وثيقة الإسكندرية مارس ٢٠٠٤  

 
  ثانيا : الإصلاح الأقتصادي  
١٧- يشمل الإصلاح الاقتصادي كافة التشريعات والسياسات والإجراءات التي تسهم في تحرير الاقتصاد الوطني، والتسيير الكفء له وفقا لآليات السوق، بما يمكنه من الانتعاش والازدهار، وبما يسهل تكامله مع الاقتصاديات الإقليمية، واندماجه في الاقتصاد العالمي.

١٨- وغنى عن البيان، فإن هذا المفهوم للإصلاح الاقتصادي، ينطوي على حسم لكثير من الجدال والمناقشات حول هويه النظام الاقتصادي، وحول كثير من التفاصيل، مثل دور الدولة، والعلاقة بينه وبين دور السوق، والبعد الاجتماعي للتنمية...الخ

١٩- وقد اتفقت آراء المجتمعين على أن الأداء الحالي للاقتصاديات العربية لا يتواكب مع التحديات الواجب التصدي لها، ولا يرقى إلى الإمكانات المادية والبشرية وطاقاتها الكامنة. ويفرض قصور أداء الاقتصاديات العربية في المرحلة الراهنة، وما تستوجبه متطلبات المستقبل، إجراء إصلاح اقتصادي جذري يغير من الأوضاع القائمة. إن الإبطاء في تنفيذ الإصلاح الاقتصادي له تكلفة باهظة وأعباء هائلة، ولن يزيدها مرور الوقت إلا سوءا. ويمكننا رصد ما يلي من مؤشرات عن الواقع الاقتصادي العربي:

أ) انخفاض معدلات النمو في الدخل القومي وتدهور نصيب الفرد مقارنا بالمؤشرات الدولية.

ب) تراجع نصيب الدول العربية في التجارة الدولية، وتركز الصادرات في منتجات أولية مع هامشية نصيب المنتجات ذات القيمة المضافة العالية في الصادرات العربية.

ج) تراجع نصيب المنطقة من تدفقات رؤوس الأموال الأجنبية، بما في ذلك الاستثمارات الأجنبية المباشرة وغير المباشرة.

د) الإخفاق في توليد فرص عمل كافية للداخلين الجدد في سوق العمل وارتفاع حدة البطالة بمعدلات أعلى من متوسطات الدول النامية، مع تركز البطالة بين فئات الشباب والإناث.

ه) تزايد حدة الفقر في عدد من الدول العربية، حيث يمس الفقر المتعطلين عن العمل ونسبة ملموسة من العاملين أيضا.

٢٠- إن مجموعة السياسات المقترحة التي يتم اتباعها في المنطقة ركزت بالأساس على تحقيق الاستقرار الكلي، وخفض معدلات التضخم من خلال ثالوث برامج التثبيت والخصخصة والتحرير الاقتصادي. لكن هذا المنهج لم يهتم اهتماما كافيا بموضوعات لا تقل أهمية كالبطالة وتوفير الخدمات الاجتماعية الأساسية.

٢١- وفي عالم عربي شاب وناهض، لابد أن تكون عمالة الشباب وجودة التعليم والخدمات الاجتماعية والبرامج المساندة للمشروعات الصغيرة من العناصر الأساسية في مفهوم الإصلاح وبرامجه مع تحديد واضح للأولويات، وتأكيد أهمية الإطار المؤسسي اللازم لتحقيق الإصلاح الشامل بجانبيه الاقتصادي والاجتماعي.

الإصلاح الهيكلي:

٢٢- وبناء على ما سبق فإننا نتقدم بالمقترحات الآتية لتحقيق الإصلاح الهيكلى:

أ) إعلان الدول العربية عن خطط واضحة وبرامج زمنية محددة للإصلاح المؤسسي والهيكلي، مع تحديد دقيق لدور الدولة يجعلها محفزة للنشاط الاقتصادي، وموفرة للبيئة الملائمة للقطاع الخاص والقطاع العام في المجالات التي يتمتع بمزايا ومؤهلات لعمله فيها، مع الالتزام بخطط واضحة لإحداث تغيير جذري في الجهاز الإداري الحكومي وتقليص البيروقراطية، ورفع كفاءة العمل في الجهات الحكومية التي تتعامل مع المستثمرين والمستوردين والمصدرين مثل: الضرائب والجمارك وجهات إصدار التراخيص.

ب) تشجيع برامج الخصخصة بما في ذلك القطاع المصرفي، وفقا للضوابط القانونية التي تحقق المصلحة العامة، وتقليص الاستثمارات الحكومية، ما عدا المجالات الإستراتيجية والسلع ذات النفع العام،وإلغاء الحقوق الاحتكارية الحكومية غير المبررة اقتصاديا لتشجيع القطاع الخاص وجذب المزيد من الاستثمارات، وذلك لتعظيم مساهمة القطاع الخاص في إيجاد فرص للتشغيل.

ج) وضع معايير وقواعد للارتقاء بنوعية المنتجات الوطنية وتأسيس مجالس قومية لدعم القدرة التنافسية مع القيام بإجراء تقييم مستمر يتم نشره.

د) إرساء قواعد الحكم الجيد للنشاط الاقتصادي مع تأكيد الشفافية والمحاسبة وتنفيذ أحكام القضاء.

‌ه) وإيمانا بأهمية المعلومات والبيانات في هذا العصر، وضرورتها لاتخاذ قرارات مبنية على تحليل سليم ودقيق للواقع، فإن هناك ضرورة لإصدار تشريعات تلزم الجهات المصدرة للبيانات والمعلومات الاقتصادية بما يتيحها لمن يطلبها، وييسر الحصول عليها، وذلك وفقا لقواعد واضحة للإفصاح، مع إعداد قواعد بيانات متكاملة للاقتصاديات العربية.

و) مراعاة الحفاظ على البيئة في كافة الأنشطة الاقتصادية.

‌ز) كما نطالب بإيجاد آليات مناسبة لتدريب العاملين في الجهات المختلفة التي تباشر النشاط الاقتصادي، أوتدخل في مساره بشكل مباشر أوغير مباشر كجمعيات رجال الأعمال، واتحادات المصارف وكذلك تدريب رجال النيابة والقضاء الذين تطرح أمامهم قضايا وإشكالات الأدوات والمعاملات المالية والاقتصادية الجديدة من خلال معاهد تدريب القضاة.

٢٣- وبالنسبة للأبعاد الإقليمية، نخص بالذكر :

أ) تطوير القطاعات المالية العربية بشكل عام، وأجهزتها المصرفية بشكل خاص، وتشجيع إقامة كيانات مصرفية كبيرة، وتحديث أسواق المال العربية، والعمل على ربطها معا.

ب) تطوير الأبنية الأساسية لتكنولوجيا المعلومات والربط بينها في العالم العربي.

ج) تفعيل الاتفاقات العربية بوضع أهداف قابلة للتحقيق مع تحديد بعض القطاعات ذات الأولوية بوصفها صاحبة الفرصة الكبيرة في نجاح التعاون الاقتصادي مثل: النقل والمواصلات والكهرباء والطاقة وتكنولوجيا الاتصالات والمعلومات، مع إيجاد جهاز للمتابعة في مجلس الوحدة الاقتصادية العربية لرفع النتائج المحققة إلى القمة العربية، دوريا، مع إعلان ما يصدر من نتائج وتقارير.

د) الاتفاق على إطار ملزم لتحرير التجارة في الخدمات بين الدول العربية.

ه) تنظيم سوق العمل العربية عن طريق صياغة واعتماد اتفاقية متعددة الأطراف لتنظيم انتقال العمالة العربية بهدف تنظيم الانتقال لمدد زمنية محددة، وتوصيف ظروف العمل أثناء الإقامة في دول الاستقبال، وتحديد مسئولية الدول المرسلة في التحقق من مهارات وقدرات قوة العمل التي ترسلها، مع إعداد برامج لتأهيل العمالة العربية للانخراط في الأسواق الأجنبية، وفقا لبروتوكولات ومعايير تقييم يتم الاتفاق عليها مع الدول الأجنبية.

و) إنشاء مؤسسة يمولها ويديرها القطاع الخاص في العالم العربي لتدريب القيادات العليا في الإدارة لإعداد أجيال جديدة قادرة على تنفيذ برامج الإصلاح وتطويرها .

٢٤- ولكى تزداد فاعلية العالم العربي على نطاق الاقتصاد العالمى نقترح:

أ) مطالبة الدول المتقدمة بفتح أسواقها للصادرات العربية، وتحديدا الصادرات من السلع الزراعية.

ب) سعيا إلى الاندماج إيجابيا في الاقتصاد العالمي عن طريق زيادة الصادرات من السلع والخدمات، وزيادة النصيب النسبي من الاستثمارات الأجنبية في الدول العربية، والاستفادة من فرص التعليم والتدريب والعمل في الأسواق المختلفة، فإننا نقترح تأسيس إدارة متخصصة على درجة عالية من الكفاءة في إطار الجامعة العربية لمتابعة قضايا التجارة الدولية، وتمكين الدول العربية من الانخراط الفعال في منظمة التجارة العالمية، وتنسيق المواقف العربية، والدفاع عن مصالحها، وتدريب الكوادر العربية وتأهيلها للتفاوض في قضايا تحرير التجارة والزراعة ونفاذ المنتجات الصناعية إلى الأسواق والتعامل.

٢٥- ولدفع عجلة الاستثمار نؤكد على:

‌أ) التصدي الحاسم للمشكلات المعوقة للاستثمار وإزالتها أمام الاستثمار العربي والأجنبي.

ب) تأسيس آلية فاعلة لتسوية المنازعات الاقتصادية بين المستثمرين.

ج) معاملة الاستثمار العربي بما يعامل به الاستثمار الوطني في كل البلدان العربية.

د) تشجيع الابتكار والعمل على جذب الاستثمارات اللازمة للبحث والتطوير واقامة المشروعات في القطاعات الخدمية والإنتاجية ذات القيمة المضافة العالية، وتوفير الحماية الكافية لحقوق الملكية الفكرية.

٢٦- ونؤكد على أهمية معالجة الفقر بأبعاده المتعددة من التهميش الاجتماعي والسياسي وضعف المشاركة وقلة فرص الارتقاء، الأمر الذي يحول دون الاعتماد على النمو الاقتصادي وحده لحل مشكلة الفقر، والإعلان رسميا عن برنامج زمني تنفيذي لمكافحة الفقر بما يتواءم مع الغايات التي حددتها الأمم المتحدة للألفية الثالثة.

٢٧- ولأهمية قضية العمالة، وبصفة خاصة للشباب وللمرأة العربية، نقترح:

أ) تطوير برامج تمويل المشروعات الصغيرة والمتناهية في الصغر بما يسهم في علاج مشكلة البطالة مع إعطاء الفرصة كاملة للإناث في الحصول على التمويل.

ب) تمكين المرأة من المساهمة الكاملة في قوة العمل الوطنية، وذلك بالاعتماد على ما لديها من خبرات ومؤهلات.

ج) مراجعة السياسات الاقتصادية المتبعة من منظور تحقيق التشغيل الكامل لما يقدر بحوالي ٥ مليون من الداخلين الجدد لأسواق العمل العربية سنويا، مع التركيز على سبل علاج لبطالة الشباب . ولن يتحقق ذلك إلا بسياسات تستهدف رفع معدلات النمو الاقتصادي الحقيقي بما لا يقل عن ٦% إلى ٧% سنويا في المتوسط في السنوات العشر القادمة. ويستلزم ذلك سياسات متكاملة لزيادة الاستثمارات ورفع كفاءات وتعبئة المدخرات المحلية والأجنبية وحسن توجيهها.

٢٨- ويؤكد المجتمعون أن مؤسسات المجتمع المدني العربي، ومؤسسات القطاع الخاص، إذا مكنت من أداء دورها برفع القيود عنها، قادرة على الإسهام في الإصلاح الاقتصادي. ويتحقق هذا الإسهام خلال المشاركة في تحديد أولويات الإصلاح، والقيام بتحمل مسئوليتها في التنفيذ، جنبا إلى جنب مع الحكومات. ويقع على عاتق مؤسسات المجتمع المدني دور هام في متابعة تنفيذ الحكومات بما تعد به من إجراءات وحلول في سبيل الإصلاح.

٢٩- ويطلب المجتمعون من مكتبة الإسكندرية، سعيا إلى تنفيذ هذه المقترحات، الاتفاق مع جامعة الدول العربية بتبني سلسلة من المؤتمرات العامة والندوات المتخصصة، لمناقشة هذه الموضوعات بالعمق الذي يتناسب وأهميتها ودقتها وضرورة وضعها في إطار عملي، يستجيب إلى تحديات الاقتصاديات العربية على المستوى القطري والإقليمي، وبغرض الخروج باقتراحات محددة يمكن طرحها على الحكومات العربية. ومن أهم هذه الموضوعات ما يلي:

أ) القطاعات المالية العربية والقيود على الاستثمار.

ب) النظام الجمركي الموحد والتجارة البينية.

ج) القدرة التنافسية العربية والمعايير القياسية، وإنشاء مجالس قومية للقدرة التنافسية العربية وتوحيد المعايير القياسية.

د) الحضانات التكنولوجية.

ه) إدارة الموارد العامة في الوطن العربي.

و) الحكم الجيد للنشاط الاقتصادي.

ز) الإعلام الاقتصادي والارتقاء به .

 
 
 
منتدى الإصلاح العربي - حقوق الطبع محفوظة ٢٠٠٤ ©