مؤتمر علمي بمكتبة الإسكندرية يناقش فكر الدكتور هشام شرابي

تاريخ النشر

نظمت مكتبة الإسكندرية بالاشتراك مع المركز المصري للتكوين المعرفي مؤتمر تحت عنوان "هشام شرابي وأزمة المجتمع العربي" يومي 27 و28 ديسمبر. رأس المؤتمر الدكتور سيد نفادى، وقد تحدث هشام شرابي في بداية المؤتمر عن أزمة الخطاب العلماني، حيث ذكر أننا نعيش اليوم حالة أزمة فى كل مجتمعات وأقطار الوطن العربي ، هذه الأزمة تتصاعد و تهدأ، تشتد وتخفت، لكن صفتها الأهم استمراريتها. ففى حالة الركود نعيش الأزمة حياة عادية، كل بمفرده فى غفلة عن حياته، ركضاð وراء العيش، أو الثراء أو المركز الاجتماعي. فقط عند احتدام الأزمة وتحولها إلى حالة غير عادية ، تصبح الأزمة اختبارا جماعيا يجمعنا لمجابهة وضع راهن يتوجب إصلاحه. ومن هذا المنظور، تظهر الأزمات الاجتماعية بكونها أسلوب التاريخ فى تغيير الواقع.

وتنعكس الأزمة عند احتدامها على وعى الطبقة المثقفة و المسيسة وتعبر عن نفسها على مستويين: على مستوى خطاب تحليلي نقدي ، وعلى مستوى حركات اجتماعية جديدة. ولا يمكن تجاوز هذه الأزمة و تحقيق التغيير الحقيقي الذي يتيحه التاريخ داخل المجتمع إلا بالتقاء المستويين. فمجرد النقد النظرى وما نطلق عليه الحركات الاجتماعية ( الاتحادات ، والجمعيات ، والنقابات ، و الأحزاب و قوى المجتمع المدنى كافة) عاجزان كل بمفرده عن تفعيل عملية التغيير فى بنية الواقع. فقط عندما يتجسد خطاب النقد الحضارى وكذا أنشطة الحركات الاجتماعية و فى أهدافها و ممارستها يصبح تجاوز الأزمة و إعادة بناء الصرح الاجتماعي مشروعا سياسيا فعليا.

وحتى زمن قريب شكلت الأزمات الحادة مفجر للتغيير الثورى . أما اليوم فهى مفجر لا ثورى لإمكانية تحقيق ترتيبات اجتماعية جديدة يتبلور مضمونها فى الخطاب النقدى العلمانى داخل العالم العربى و فى المهاجر العربية و يتركز حول ثلاث محاور رئيسة : الحداثة و الديمقراطية و المرأة، التى تلخص عملية التغيير الحضارى اجتماعيا و اقتصاديا و سياسيا. وتوقف هشام الشرابي لحظة عند دور المرأة الاستراتيجي فى عملية التغيير.

إن المرأة العربية في المجتمع الأبوى ، تمثل بغض النظر عن طبقتها الاجتماعية، حالة القمع و الاستغلال والحرمان التى يعانيها المجتمع ككل. لذا إذا كان لهذا المجتمع أن يتحرر بالفعل، لابد من وضع قضية تحرير المرأة على رأس أولويات عملية التغيير سياسياð و تنظيمياð، فى برامج و نشاطات الحركات الاجتماعية كافة.

ودار المؤتمر حول عدد من المحاور ، منها محور البنية الأبوية للمجتمع العربى وأزمة التقدم ، وشارك فى هذا المحور كل من الدكتور حسن حنفى بدراسة عن فكر هشام شرابى ، بينما طرح دكتور صلاح قنصوة الأزمة بين النص والتاريخ عند هشام شرابى وناقش الدكتور محمد السعيد المنهجية العلمية عند هشام شرابى. وأما الدكتور على مبروك فيتناول نقد المجتمع الأبوي والثقافة العربية عند هشام شرابى.

والمحور الثاني دار حول الرؤية النقدية عند هشام شرابى، وتحدث فيه كل من دكتور صلاح قنصوة عن اللغة عند هشام شرابى، والزواوى بقورة عن إشكالية اللغة عند هشام شرابى ، بينما خصص دكتور مزيان بن شرقى محاضرته عن اللغة ومركزية الحوار الأحادي فى الخطاب الأبوي.

ودار المحور الثالث من المؤتمر حول المثقفين العرب والغرب ، ويعد أهم المحاور التي تناقش فكر هشام شرابى حيث يطرح فيه الدكتور احمد عبد الحليم عطية صورة الغر ب عند شرابى ، وناقش الدكتور محمد عفيفى رؤيته لكتاب شرابى المثقفون والغرب. وحلل دكتور محمد خليل بداية الحركة الثقافية وأشكال التقدم عند شرابى، بينما قدم الدكتور ماهر محمد رؤية شرابى فى المثقفين العرب، وعرض دكتور هانى المرعشلى صورة المثقف عند هشام شرابى. وحول مشكلات المرأة والطفل فى فكر هشام شرابى، حيث تناول دكتور عصام الدين هلال تربية الطفل عند هشام شرابى، وعرض يعقوب الشارونى دور المعرفة فى تكوين عقلية الطفل ، وتحدث المفكر مهدى بندق عن هشام شرابى وما يتعلق بالمرأة العربية. وعرضت الدكتورة أماني الشرنوبى دور المرأة في المجتمعات الصحراوية.

تعود قيمة دكتور هشام شرابى كمفكر إلى مؤلفاته العديدة التي أثرت الساحة الفكرية العربية، أبرزها، مقدمات لدراسة المجتمع العربي، وقد طبع إلى الآن ست طبعات ، وهو يضم عدد من الدراسات منها بنية العائلة فى المجتمع العربى ، والوعى والتغيير، والإنسان العربي والتحدى الحضارى ، والتربية والتثقيف الاجتماعي. وكتاب النظام الأبوي وإشكالية تخلف المجتمع العربى، وقد طبع إلى الآن أربع طبعات ، وقد نشر لأول مرة بالإنجليزية فىعام 1988 فى جامعة اكسفورد ، ثم ترجمه إلى اللغة العربية محمود شريح.

ويتناول هذا الكتاب مفهوم الأبوية مع كونها تمثل السلطة ومنع تغيير البنية العربية التى يتجسد فيها المجتمع العربى خاصة على الصعيد الثقافى.

ويعد كتاب" المثقفون العرب والغرب" من أهم كتب شرابى حالياð، لكونه يتناول قضية حواريه يفتقدها الوطن العربى، طبع هذا الكتاب خمس طبعات، وهو يتناول بالتحليل هذه العلاقة فى الفترة من 1875 إلى 1914 .

ويرى شرابى فى هذا الكتاب أنه عندما نتفهم هذا الغرب ونتعرف عليه بالتجربة والمعاناة المباشرتين ، كما تفهمه وتعرف عليه الكثير من المثقفين العرب فى هذا الجيل ، لا نهابها ولا يطغى علينا ، فيصبح بإمكاننا فك الارتباط به والاستقلال عنه دون عزلة أو إلغائه. وفى نهاية المطاف لا مهرب لنا من الغرب إلا بمواجهته والتصدى له. خاصة أننا ما زلنا الطرف المهمش فى نظامه الجديد، وفى رأى شرابى فى هذا الكتاب أننا قادرون على النضال ضده والثبات فى وجهه إلى أن نتحرر من تبعيتنا له والى أن نقيم نظامنا العربي الحر المستقل. صدر لهشام شرابى العديد من الكتب الأخرى بالإنجليزية والعربية منها ، النقد الحضاري للمجتمع العربي فى القرن العشرين، السياسة والحكومات في الشرق الأوسط، الرحلة الأخيرة ، الجمر والرماد. وأصدر شرابى سيرته الذاتية فى كتاب عنوانه( صور الماضى) . وقد تعرض العديد من المفكرين لأعمال شرابى بالنقد والتحليل، لعل أبرزهم السيد ياسين، الذى رأى فى كتاب شرابى، مقدمات لدراسة المجتمع العربى، اقتراب مباشر من ارض الوطن، ورافد أساسى من روافد النقد الذاتي العربى. ويرى خالد النجار ، أننا نلمس فى كتابات هشام شرابى شهوة للتغيير ولكن ليس من خلال الحلم الأيديولوجي، وإنما عبر تفكيك آليات جملة من المفاهيم التي شدت الوعي العربي إلى بناة الوسطية والحداثة، هنا أنجز شرابى قطيعته ، مع من سبقة من معاصريه . ويرى الكاتب أسعد خير الله ، فى كتاب صور الماضي ، أنه من أرقى ما فى لغتنا ولغات العالم فناð وغوصاð في أعمال التجربة والفردية والإنسانية. كما لاقت أعمال شرابى اهتماما في الأوساط الثقافية الغربية، ففى السويد كتبت انيكا رابو فى مجلة السوسيولوجيا المعاصرة، ان هشام شرابى هو من الباحثين العرب الذين يعرفون الغرب ويتفهمونه كما يعرفون ويتفهمون الحضارات غير الغربية. وترى أنهم فى الغرب يحتاجون اليوم الى نظرة نقدية من الخارج تزيد من تفهمهم لأنفسهم. وفى مجلة الشؤون العربية الأمريكية، كتب غراهام فولر، أن هشام شرابى يدرك حجم التحدى الذى يواجه المجتمع العربى لكنه يؤكد على أن التغيرات اللازمة للنهوض به آتيه لا محالة. وتحتاج كتاباته من مقولات وطروحات ونظريات إلى دراسة متأنية وردود فعل فكرية جدية.

ولد الدكتور هشام شرابى فى يافا، وأمضى مراحل طفولته فى بيت جده فى عكا، ودراسته الأولى فى الفرندز ثم التحق بالانترناشيونال كولدج فى بيروت . تخرج من الجامعة الأمريكية فى بيروت سنة 1947، وهو يعمل حالياð أستاذاð لتاريخ الفكر الأوروبي الحديث فى جامعة جورج تاون فى واشنطن.


شارك