المقالات

الكيميرا البشرية: شخصان في جسد واحد

شارك

عادة يولد الإنسان بفصيلة دم واحدة ومجموعة واحدة من الحمض النووي؛ ولكن، هل هذا هو الحال دائمًا؟ منذ عدة سنوات، اكتشفنا أن الإنسان قد يعيش بالفعل بمجموعتين أو أكثر من الحمض النووي، وفصيلتي دم مختلفتين؛ بعبارة أخرى، قد يوجد شخصان يعيشان داخل جسدك دون أن تعرف! تُعرف هذه الظاهرة باسم «الكيميرا»؛ وعلى الرغم من أن الأمر يبدو غريبًا، فهو في الواقع أمر حقيقي، وتوجد ثلاث حالات للكيميرا البشرية.

أنت توأم نفسك

إحدى حالات الكيميرا البشرية هي عندما يمتص الجنين توأمه. فإذا مات أحد الأجنة التوائم في وقت مبكر جدًّا من الحمل، فقد يمتص الجنين الآخر بعض خلايا توأمه؛ مما يعني أن الجنين المتبقي سيحتوي على مجموعته الخاصة من الخلايا، بالإضافة إلى مجموعة الخلايا التي حصل عليها من توأمه.

إلا أن هذا النوع من الكيميرا البشرية عادة لا يدرك بحالته حتى يخضع لفحص طبي لأي سبب. في عام 2002، انتشرت قصة امرأة تدعى كارين كيجان في كل مكان عندما احتاجت إلى عملية زرع كلى، فخضعت لفحص جيني لتحديد متبرع مطابق من بين أفراد عائلتها؛ حينها اكتشفت أن أطفالها جميعًا لا يمكن أن يكونوا أبناءها جينيًّا. وتمكن الأطباء أخيرًا من حل هذا اللغز الطبي بعد أن استنتجوا أن كارين كيميرا؛ إذ إن لديها مجموعة من الحمض النووي في خلايا الدم، ومجموعة أخرى مختلفة في أنسجة أخرى في جسمها.

زرع النخاع العظمي

الحالة الثانية من الكيميرا البشرية هي عند الخضوع لعملية زرع نخاع عظمي؛ مثلما يحدث في علاج سرطان الدم. في مثل هذه الحالات، يُدمر النخاع العظمي للمريض؛ ليُستبدل به النخاع العظمي للمتبرع. من ثم، سيكون لدى المريض الخاضع لعملية الزرع خلايا دم متطابقة وراثيًّا مع خلايا المتبرع؛ وذلك لأن النخاع العظمي يحتوي على خلايا جذعية تتحول إلى كرات دم حمراء؛ ومع ذلك، لن تتطابق خلايا الجسم الأخرى وراثيًّا.

الكيميرية الدقيقة

عندما تصبح المرأة حاملًا، عادة ما تسمع بعض التعليقات مثل: أنت الآن تحملين جزءًا منك، وطفلك يحتاج إلى كل الاهتمام؛ لأنه يشاركك في جسمك وأكلك، وما إلى ذلك. إلا أنها لا تظن أبدًا أنها هي من تحمل جزءًا من طفلها، أليس كذلك؟ فلا يخطر ببالها أبدًا أنها تشارك طفلها في خلاياه، وليس العكس! من الأمور الشائعة أثناء الحمل أن يهاجر عدد صغير جدًّا من خلايا الجنين إلى دم الأم، ومن ثم ينتقل إلى الأعضاء المختلفة. وهذا ما يُعرف بالكيميرية الدقيقة؛ وهذا يعني في الأساس أن يكون جزء صغير من خلاياك من شخص آخر.

أحد الطرق للتأكد من أن المرأة تحمل خلايا الجنين هو من خلال فحص عينات الأنسجة من أجزاء مختلفة من جسمها. في عام 2015، أجرى الباحثون دراسة تشير إلى أن جميع الحوامل يختبرن الكيميراوية الدقيقة، وذلك من خلال فحص عينات لأنسجة من أكباد، وكُلى، ورئات، وأطحلة، وأدمغة، وقلوب 26 مرأة. بعض هؤلاء النساء تُوفين أثناء حملهن، في حين توفيت أخريات في غضون شهر واحد بعد الولادة. وما أثبت لهؤلاء الباحثين أن هذه الخلايا هي خلايا الجنين وليست خلايا الأم، وجود الكروسومات Y – الموجودة في الذكور فقط – في تلك الخلايا، وجميع النساء كن يحملن ذكورًا.

هل يمكن للمرأة أن تعيش بخلايا ابنها طوال حياتها؟ في دراسة أجريت عام 2012، فحص الباحثون أمخاخ 59 امرأة متوفاة لتتبع آثار الكروموسوم Y من خلايا الجنين في أدمغتهن؛ فوجدت آثار للكروموسوم في 63% من هؤلاء النساء اللاتي تراوحت أعمارهن من 39 إلى 101 سنة. ما دفع الباحثين إلى استنتاج أن خلايا الجنين قد تظل موجودة في مخ المرأة مدى الحياة هو أن أكبر امرأة من بين من فُحِصن بلغت من العمر 94 عامًا، وكان لديها خلايا جنينية في مخها.

علامات محتملة للكيميرية

عادة لا تُظهر حالات الكيميرية البشرية أي علامات جسدية لحالتها. ومع ذلك، توجد بعض العلامات الجسدية المحتملة التي يمكن أن تكون مرتبطة بالكيميرية، مثل وجود لونين مختلفين في الجلد، أو اضطرابات في نمو الأعضاء التناسلية، أو وجود عينين بلونين مختلفين، أو بقع ذات لون أو نسيج مختلف في الشعر.

يمتلئ العالم بالعجائب، وهذه الحالة بالتأكيد واحدة من تلك العجائب! والجزء الأكثر إثارة في كل هذا هو أن أيًّا منا قد يكون كيميرا بشريًّا؛ فأي شخص منا قد يكون اثنين في واحد!

المراجع

medicinenet.com

nsgc.org

scientificamerican.com


هذا المقال نُشر لأول مرة مطبوعًا في مجلة كوكب العلم، عدد صيف 2020.

Cover image source: daily.jstor.org/human-chimeras

من نحن

«كوكب العلم» مجلة علمية ترفيهية باللغتين العربية والإنجليزية يصدرها مركز القبة السماوية العلمي بمكتبة الإسكندرية وتحررها وحدة الإصدارات بقطاع التواصل الثقافي ...
مواصلة القراءة

اتصل بنا

ص.ب. 138، الشاطبي 21526، الإسكندرية، جمهورية مصر العربية
تليفون: 4839999 (203)+
داخلي: 1737–1781
البريد الإلكتروني: COPU.editors@bibalex.org

شاركنا

© 2024 | مكتبة الإسكندرية