الترجمة الآلية بين التاريخ والمخاوف والتطلعات

شارك

بصفتي مترجمة، يُمكنني أن أصف علاقتي بالترجمة الآلية بأنها علاقة معقدة. ففي حين أن تقنيات الترجمة الآلية الحديثة تقدِّم دعمًا قيمًّا للمترجمين، إلا أن كثيرين منهم قلقون من أن يؤدي تطورها المستمر إلى حلول الآلة محلهم في النهاية.

ظهر Google Translate على الساحة في إبريل 2006، وكان ذلك في منتصف فترة دراستي الجامعية للترجمة. حينها، كاد الاعتماد على الترجمة الآلية أن يكون مشينًا وكان من السهل على أساتذتنا الجامعيين كشف النصوص المترجمة آليًّا. والآن وقد امتهنت الترجمة لقرابة خمسة عشر عامًا، فقد شهدتُ كيف أرست الترجمة الآلية مكانتها في سوق الترجمة على مستوى العالم، رغم أنها لا تزال معتمدة على العنصر البشري.

عام 1949، اقترح عالم الرياضيات الأمريكي وارين ويفر لأول مرة فكرة تحويل اللغة البشرية إلى رموز مشفرة باستخدام علم الرياضيات والحواسيب، ثم إعادة تحويل تلك الرموز لإعادة إنتاج المعنى بلغة بشرية أخرى. وكانت «الترجمة الآلية القائمة على قواعد اللغة» أولى التقنيات التي ألهمتها فكرة وارين ويفر في خمسينيات القرن العشرين؛ حيث تعاون اللغويون والمبرمجون عن كثب لتطوير قواعد لُغويِِّة تُمثِّل البنى والتراكيب اللغوية الخاصة بلغتي الإدخال والإخراج، أو كما يشير إليهما المترجمون، لغتي المصدر والهدف. تتضمن تقنية الترجمة الآلية القائمة على قواعد اللغة استخدام أداة تحليل لُغويَّة تحوِّل اللغة المصدر إلى رموز مشفرة وسيطة، ثم تعيد تحويل تلك الرموز لإنتاج المعنى بلغة أخرى.

ومع تزايد قدرة الحواسيب في تسعينيات القرن العشرين ظهرت تقنية «الترجمة الآلية الإحصائية»، والتي استُخدمت لتطوير Candide، نظام الترجمة الآلية التجريبي الخاص بشركة IBM. استمرت عمليات تطوير تقنية الترجمة الآلية الإحصائية وتحسينها وكانت هي التقنية المستخدمة في Google Translate وقت إطلاقه في 2006. تعتمد الترجمة الآلية الإحصائية على مجموعات بيانات ضخمة تضم ترجمات سابقة، وتُعرف بالذخائر أو المكانز اللغوية. تساعد الذخيرة اللغوية الآلة على إنتاج الترجمة من خلال تقليص الاحتمالات الموجودة على النموذج الإحصائي.

بعد ذلك ظهرت «تقنية الترجمة الآلية العصبية» عام 2015، وهي تعتمد على نماذج حاسوبية معقدة مستلهمة من طريقة عمل الدماغ البشري. تضم هذه النماذج مجموعات من العُقَد المترابطة –أو العصبونات الاصطناعية– التي تعالج المعلومات من خلال سلسلة من العمليات الرياضية. وتقنية الترجمة الآلية العصبية نهج قائم على البيانات يعتمد على تعلُّم الآلة. وهي تترجم جملة أو تسلسل لغوي كامل في الخطوة الواحدة، وتعتمد على السياق الأشمل لمساعدتها على استنتاج الترجمة الأرجح. وقد أمست الترجمة الآلية العصبية التقنية المفضلة للعاملين في الصناعة حاليًّا، واعتمدها Google Translate عام 2016.

واستجابة لتلك التطورات المتلاحقة في الترجمة الآلية، أصبحت خدمات التحرير اللاحق للنصوص المترجمة آليًّا، والمعروفة اختصارًا باسم MTPE أكثر شيوعًا في الشركات التي تقدم الخدمات اللغوية حول العالم، والمقصود بها ترجمة النصوص آليًّا ثم الاستعانة بمترجم بشري لتحسينها وتصويب الأخطاء وما إلى ذلك. فهذه الطريقة توفِّر كثيرًا من الوقت والمال لتلك الشركات، ذلك لأن أسعارها أقل من أسعار الترجمة البشرية.

وقد صرَّح ديفيد تشانياك، الرئيس التنفيذي لشركة برمجيات الترجمة الشهيرة Memsource أن 2020 أول عام يصبح فيه التحرير اللاحق للنصوص المترجمة آليًّا الطريقة الأكثر اتباعًا في الترجمة. إلا أن أغلب المترجمين يفضلون الترجمة عن تحرير النصوص المترجمة آليًّا، وذلك لأن الترجمة الآلية تعطل حسهم الإبداعي إلى حدٍّ كبير.

من المؤكد أن الترجمة الآلية ستستمر في التطور، خاصة مع ظهور النماذج اللغوية القائمة على الذكاء الاصطناعي مثل Google Gemini جوجل جيميني وChatGPT تشات جي بي تي ولكن في رأيي، أجد أنه في حين يستطيع المترجمون الانتفاع بتقنيات الترجمة الآلية لإنجاز مهامهم بسرعة أكبر، فإن هذه التقنيات لا تستطيع العمل بكفاءة دون الاستعانة بهؤلاء المترجمين المهرة، ناهيك بأن تحل محلهم.

المراجع

ititranslates.com

britannica.com

rws.com

machinetranslate.org

slator.com

blog.google


من نحن

«كوكب العلم» مجلة علمية ترفيهية باللغتين العربية والإنجليزية يصدرها مركز القبة السماوية العلمي بمكتبة الإسكندرية وتحررها وحدة الإصدارات بقطاع التواصل الثقافي ...
مواصلة القراءة

اتصل بنا

ص.ب. 138، الشاطبي 21526، الإسكندرية، جمهورية مصر العربية
تليفون: 4839999 (203)+
داخلي: 1737–1781
البريد الإلكتروني: COPU.editors@bibalex.org

شاركنا

© 2024 | مكتبة الإسكندرية