هل تساءلت يومًا كيف تتفاعل الحيوانات بعضها مع بعض ومع البيئة المحيطة؟ الكثير يجهل وجود علم متخصص لدراسة سلوك الحيوان. ويتضمن سلوك الحيوان جميع العمليات التي يستوعب بها الحيوانات العالم الخارجي، والحالة الداخلية لأجسادها، والتعامل مع المتغيرات الخارجية. تحدث معظم هذه العمليات داخل الجهاز العصبي للكائنات ولا يلحظها أحد.
فأجسام الحيوانات في حالة اتزان داخلي؛ أى إن هناك توازنًا بين بيئتها الخارجية والداخلية. والاتزان إما يكون ساكنًا وفيزيائيًّا، وهو النوع المختص بالحفاظ على ثبات البيئة الداخلية؛ وإما حركيًّا أو نفسيًّا، وهو النوع الذي يقوم بتكييف البيئة الداخلية للتغيرات الخارجية.
ويمكننا تصنيف سلوك الحيوان إلى نوعين: النوع الأول سلوك فطري يورث من جيل إلى آخر، ويتضمن السلوك المطلوب لاستمرار الحياة الحيوانية، مثل التهام الطعام والراحة والنوم والتكاثر. ونلاحظ سلوكًا هامًّا في الحيوانات وهو الرعاية، وهو سلوك في غاية الأهمية من أجل البقاء. فرعاية الأم لذريتها هو السلوك الأكثر شيوعًا بين السلوكيات الفطرية، ويعرف بالسلوك الأمومي.
تسمح جميع الثدييات لذريتها بالرضاعة؛ فتقضي إناث الكلاب والقطط الأمهات طوال اليوم تقريبًا مع ذريتها في الأسبوع الأول بجانب الرضاعة. ولكن، ليس جميع الأمهات يتشابهن؛ فأنثى الأرنب الأم تزور ذريتها مرة واحدة في اليوم، وتسمح لها بالرضاعة لدقائق قليلة فقط. ولأن لها مجموعات كثيرة من الأرانب الرضيعة، فإن بعضها لا يرضع نهائيًّا، ومن ثم تكون ضعيفة للغاية ولا تستطيع البقاء. ويمكن أن تأكل أنثى الأرنب الأم أطفالها أثناء المخاض إذا تعرضت لضغوط في إثر وجود الغرباء أو المفترسات مثل الكلاب والقطط. ولهذا، يجب تجنب أي مضايقات لها خلال هذا الوقت، والتأكد أن طعامها يحتوي على كمية كافية من السعرات الحرارية والبروتين.
النوع الثاني من سلوك الحيوان هو السلوك المكتسب؛ حيث تتعلم الحيوانات تدريجيًّا الاستجابات الصحيحة للمواقف. فيُعدُّ التعليم تغييرًا تكيفيًّا في السلوك ناتجًا عن الخبرات السابقة. ويحدث ذلك التغير في الذاكرة ويبدأ بالتكوين الأولي للذاكرة قصيرة المدى ومن بعدها تكوين الذاكرة بعيدة المدى.
من الممكن تقسيم السلوك المكتسب إلى فئات مختلفة، ومنها التعوُّد. فعندما تتعرض الحيوانات إلى محفزات غير مؤذية متكررة، قد تبدأ تدريجيًّا في الاستجابة لها؛ بعبارة أخرى، تتعلم الحيوانات رد الفعل. فمثلًا، لن يذعر الحصان بين السيارات، بل سيتعود تدريجيًّا على الصوت ولن يخاف منه بعد ذلك. ولكن، إن كانت المحفزات مؤذية فسيكون رد الفعل مبالغًا فيه، وهو ما يعرف بالتحسس. على سبيل المثال، إن كان الاشتغال المرتد في السيارات يخيف كلبًا، فإنه سيخاف من جميع السيارات.
والتعلم الترابطي من السلوكيات المكتسبة الأخرى؛ حيث يتذكر الحيوان خبراته السابقة ويُعدل سلوكه وفقًا لها. وسلوك المنعكس الشرطي من الأنواع الأساسية للتعلم الترابطي، الذي درسه الباحث الروسي إفان بافولف في بداية القرن العشرين. استمر بافولف في تقديم الطعام لكلب بعد دقة جرس، ولاحظ أنه عندما يدق الجرس بعد ذلك بدون تقديم الطعام فإن الكلب يتصرف كأنه سيحصل على الطعام. بعد أخذ عينة من لعاب الكلب، اكتشف بافولف أن كمية اللعاب تزداد عندما يدق الجرس، وإن لم يصحب ذلك تقديم الطعام؛ هذا لأن الكلب تعرض كثيرًا لمواقف تربط بين دق الجرس والطعام؛ ومن ثم تعلم أن يربط بينهما.
وهناك أيضًا التعلم الاستكشافي، وهو مهم للغاية للحيوانات؛ لأنه يمكنها من إيجاد طريقها ومعرفة بيئتها وتذكر سماتها وعلاماتها المميزة. تتعلم الحيوانات أيضًا تجنب تناول الأطعمة المرتبطة بالمرض، وخاصة تلك المسببة لاضطراب الجهاز الهضمي، ويعرف هذا السلوك بالمذاق المنفر. ويمكن لأي شخص يحاول التخلص من الفئران في مزرعته تمييز هذا السلوك المكتسب. فاستخدام سمٍّ ما لأول مرة لقتل الفئران يقضي على كثير منها، ولكن عند استخدامه للمرة الثانية، نلاحظ أن عددًا قليلًا منها فقط يموت. فالفئران التي نجت من الموت في المرة الأولى في إثر تناول جرعة غير قاتلة تتعلم ألا تتناول هذا السمَّ مرة أخرى.
إن عالم الحيوان عالم نقي ومذهل يزخر بالمفاجئات وبعديد من السلوكيات التي تجعل من علم دراسة السلوك مجالًا كبيرًا. وهذا المجال يمكننا من أن نعطي الحيوانات قدرها المستحق في الدراسة ونتعلم كيف تفكر.
المراجع
كتب سلوك الحيوانات والدواجن، كلية الطب البيطري، جامعة الإسكندرية.
animalsciencecollege.com.au
sparknotes.com
هذا المقال نُشر لأول مرة مطبوعًا في مجلة «كوكب العلم»، عدد خريف 2017.
Cover designed by Freepik