الفن: وسيط علاجي

شارك

يمر كل إنسان بأوقات صعبة؛ يشعر فيها بأنه لا يقوى على التأقلم أو تغمره مشاعر سلبية، ومن شأن تلك الأوقات أن تصيب توازننا العقلي بالخلل. نعرف أننا حين ننزلق ونكسر أحد عظامنا يجب أن نسعى للعلاج على يد طبيب؛ ولكن، ماذا نفعل عندما يكون الداء في حالتنا العقلية؟ فكيف يمكن للشخص أن يعالج ذلك العطب؟ فيجب ألا نخجل من التحدث بصراحة عن المرض العقلي؛ فهناك وسائل متعددة لشفائه والتغلب على حالات الاضطراب النفسي؛ إذ يعمل كل منها بشكل مختلف لمساعدة المرضى على الشعور بالتحسن مع مرور الوقت.

أحد تلك الأنواع هو العلاج بالفن؛ وليس غريبًا أن يُستخدم الفن للمساعدة على الشفاء، فيعرف منذ القدم أن الفن يحرك المشاعر. فدائمًا ما يتطلع الناس إلى الفن لفهم الحياة والعثور على السعادة؛ ولا يمكن سرد التاريخ الإنساني دون وجود الفن، فهو جزء لا يتجزأ من الإنسانية.

ومؤخرًا أصبح هناك مجموعة كبيرة من كتب التلوين للبالغين؛ ويتم التسويق لمعظمها على أنها شكل من أشكال التخلص من الضغط والتوتر ووسيلة ليصبح الشخص أكثر تنبهًا، وهناك حقيقة في ذلك. فالفن طبيعته علاجية؛ حيث يسمح للشخص بالوصول إلى جزء مختلف من شخصيته، ويتيح له التعبير عن ذاته بطريقة غير شفهية.

وهذا هو لب ما يسعى العلاج بالفن إلى تحقيقه؛ فهو يسمح للأشخاص بتوصيل حالتهم الداخلية من خلال الفن. فيمكن اللجوء إلى الرسم، أو النحت، أو التلوين، وغيرها من الأنشطة الفنية لتوصيل المشاعر والأفكار. والمعالجون بالفن مدربون على فهم المغزى من الألوان، والرموز، والملامس المختلفة، ويعملون على فك شفرة المعاني المختبئة في الفن الذي ينتجونه. ويساعد العلاج بالفن الناس على استكشاف مشاعرهم، وتحسين نظرتهم لذاتهم، والتحكم في إدمانهم، والتخلص من التوتر، وتحسين أعراض القلق والاكتئاب، والتعامل مع الأمراض الجسمانية أو الإعاقة.

فقد لا تستطيع الكلمات التعبير عن الأفكار أو المشاعر التي نكنها، ولذلك لا نستطيع توصيلها عندما نحاول ذلك. فالمشاعر والأفكار معقدة، وقد تقع أحيانًا خارج نطاق التعبير الشفهي. هنا تأتي الألوان، والأشكال، والتصميمات لتساعد على ملء الفراغ الذي تخلفه الكلمات. فبتحليل ما ينتجونه في أثناء جلسات العلاج بالفن يستطيع المتعالجون بمساعدة معالجيهم حل الخلافات العاطفية، ويصبحون أكثر دراية بأنفسهم.

وليس من الضرورة أن يكون الشخص موهوبًا فنيًّا للحصول على فوائد العلاج بالفن؛ فالغرض منه حرية التعبير ومغزاه، وليس الموهبة أو المهارة الفنية. ويلجأ المعالجون بالفن إلى النظريات النفسية، والروحية، والفنية، بالتوازي مع التقنيات الإكلينيكية؛ وذلك لتحقيق الغرض العلاجي المستهدف. فعندما ينتج المرضى أعمالًا فنية يمكنهم من خلال ذلك الوصول إلى مشاعرهم وأفكارهم؛ وذلك لأن العمل الفني يجعلها ملموسة وأسهل في الحديث عن مشاكلهم.

إن العلاج بالفن له فائدة كبيرة؛ فالفن يعكس حياتنا الداخلية، ويسمح لنا باستكشاف وجه آخر لنا. فالبشر معقدون، ومن خلال العلاج بالفن يمكن للمرء كشف الستار عن الأمور الكامنة في اللا وعي والجروح النفسية التي تتسبب في الألم. وبالتعرف إلى مشكلاتنا يمكننا الوصول إلى العلاج والشفاء؛ فالفن طبيعته علاجية ووسيط قوي للتغيير والتطور.

 

المراجع

psychology.org.au

goodtherapy.org

arttherapyblog.com

psychologytoday.com

*المقال منشور بمجلة كوكب العلم، خريف 2018 «العلم والفن».

من نحن

«كوكب العلم» مجلة علمية ترفيهية باللغتين العربية والإنجليزية يصدرها مركز القبة السماوية العلمي بمكتبة الإسكندرية وتحررها وحدة الإصدارات بقطاع التواصل الثقافي ...
مواصلة القراءة

اتصل بنا

ص.ب. 138، الشاطبي 21526، الإسكندرية، جمهورية مصر العربية
تليفون: 4839999 (203)+
داخلي: 1737–1781
البريد الإلكتروني: COPU.editors@bibalex.org

شاركنا

© 2024 | مكتبة الإسكندرية