"نهر النيل وأسراره" محاضرة بمكتبة الإسكندرية

تاريخ النشر

الإسكندرية في 7 مارس 2005— حول "نهر النيل وأسراره"، نظم منتدى الحوار بمكتبة الإسكندرية مساء أمس 5 مارس، محاضرة تحدث فيها العالم الجيولوجي والمفكر السياسي الكبير الدكتور رشدي سعيد، والذي بدأ حديثه مشيراً إلى تاريخ مصر الذي يرجع إلى ما قبل خمسة آلاف سنة أي إلى نحو 3100 ق.م حين شهدت مصر ميلاد أول حضارة إنسانية في تاريخ البشرية نشأت على ضفاف نهر النيل واستمرت لأكثر من ألفي عام، حيث ساعد نهر النيل على تحول مصر إلى جنة خضراء، كما علّم المصريين بناء السفن الأمر الذي ساعد على ترابطهم، وأدى إلى التبادل التجاري، كما علمهم النيل أيضاً الزرع والحساب، والنظام، وشق الترع، وبناء الجسور وتشييد السدود. ولقد وجد المصريون القدماء في نيلهم المعلم، ومصدر الحياة الأولى، فعظموه وقدسوه، وعبدوه في شكل إله أسموه "حابى"، وأشار الدكتور رشدي أن المصريين القدماء تركوا لنا الكثير من النصوص التاريخية التي تدل على أهمية نهر النيل في حياتهم.

وأشار الدكتور رشدي أن عملية ولادة الحضارة على ضفتي نهر النيل لا تزال أمرا يكتنفه الغموض، ولم تسفر عمليات البحث عن أصول التحولات العظيمة في تاريخ الإنسان إلا عن أدلة مادية محدودة للغاية، والحضارة المصرية ليست استثناء من هذه القاعدة، وأن إدراكنا يقتصر بالفعل على لمحات صغيرة للغاية في مصر قبل ظهور الفراعنة. كما أشار إلى أن البناة الدءوبين للحضارة المصرية ظهروا بعد ألفي عام على الأقل من استقرار وتكاثر المزارعين على ضفتي النهر، وعلى مدي عشرين قرنا. حرثوا التربة الخصبة في وادي النيل والدلتا، ولكنهم لم يبدءوا حضارة.

يذكر الدكتور رشدي أن الدليل الأثري يكشف أن المناخ الجاف الذي يسود الصحراء الكبرى لشمال إفريقيا، والأراضي غرب النيل، في الوقت المعاصر، بدأ قبل 5 ألاف. وفي نفس الوقت بدأت الحضارة تنمو على ضفتي النهر، مما يعد إشارة للارتباط بين الحدثين. وقد أدى تغيير المناخ بشكل تدريجي إلى جلب جفاف قاحل إلى شمال شرق إفريقيا، مما حث هجرات بشرية جماعية في اتجاه النيل باعتباره المصدر الوحيد للمياه الذي يمكن الاعتماد عليه. وأكد الدكتور رشدي على انه أثناء السنوات الـ 2000 التي سبقت ظهور الفراعنة، طور المزارعون على ضفتي النهر "تقنية نهرية" متقدمة، وعاشوا في انسجام مع مد وجزر النهر، وقاسوا قوة الفيضانات السنوية، ورفعوا مياه النيل بطرق مبدعة، وحولوها عبر قنوات إلى حقولهم. وتركزت أفكارهم علي الأرض التي حرثوها بخبرة هائلة. وتكشف صور الرادار الملتقطة من الفضاء آثار قنوات وجداول وتيارات نهر قديم مطمورة أسفل الرمال، ويبلغ عرض هذا النهر الذي كان نشطا في عصر ما قبل التاريخ حوالي 20كيلومترا، وهي إشارة إلى كميات المياه الهائلة التي كانت تتدفق في الأزمان الرطبة التي دمرت بهذه المنطقة. كما تدل الصور على تغير مطرد في مسارات النهر ومناسيب مياهه.

وأوضح الدكتور رشدي خلال الندوة أنه حتى أوائل القرن العشرين كان النيل نهرا مصريا خالصا تتم دراسته ووضع خطط الاستفادة منه في وزارة الأشغال المصرية. وبعد إدخال زراعة القطن بالسودان تم اقتطاع جزء مما كان ينساب إلى مصر، ثم تم تحديده بعد اخذ وعطاء استمرا منذ توقيع اتفاقية 1929 وحتى سنة 1959 عندما تم توقيع اتفاقية في أعقاب بناء السد العالي لتوزيع مياه التخزين فيه بين مصر والسودان .

والدكتور رشدي يري أن اخطر المشاكل التي يمكن أن تواجه مصر مستقبلا هي تأمين نهر النيل. وهو حين يتحدث عن هذا النهر فهو لا يسير مع التيار. فهو يؤكد انه لمصر وشمال السودان يكاد يكون مصدر المياه الوحيد لهما وهو لبقية دول حوضه مصدر ثانوي لدرجة أن لا أحد منها يدخله في حسابه.


شارك