية، بإصدار وثيقة الإسكندرية حيث عبرت بكل وضوح عن الآمال الحقيقية للمجتمعات العربية في الإصلاح، وحيث قام هذا المؤتمر تحت رعاية السيد الرئيس حسني مبارك رئيس جمهورية مصر العربية، كما قام بافتتاحه دون تدخل في أعماله رغبة من سيادته في التعبير عن مساندته الجادة لقضايا الإصلاح في مصر والوطن العربي ورغبة منه في التعرف على آراء واقتراحات أصحاب الفكر والخبرة من مختلف الأعمار والاستماع إلى الآراء البناءة التي تبغي المصلحة العليا.

الأكثر من ذلك ومنذ صدرت وثيقة الإسكندرية دارت حولها مناقشات ومحاورات وتحليلات كانت كلها تأييد وتأهيل إلى أن تصبح الوثيقة أساسا يمكن أي يحمله الرئيس حسني مبارك إلى الملوك والرؤساء العرب لمناقشته والأخذ منه بما يتناسب مع كل دولة، لكن خيبة الأمل التي عبر عنها تأجيل اجتماع الملوك والرؤساء في وقت تعتبر الأمة العربية – ممثلة في كل أجهزتها – في أشد الأوقات احتياجا أكثر من أي وقت مضى بالانشغال والتأكيد على الرغبة في الإنصات إلى أصوات الأمة ممثلة فيما صدر عن وثيقة الإسكندرية والتركيز على وضع الآليات المناسبة لكل دولة عربية والتي يمكن من خلالها تنفيذ الإصلاح وخاصة أنه قد صدرت أصوات عالية من الخارج تبدوأنها تفكر من أجلنا أوبالنيابة عنا وهوما لا يمكن قبوله حيث إن مصالحنا كما عبرت عنها وثيقة الإسكندرية تؤكد بكل وضوح أننا قادرون على التفكير لأنفسنا، إلا أنه - وكما يبدو– فإن الإدارات التنفيذية في بعض الدول العربية لم تدرك تماما أهمية الرؤية التي عبرت عنها وثيقة الإسكندرية وضرورة حدوث التغيير والإصلاح النابع من داخلنا، ولقد قامت مصر وغيرها من الدول العربية خلال السنة الماضية بمبادرات قدمتها في اجتماعات الإسكندرية واجتماع صنعاء واجتماع الرياض واجتماع العقبة وكلها تؤكد على أن هناك إدراك عربي نابع من الأمة العربية قادر على مناقشة الحلول وبدائل الحلول من أجل تحقيق الإصلاح، وكذلك توظيف كل الإمكانيات العربية التي تعبر عن وجود الأمة العربية داخل متغيرات إقليمية وعالمية، وإن الظروف التي تمر بها الأمة العربية حاليا تختلف عن كثير من الظروف والمعطيات السابقة. وهوما أوضحته بكل جلاء وثيقة الإسكندرية.

وكان الاتفاق واضحا من منظمات المجتمع المدني في الإسكندرية على أن الإصلاح والتغيير ممكن سواء كان هذا التغيير سوف يكون نابعا من بعض الدول العربية منفردة أومجتمعة من أجل مستقبل أفضل، وإن المفكرين وأصحاب المصلحة المدنية في الأمة العربية يدركون بكل وضوح متطلبات الإصلاح والتغيير دون الدخول في أية مزايدات لن يكون لها أية تداعيات غير إبراز أن الرأي العام العربي ممثلا في إدارته التنفيذية غير قادر وحده على تحمل مسئولية التحديات الحالية التي تواجهها الأمة العربية، إلا أن آليات التشاور والتعاون والتنسيق بين الإدارات التنفيذية في الدول العربية تثبت كل يوم أنها غير قادرة على ما قامت به المؤسسات غير الحكومية والمجتمع المدني في الدول العربية وهوما ذكره الدكتور إسماعيل سراج الدين قبل بداية مؤتمر الإصلاح العربي في مكتبة الإسكندرية بأننا لا يجب أن ننتظر تحرك الحكومات، وأضاف أن المجتمع المدني يمكنه أن يفتح الحوارات مع المسئولين في كل دولة حول الموضوعات الهامة والعمل على حلها جزءا جزءا وبالتالي بناء الإصلاح لبنة لبنة وهومنهج هادئ عُرف به الدكتور إسماعيل سراج الدين من خلال ما قام به من أعمال في تجارب عالمية مثل تجربة حركة البيئة العالمية والتي بدأت في ستوكهولم عام ١٩٧٢ وشارك فيها ثلاثة رؤساء فقط وتطورت في عام ١٩٩٢ ليشترك فيها ١١٤ رئيس دولة وحكومة وحتى أصبحت الآن قضية يؤمن ويهتم بها العالم كله، وهوأيضا ما حدث في قضية المياه والتي حضر منتداها الأول عام ١٩٩٧ خمسة وستون شخصا فقط لتتطور وليصبح عدد المشتركين فيها في عام ٢٠٠٣ في كيوتوفي اليابان عشرين ألف شخص.

إن الفهم المشترك الذي أظهره المجتمعون في مكتبة الإسكندرية للقضايا والتحديات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتي عبرت عنه وثيقة المؤتمر تعتبر آلية واضحة لتشجيع تبادل الرأي ومناقشة التحديات والتصدي لآليات التعاون، على نفس النهج في موضوع البيئة والمياه السابق الإشارة إليهما، وذلك على اعتبار أن المنظمات غير الحكومية والمجتمع المدني شريك فعال في اعتبارات الإصلاح ويتسم بالوضوح في رؤيته لآليات تنفيذه وبما يتفق مع ضرورة التطوير والتحديث والاندماج بين العالم العربي والأوضاع العالمية والتواصل مع التقدم السريع في مختلف أنحاء العالم.

إن المناقشات الجادة والمخلصة التي دارت في مناخ حر تثبت بكل وضوح أن الجهود المبذولة لمفكري الأمة العربية تستطيع أن تصوغ رؤى الإصلاح، وأن جوالحرية ومناخ الأمل والعطاء الذي ساد مؤتمر الإسكندرية أدى إلى تعظيم التواصل بين جميع المشتركين في المؤتمر من أجل بحث قضايا الإصلاح العربي من مختلف الوجوه. وإن ما أدركه المشتركون في مؤتمر الإسكندرية من الرغبة في إحداث التغيير والإصلاح عبر بوضوح عن إحساسهم بضرورة استثمار كافة الموارد المتاحة في الأمة العربية لتحقيق حاضر يستوعب معطيات العصر ويتعامل معها لرسم خطوط المستقبل الذي يستطيع فيه العالم العربي أن يتجاوب مع ما يستجد من معطيات وهوما يبدوفي رأيي ما غاب عن بعض القيادات التنفيذية في الدول العربية والذي أدى إلى ضياع الأمل بتأجيل القمة العربية في تونس. وأن ما يقوم به السيد الرئيس محمد حسني مبارك حاليا من محاولة إنقاذ الموقف والتشاور والعمل الدؤوب سوف يساعد كثيرا على تحقيق آمال الشعوب وخاصة وأن الأمة العربية أمام منعطف خطير وأوضاع لا تتحمل التأجيل، وخاصة ما تواجهه الأمة العربية حاليا من تحديات مثل الصراع العربي الإسرائيلي والأوضاع في العراق.

 
 
 
منتدى الإصلاح العربي - حقوق الطبع محفوظة ٢٠٠٤ ©