الكيمياء والبيئة

شارك

يومًا بعد يوم نسمع عن مخاطر الاحتباس الحراري؛ فنحن محاطون بالأخبار عن هذه القضية في الصُّحُف وعلى شاشات التلفزيون والإنترنت. فقد حَسَّنت التطورات الصناعية نوعية الحياة التي نعيشها بشكل كبير، إلا أن البيئة كانت هي من دفع الثمن غاليًا؛ فقد استهلكنا موارد الأرض دون التفكير في الخلل الذي نسببه للنظام البيئي.

فقد دُمِّرت الأراضي الخصبة، كما هُدمَت المواطن الطبيعية، وتغيرت الأنظمة البيئية ففقدت مميزاتها، وانتشر التلوث في جميع أرجاء الأرض. وقد يئس الكثير من الوضع المتصاعد، إلا أن البعض الآخر قد بدأ في اتخاذ خطوات إيجابية نحو معالجة الأخطاء، وآخر مثال على هذه الخطوات كان مؤتمر القمة الذي أقيم في كنكون بالمكسيك. ولكن ممثلي الدول المشتركة في المؤتمر ليسوا هم فقط من يلعبون دورًا هامًّا في إحداث التغيير؛ فهناك الكثير من العلماء الذين يحاولون إيجاد الحلول العملية والفعالة، والواقع أن إسهاماتهم لها أهمية كبرى.

تساعد الكيمياء العلماء في اكتشاف بدائل للمواد الضارة بالبيئة والصحة. ولهذا الغرض، تم تطوير مجال جديد يُسمى "الكيمياء الصديقة للبيئة" يقوم بالتركيز على الأبحاث والهندسة الكيميائية التي تستهدف تصنيع منتجات وتطوير عمليات للحد من استخدام وإنتاج المواد الخطيرة.

من الموضوعات التي يجب أن تشغل بالنا اليوم التقليل من استخدام الطاقة، سواءً في البيت أو المدرسة أو مراكز التسوق أو المصانع إلى آخره. فتساعد الكيمياء صديقة البيئة على تصميم المواد الكيميائية التي تتسم بالكفاءة؛ حيث تحتاج إلى طاقة أقل عند استخدامها، كما يمكن تطبيق الوسائل الصناعية في درجات الحرارة والضغط المحيط.

وكثيرًا ما تحدث كوارث كهلاك الحياة المائية عند التخلص من المواد الكيميائية في الأنهار والبحار. وتعتمد مبادئ الكيمياء صديقة البيئة على تجنب مثل هذه الكوارث عن طريق تطوير العمليات التي تمنع النفايات الصناعية، فبدلاً من التخلص منها يتم التعامل معها أو تنظيفها بعد تكوينها.

فعندما يتم تصنيع المنتجات، يجب تصميم الأساليب لاستخدام جميع المواد الداخلة في هذه العملية إلى أقصى حد، الأمر الذي يساعد على تقليل المواد التي يتم التخلص منها. والأفضل من ذلك هو أنه يتم تصميم منهجيات لاستخدام وتصنيع مواد ذات تأثير سُمِّي منخفض أو معدوم على صحة الإنسان والبيئة.

ويُعتقد أن هناك جزيرة من النفايات البلاستيكية في حجم منغوليا عائمة في المحيط الهادئ، والتي قد تتسبب في ضرر كبير للحياة المائية والطيور. ويرجع ذلك إلى أن المواد البلاستيكية غير قابلة للتحلل، ولذلك يعمل الكيميائيون أصدقاء البيئة على إنتاج المواد الكيميائية المصممة للتحلل ببطء في البيئة دون أن يؤدي ذلك إلى أي اضطراب في دورات الطبيعة.

يستخدم الجميع أكواب الفوم، ولكننا عادةً ما لا نتوقف للسؤال عن مصدر تلك المادة. ومادة فوم البوليسترين من المواد المستخدمة في تعبئة ونقل المواد، وعلى سبيل المثال عندما نشتري جهاز تلفزيون فعادة ما نستلمه محميًّا في قوالب من الفوم المصنوعة من هذه المادة. ويتم إنتاج أكثر من 300 مليون كيلوجرام من هذه المادة سنويًّا في الولايات المتحدة وحدها، وعادة ما تستخدم مركبات الكلوروفلوروكربون وغيرها من المواد المستنزفة لطبقة الأوزون في عملية إنتاج ألواح الفوم، مما يُشكِّل خطرًا كبيرًا على البيئة.

 

يمكن العثور على مثال آخر على الكيمياء صديقة البيئة في شركة داو للمواد الكيميائية وهي شركة أمريكية قامت بإيجاد أفضل حل لإنتاج بوليسترين الفوم في عام 1996. فقد اكتشف العلماء أن ثاني أكسيد الكربون يُستَخدم في حالة بين السائلة والغازية كعامل جيد للنفخ، دون الحاجة إلى المواد الخطرة، مما يسمح بعملية إعادة تدوير أسهل للبوليسترين. كما يمكن استخدام ثاني أكسيد الكربون المستخدم في العملية مرة أخرى فيساوي صافي الكربون المنبعث من العملية صفر.

أدركت لجنة جائزة نوبل أهمية الكيمياء صديقة البيئة في عام 2005 عندما منحت جائزة نوبل في الكيمياء إلى إيف تشوفيان وروبرت جرابز وريتشارد شروك، وذلك "لتطوير أسلوب الإحلال والإبدال في التركيب العضوي". وقد ذكرت اللجنة أن "هذا يمثل خطوة كبيرة للأمام في الكيمياء صديقة البيئة، مما يحد من النفايات الخطيرة من خلال إنتاج أكثر ذكاءً. ويُعَد أسلوب الإحلال والإبدال مثالاً على أهمية تطبيق العلوم الأساسية من أجل فائدة البشر والمجتمع والبيئة".

يقوم علماء الكيمياء الآن بالبحث عن أساليب جديدة أكثر استدامة وصداقة للبيئة. وتشمل الأمثلة إنتاج المواد البلاستيكية التي تستخدم مصادر طبيعية مثل النباتات؛ حيث تكون قابلة للتحلل، وكذلك إنشاء مركبات بلاستيكية خفيفة الوزن والتي تساعد على تقليل استهلاك السيارات والطائرات للوقود. والأبحاث الرئيسية في مجال الكيمياء هامة جدًّا للتطور الضروري الذي يوفر للبشرية حياة مريحة متناغمة مع الطبيعة. وفي القرن اﻟ21، فإن التحدي الأكبر الذي نواجهه هو إنقاذ كوكبنا المتهالك والعمل على علاجه والمثابرة في حمايته.

*المقال منشور في نشرة مركز القبة السماوية العلمي، عدد ربيع 2011.

من نحن

«كوكب العلم» مجلة علمية ترفيهية باللغتين العربية والإنجليزية يصدرها مركز القبة السماوية العلمي بمكتبة الإسكندرية وتحررها وحدة الإصدارات بقطاع التواصل الثقافي ...
مواصلة القراءة

اتصل بنا

ص.ب. 138، الشاطبي 21526، الإسكندرية، جمهورية مصر العربية
تليفون: 4839999 (203)+
داخلي: 1737–1781
البريد الإلكتروني: COPU.editors@bibalex.org

شاركنا

© 2024 | مكتبة الإسكندرية